بروفايل كبرى حميدي: «أنا زوجة الشهيد فخراوي»

2013-01-03 - 2:50 م


مرآة البحرين (خاص): "أنا زوجة الشهيد فخراوي"حاضر فيها حد الغياب، ليس غيابه هو وليس غيابها هي، لكنه غياب كل منهما في الآخر. أو ما يمكن أن نسميه بلغة صوفية حد التغايب، بقدر ما تغيب هي في فخراوي الشهيد يحضر بقوة، وبقدر ما يغيب هو فيها تحضر هي بقوة. هو العشق الذي تعرفه الثقافة الفارسية، في شعرها وتدينها ومتصوفتها وتدينها الخاص الذي يصل إلى الله بعدد أنفاس الخلائق. تجهر (كبرى) بهذا العشق بقوة، تمكنها من ذلك ثقاتها الفارسية المتصالحة مع العشق الإلهي والإنساني وعلاقتها الاستثنائية بفخراوي نفسه، أسألها، كيف تعرفت على فخراوي، تقول بدون خجل، هذا سر. تقولها بشكل يوحي لك أنها تريد أن تقوله لكنها تجد لذة روحية في الاحتفاظ به، وكأنها تريدك أن تسأله مجدداً لتوقظ فيها جماليات هذا السر والحياة التي فيه. قدر كبير من الجمال يتألق في السر.

في رسالتها لفخراوي، كانت تخاطبه عبر رباعيات الشاعر الصوفي الفارسي (أبو الخير) تقول له:

"كريم،
أسمعك تنطقها لي كما كنت تفعل دوماً "تو جان مني وداع جان آسان نيست". أسمعك الآن تترجمها في قلبي "أنت حبيبي وداع الأحبة صعب". هل كنت تعنيها حين كنت ترددها باستمرار علي؟ هل كنت  تعدُّني بهذا البيت الشعري لهذا الوداع الصعب؟ لقد تركتني على قارعة الفقد من غير وداع. كان الوداع أصعب عليك من القتل، لكن الحياة اليوم أصعب علي من القتل  دونك".

 
يسترجع البحرينيون حياتهم في الدوار كما يسترجعون أحلامهم الوجودية منذ التاريخ البعيد، أحلامهم بالعدل والمساواة والحرية والحياة الكريمة، حياتها الحالمة. شاركتهم (كبرى) هذه الأحلام، وتحمل معهم الحنين الجارف إلى نصب الدوار، لكنها تحمل دونهم نصب فخراوي في داخلها، وكأنها تعيش في فلكين، فلك الدوار وفلك فخراوي، تدور حولهما وتشدها قوة جذبهما. تتذكر لحظة العودة للدوار "كنت وفخراوي أول الواصلين" تحتفظ بصورة فخرواي وهو يتقدم تجاه ضابط بحريني خلّص شاباً من أيدي المرتزقة، قدم له فخراوي امتنانه الخالص وابتسامته المشرقة، عاد بعدها لزوجته، كان لحظتها يوشك الحلم أن يتحقق، لكنه في المرة الثانية التي ذهب فيها للضابط في مركز الشرطة لم يعد فخراوي  لـ(كبرى). غاب عنها للأبد، فقررت أن تجعله حاضراً في كل شيء من هذا الوطن للأبد.

أنهت مأتمها الخاص بسرعة، ومنحت نفسها لفخراوي ليبقى شاهداً حياً. تحدت قانون السلامة الوطنية الذي فرض على الناس الموت بخوف والعيش بما يشبه الموت، ذهبت للمغتسل حيث ما يزال جسد فخراوي طرياً والخوف منه  يرعب أجهزة السلطة التي أرادت أن تستقوي برسائل التحذير والتهديد. لم تعبأ هي بكل ذلك، فعلت ما مكّن ضوء الكاميرات أن يلتقط آثار التعذيب الوحشي على جسده، تلك كانت مهمتها الإعلامية الأولى، حفرت في قلوب الناس آثار الحقد التي يحملها رجال هذا النظام، قدمت للعالم جسد فخراوي دليلاً على موت الإنسان في هذا الوطن الصغير.

غادرت قبره وحملته معه، راحت تعرّف نفسها للناس وكأنها تدشن مرحلة جديدة من حياتها "أنا زوجة فخراوي" وكأنها تقول: أنا روح فخراوي، سألاحقكم حتى آخر قطرة من دمه ودمي. أسألها من أنت؟ تقول لي "أنا زوجة شهيد ثائر لا تهدأ" لم تعرف كبرى الهدوء، حركة دائمة، وكأنها بحركتها تمنح فخراوي قبلة الحياة كي تنقذه من ذاكرة النسيان والموت.

قررت ألا شيء يمكن أن يعوض فخرواي، رفضت استرضاءات السلطة ووضعتها في خانة العدو الذي يجب أن تسقطه بالهزيمة المذلة، نست للأبد أنها في يوم ما كانت من كبار موظفي مكتب ديوان ولي العهد. حين حاول وزير الداخلية أن يجس إمكان تهدئتها، أوصلتَ له جملتها القاطعة "عمره عدوي ما يصير صديقي".

حاسمة تجاه كل ما يصدر من هذه السلطة، لا تُعطي لها أية فرصة لتجميل قبحها، في معرض الكتاب الدولي في مارس 2012 أصدرت بياناً قاطعا"باسمي أنا كبرى حميدي زوجة الشهيد عبدالكريم فخراوي، مدير عام مكتبة فخراوي،  أعلن مقاطعتي لمعرض الكتاب.. لست ضد ثقافة القراءة،  شعاري والشهيد سيبقى دائماً الثقافة ثم الثقافة ... [لكن ] سوف أقاطع كل فعالية تقام في وطني الجريح حتى تحقيق مطالب الشعب. فما يقوم به القائمون على هذه الفعاليات هو محاولة تجميل صورتهم للعالم،وإخفاء ما يعانيه أبناء شعبنا المظلوم".

 
في الحراك الميداني، تجد صفتها الحقيقية، صفة زوجة الشهيد التي لا تعرف الهدوء، وجد ائتلاف شباب 14 فبراير في صوتها قوة الميدان، فقدمها لقراءة بياناته والتحشيد لفعالياته، صارت ملهمة بقوة الكلمة وثبات الموقف. في التحشيد لفعالية (ميادين اللؤلؤ) في 24 ديسمبر 2012 وقفت مخاطبة الناس "يا شعب الصمود.. كونوا في الساحات كما كانت أرواح الشهداء.. ساحاتنا كلها ميادين لؤلؤ".

في مسيرة المنامة في 7 سبتمبر 2012 قام أحد الضابط بملاحقتها وبسحبها من عباءتها من الخلف بغرض الإمساك بها لتقع أرضا، وتعرضت إلى رضوض وكدمات في يديها ورجليها إثر سقوطها. مع ذلك تصر على المشاركة في المسيرات التي تنظمها قوى المعارضة بمختلف أطيافها، متقدمة المسيرات وهي تحمل صورة زوجها الشهيد فخراوي، مصرة على "أن تري العالم أجمع بأن قضية الشهيد لا زالت حاضرة لن تمحى من ذاكرتها أبدا طالما قاتله حر طليق".

هكذا، تؤكد (كبرى) استمراها في السير في طريق فخراوي، مرددة أبيات الشاعر الصوفي أبو الخير:

لم يمشِ قلبى فى طريقٍ سوى طريقكَ

ولم تنبس روحى إلا بكلمة حبكَ..


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus