حصاد النيابة: كيف تنتهك النيابة العامة النظام العام؟

2013-01-04 - 3:13 م


"النائب العام، من يقيم الدعوى باسم الأمة، ممثلا للنظام العام".  هل النائب العام البحريني يمثل نظام الملك أم النظام العام؟ هل يمثل وكلاء النائب العام الإرادة الملكية الخاصة أم الإرادة الشعبية العامة؟ هل تقيم النيابة العامة الدعوى باسم الأمة أم باسم ملك الأمة؟ كيف تجري تعينات الوكلاء؟ وكيف يقيمون الدعاوي؟ وكيف تحرك الداعوي؟ وكيف تنتهك النيابة النظام العام الذي تمثله؟ وكيف أدارت الدعاوي السياسية طوال السنتين الماضيتين؟ هذا ما نحاول الإجابة عليه من خلال حصاد ملف النيابة العامة في مجموعة من التقارير الخاصة.

مرآة البحرين (خاص): تنص الفقرة (أ) من المادة الثانية من المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين عام 1990 على أنه يجب على الدول " تضمين معايير اختيار أعضاء النيابة العامة ضمانات تحول دون تعيينهم على أساس التحيز أو المحاباة، بحيث تستبعد أي تمييز ضد الأشخاص يستند إلى العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي وغيره من الآراء، أو المنشأ الوطني والاجتماعي أو الأصل العرقي أو الملكية أو المولد أو الحالة الاقتصادية أو أي وضع آخر، ولا يستثنى من ذلك سوى أن اقتضاء كون المرشح لتولى منصب عضو النيابة العامة من رعايا البلد المعنى لا يعتبر تمييزا".

المراسيم الملكية
إلا أن المطلع على  المراسيم والأوامر الملكية والقرارات الصادرة من الملك أو من مجلس الوزراء منذ العام 2003 وحتى اليوم، ويدقق في تعيينات رؤساء ووكلاء ومحامي النيابة العامة وأسمائهم، يكتشف عكس ذلك، وأن النظام الحاكم في البحرين قد ضرب هذه المادة وغيرها من المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بالجدار، فقد استند في تعيينات رؤساء ووكلاء النيابة العامة على معايير "الولاء والطاعة المطلقة" الخاضعة لسلطاته، والتمييز الفاقع، وضمان الهيمنة على قراراتها من قبل السلطة التنفيذية، خصوصاً فيما يتعلق بالقضايا السياسية، والتحيز الواضح والمحاباة لأجهزة الدولة، والأجهزة الأمنية خصوصاً، وعدم النزاهة والتواطؤ على إلباس شخصيات معينة تهماً "معلبة" إذا ما اقتضت سياسة ومنهجية الدولة/القبيلة ذلك، وغيرها من المعايير التي يفصلها النظام والملك لنفسه خدمة لسلطاته المطلقة.

ولو أخذنا مثالاً واحداً فقط من تلك المراسيم والأوامر الملكية التي صدرت، وقرأنا الأسماء المعينة في النيابة العامة، نكتشف ذلك بكل وضوح، فمثلاً: الأمر الملكي رقم (5) لسنة 2003 بتعيين أعضاء النيابة العامة:

نحن حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين.
بعد الإطلاع على الدستور ... أمرنا بالآتي:

يُعين المستشار محمد رأفت مصطفى برغش محامياً عاماً أول. 
يُعين المستشار أحمد رأفت شنيشن محامياً عاماً أول.
يُعين الشيخ خالد بن علي بن عبدالله آل خليفة رئيساً للنيابة العامة من الفئة (ب).

 
وائل بوعلاي
يُعين وكيلا ً للنائب العام كل من:

1-     ممدوح أحمد عبدالله المعاودة.
2-     فهد سالم عتيق سالم.
3-     جمعة عبدالله عتيق سالم الموسى.
4-     حسن عباس جعفر محمد.
5-     وائل رشيد خليفة بوعلاي.
6-     أحمد محمد علي محمد.
7-     أسامة علي جاسم العوفي.
8-     هارون عثمان يوسف الزياني.
9-     حسين محمد حسين بوعلي.
10-    معاذ مبارك محمد العايدي.
11-    محمد راشد عبدالله الرميحي.
12-    نواف عبدالله حمزة.
13-    علي أحمد جمعة الكعبي.
14-    نايف يوسف محمد محمود.
15-    عبدالرحمن علي عبدالرحمن بلال.
16-    علي خليفة أحمد الظهراني.
17-    خليفة علي عيسى البنعلي.
18-    محمد ميرزا محمد أمان.
19-    الشيخ حمد بن سلمان بن محمد آل خليفة.
20-    نواف محمد حمد المعاودة.
21-    الشيخة نورة عبدالله عبدالرحمن آل خليفة.
22-    منى جاسم محمد الكواري.

من دائرة الإدعاء العام إلى النيابة العامة
حتى العام 2002 كان يطلق على النيابة العامة "دائرة الإدعاء العام" وهي جزء من وزارة الداخلية وتحت إشراف مباشر من وزير الداخلية نفسه، استناداً إلى ما جاء في المرسوم رقم 29 لسنة 1996م بإعادة تنظيم وزارة الداخلية.

وقد جاءت المادة (6) من مرسوم بقانون رقم 46 لسنة 2002م بإصدار قانون الإجراءات الجنائية بأنه "تستبدل عبارة "النيابة العامة" بعبارة "الإدعاء العام"، وعبارة "النائب العام" بعبارة "المدعي العام" .. أينما وردت في القوانين والأنظمة المعمول بها"

وعليه، فإن مسمى "الإدعاء العام" قد تغير، إلا أن النيابة العامة – كجهاز - ظل غير مستقل، وإنما فقط تم تغير المسمى وإلحاق تبعيته لوزارة العدل بدلاً من وزارة الداخلية، مع الإشارة إلى أن كل من وزارتي العدل والداخلية يرأسهما فرد من آل خليفة، وكلا الوزيرين هما عضوان في مجلسي الدفاع الأعلى الذي يرأسه الملك نفسه، وهو المجلس الذي يضع السياسات الأمنية الداخلية والخارجية، ويتألف أعضاؤه من 14 فرداً من القيادات السياسية والوزراء، وجميعهم من أسرة آل خليفة.

والمطلع على السِّير الذاتية لرؤساء أو وكلاء النيابة العامة الذين يتم تعينهم بمراسيم ملكية وخلفياتهم ومناصبهم السابقة التي جاءوا منها قبل تسلمهم رئاسة أو وكالة النيابة، وخصوصاً الرؤساء والوكلاء الذين يُناط بهم التحقيق في القضايا المتعلقة بالاحتجاجات الشعبية المطلبية والتي تضمنت محاكمة العديد من النشطاء السياسيين وحقوق الإنسان، يظهر أن أغلبهم قد كانوا في السابق يتبوءون مواقع عسكرية أو أمنية تابعة للأجهزة الأمنية والعسكرية والمخابرات، الأمر الذي ظهر جلياً وواضحاً في تعاطيهم وانحيازهم التام للأجهزة الأمنية ومحاولة تبرئتهم منذ تفجر ثورة 14 فبراير 2011 وقبل ذلك أيضاً، بل السعي منهم (رؤساء ووكلاء النيابة) لإلصاق التهم الملفقة وتطويع مختلف مواد القانون من أجل إدانة المتهمين والنشطاء السياسيين والحقوقيين، فضلاً عن تجاوز هؤلاء الرؤساء والوكلاء معايير وقيم النيابة العامة التي نصت عليها المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة.

وبما أن الرؤساء والوكلاء في النيابة العامة يتم تعينهم بمراسيم ملكية استناداً  على معايير التبعية للسلطة والانسجام معها لا على معايير النزاهة والكفاءة والاستقلال، بالإضافة إلى خلفيتهم وبيئتهم العسكرية والأمنية التي جاءوا منها، سوف يضمن ولاءهم الدائم للسلطات، وتواطُؤَهم مع الأجهزة الأمنية لإدانة المتهمين السياسيين وتبرئة منتسبي وزارتي الداخلية والدفاع من أي انتهاك في حق المتهمين.

سير وكلاء النيابة
 
النائب العام
ولو أخذنا عينة من هؤلاء الرؤساء الوكلاء في النيابة العامة الذين يتولون التحقيق في القضايا السياسية، واطلعنا على سيرهم السابقة سيتضح ذلك جلياً:

1 - على فضل البوعينين- النائب العام برتبة وزير - كان يعمل ضابطا في إدارة الإدعاء العام بوزارة الداخلية، ثم عُين نائباً لرئيس اللجنة الأمنية التي شُكلت إبان انتفاضة التسعينيات، وهذه اللجنة متهمة – حينذاك -  بتعريض النشطاء والمعتقلين للتعذيب الذي أفضى في بعض حالاته للقتل وللعاهات المستديمة الجسدية والنفسية في العديد من الحالات الموثقة.

2 -  نواف محمد حمد المعاودة- رئيس نيابة- عمل برتبة ضابط بوزارة الداخلية قبل انتقاله للنيابة العامة، وعين في العام 2003م بمرتبة وكيل للنائب العام، وقد صدر في 7 أغسطس 2012 مرسوم ملكي رقم 59 لسنة 2012 بتعيينه أمينا عاماً للتظلمات في وزارة الداخلية بدرجة وكيل وزارة، وذلك لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد لمدد أخرى. الأمر الذي يوضح مدى استناد تلك التعينات للمعايير المخالفة تماماً للنزاهة والقيم التي – من المفترض – أن تقوم عليها النيابة العامة.

3 - أسامة علي جاسم العوفي - رئيس نيابة- عمل برتبة ضابط بوزارة الداخلية قبل انضمامه للنيابة العامة، كما عين في العام 2003م بمرتبة وكيل للنائب العام.
تم ترقيته في العام 2005م وكذلك في العام 2007م على التوالي، الى درجة رئيس نيابة من الفئة (ب) بدرجة قاض ثم وكيلاً بالمحكمة الكبرى.

4 - حميد حبيب-  محامٍ عام بالنيابة العامة - عمل باحثاً في الإدعاء العام بوزارة الداخلية، ثم رئيساً للشئون القانونية بالمحافظة الشمالية، وهي تتبع إدارياً وزارة الداخلية. عُين في 2005م بدرجة رئيس نيابة من الفئة (أ) برتبة رئيس محكمة كبرى.

5 - أحمد الدوسري- محامٍ عامٍ بالنيابة الكلية - كان يعمل برتبة ضابط في قسم التحقيقات الجنائية التابع لوزارة الداخلية.

6 - نواف عبدالله حمزة - رئيس النيابة ورئيس وحدة التحقيق الخاصة بالنيابة - عمل برتبة ضابط في وزارة الداخلية قبل التحاقه بالنيابة العامة. عُين في العام 2003م بمرتبة وكيل للنائب العام، ثم في 2005، وكذلك في العام 2007 على التوالي، في درجة رئيس نيابة من الفئة (ب) بدرجة قاض ثم وكيلاً بالمحكمة الكبرى.

واللافت للنظر أيضاً، وحتى يضمن النظام الخليفي الولاء المطلق لمن يعينهم، تم الاعتماد بشكل متزايد على موظفين غير بحرينيين بعقود مؤقته في النيابة العامة، على حساب الكفاءات المحلية التي – ربما - لا يضمن ولاءها السياسي للسلطة، حيث خلال سنوات شغل مواقع النيابة العامة المختلفة مجموعة من المستشارين القانونيين من جنسيات عربية متعددة، وأغلبهم من جمهورية مصر العربية. ومن ضمنهم:
  • وجيه كمال حسن أباظة – شغل منصب رئيس نيابة من الفئة (ب)
  •  محمد رأفت مصطفى برغش - شغل منصب محامٍ عام أول.
  • شريف حسن عبدالله شادي - شغل منصب محامٍ عام.
  • مختار أحمد إبراهيم محمود – شغل منصب رئيس نيابة من الفئة (أ)
  • أحمد رأفت عبدالمنعم شنيشن - شغل منصب محامٍ عام أول.
  • هاني أحمد فهمي درويش - شغل منصب رئيس نيابة من الفئة (ب)
  • أشرف كمال عبدالحليم عبدالله – شغل منصب رئيس نيابة من الفئة (ب)
  • محمود مصطفى مرسي الدقاق – شغل منصب رئيس نيابة من الفئة (أ)
الخصومة غير الشريفة
 
مؤتمر صحفي لوكلاء النيابة (أرشيف)
ورغم الانتهاكات الفظيعة التي ترتكب من قبل أجهزة الأمن من تعذيب نفسي وجسدي وحشي للمعتقلين السياسيين والقتل خارج القضاء والتي أثبتها تقرير بسيوني نفسه ووصفها بـ"سياسة التعذيب الممنهج" وأسفرت عن مقتل 4 موقوفين على الأقل، ورغم كل تجاوزات القانون والانتهاكات بحق المتهمين من قبل مختلف أجهزة السلطة التنفيذية، إلا أنه لم يكن من المتوقع أن تقف النيابة العامة (خصماً شريفاً ونزيهاً) – كما هو مطلوب منها – لأي دعوى ضد أي من أجهزة السلطة التنفيذية والأمنية والتجاوزات التي تحدث والانتهاكات التي حدثت ولا زالت مستمرة ضد المتهمين، مثل دعاوى التعذيب وسوء المعاملة ضد أفراد الأجهزة الأمنية، ويرجع ذلك لتركيبة النيابة العامة وخضوعها للسلطة التنفيذية والخلفية العسكرية والأمنية لرؤسائها ووكلائها، وذلك ما بدا جلياً على أدائهم وطريقة تفكيرهم وميولهم في التعاطي بعقلية أمنية وعسكرية في القضايا السياسية، كما أثبتته شهادات الذين اعتقلوا ضمن القضايا المطلبية والاحتجاجات الشعبية وعذبوا تعذيباً وحشياً، وما أثبته تقرير بسيوني أيضاً والمحامون المدافعون عن المتهمين من كيفية تعاطي النيابة العامة وانحيازها التام للأجهزة الأمنية، بل استماتتها للإيقاع بالمتهمين وإلباسهم التهم عنوة عبر تمطيط وتطويع المواد القانونية لإدانتهم.

وفي الغالب، تكون الأدلة والشهادات التي تعتمد عليها النيابة العامة ووكلاؤها بشكل أساسي لإلصاق التهم بالمعتقلين السياسيين والنشطاء الحقوقيين هي تلك التي تعدها الأجهزة الأمنية، والتي غالباً ما تكون أدلة واعترافات منتزعة بالإكراه وتحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي الشديدين والتهديدات بالاعتداءات الجنسية والأعراض، حيث يقوم وكلاء النيابة العامة بدورهم في مسايرة تلك الأجهزة والتواطؤ معها في كل الأمور ضد من يُراد إلباس التهم عليهم، وصولاً إلى العمل على تفنيد كل مزاعم الانتهاكات التي تقوم بها تلك الأجهزة من سوء المعاملة والتعذيب التي عادة ما تكون آثارها بارزة على أجسادهم، وهو أيضاً ما وثقه تقرير بسيوني، وتغاضت عنه النيابة العامة، إلا ما ندر من دعاوى تقوم النيابة من خلالها بإجراءات شكلية كـ "تهويش إعلامي" وذر الرماد في العيون.

وهذا يتناقض تماما مع المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة والتي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين والتي نصت المادة الثالثة منه على أنه " ينبغي لأعضاء النيابة، بوصفهم أطرافا أساسيين في مجال إقامة العدل، الحفاظ دوما على شرف مهنتهم وكرامتها" وكذلك المادة 16 منه والتي تنص على أنه " إذا أصبحت في حوزة أعضاء النيابة العامة أدلة ضد أشخاص مشتبه فيهم وعلموا أو اعتقدوا، استنادا إلى أسباب وجيهة، أن الحصول عليها جرى بأساليب غير مشروعة تشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان بالنسبة للمشتبه فيه، وخصوصا باستخدام التعذيب أو المعاملة أو المعاقبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية، أو بواسطة انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، وجب عليهم رفض استخدام هذه الأدلة ضد أي شخص غير الذين استخدموا الأساليب المذكورة أو إخطار المحكمة بذلك، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لضمان تقديم المسئولين عن استخدام هذه الأساليب إلى العدالة".

التواطؤ مع الأجهزة الأمنية
بل أكثر من ذلك، حيث لا يكتفي وكلاء النيابة العامة بالتواطؤ مع الأجهزة الأمنية من أجل إدانة النشطاء والحقوقيين المتهمين وتطويع وتمطيط المواد القانونية لذلك، وتبرئة الأجهزة الأمنية من أي انتهاكات تحصل بحق المتهمين، بل يعمل الوكلاء ورؤساء النيابة العامة كشركاء مع الأجهزة الأمنية في الجريمة والانتهاكات بحق المتهمين، بحث يعمل بعضهم بالتهديد وإرغام المتهمين على التوقيع على الاعترافات الجاهزة والمعدة من قبل الأجهزة الأمنية، وصولاً إلى تعذيب المتهمين في مبنى النيابة العامة، وهذا ما أكدت عليه شهادات بعض ضحايا التعذيب من المعتقلين عن قيام رؤساء النيابة العامة بتهديدهم أو الصراخ عليهم، وإرغامهم على الإقرار أو التوقيع على اعترافات جاهزة ومتوافقة مع تلك التي تم انتزاعها تحت وطأة التعذيب في السجون والمعتقلات.

بل يؤكد المعتقلون السياسيون والحقوقيون ومحاموهم أيضاً، أنه في بعض الحالات حينما يرفض المتهم التوقيع على الاعترافات في مبنى النيابة العامة أثناء التحقيق، يعمد رئيس النيابة على تهديد المعتقل بإرجاعه ثانياً لنفس الجهة التي كانت تحقق معه وانتزعت منه الاعترافات، لينال مزيداً من التعذيب حتى لا ينكر التهم أمام النيابة أو قاضي التحقيق مرة أخرى.

تجاهل حالات التعذيب
وبحسب ما يؤكده المحامون ووقائع التحقيق والمعتقلون أنفسهم، فإن رؤساء ووكلاء النيابة العامة يتعمدون تغافل وتجاهل حالات التعذيب ومعارضة التقارير الطبية المستقلة التي تثبت تعرض المعتقلين للتعذيب الشديد، والتي عادة ما تكون ماثلة أمامهم، بل أن أجساد بعض المعتقلين تثبت ذلك وتظهر آثار التعذيب جلية وواضحة، إلأ أن رؤساء النيابة يتخذون غالباً موقفاً سلبياً من التعاطي مع تقارير اللجان الطبية، والأدهى أنهم ينحازون بشكل واضح للأجهزة الأمنية ويتخذون موقعاً دفاعياً من أفرادها وما يحدث في السجون من انتهاكات وتعذيب والتي تثبتها التقارير الطبية وأجساد المعتقلين، بل يسعى رؤساء النيابة العامة إلى الطعن والتشكيك في تلك الشهادات والتقارير، دون فتح تحقيق عاجل في تلك المزاعم وتقديم من تثبت ممارسته للتعذيب من أفراد الأجهزة الأمنية إلى المحكمة، بحسب ما تنص عليه المادة 15 من المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن دور أعضاء النيابة العامة على أن "يولى أعضاء النيابة العامة الاهتمام الواجب للملاحقات القضائية المتصلة بالجرائم التي يرتكبها موظفون عموميون، ولاسيما ما يتعلق منها بالفساد، وإساءة استعمال السلطة، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وغير ذلك من الجرائم التي ينص عليها القانون الدولي، وللتحقيق في هذه الجرائم إذا كان القانون يسمح به أو إذا كان يتمشى مع الممارسة المحلية."

ولا أدل على انحياز النيابة العامة وتواطئها مع الأجهزة التنفيذية وخضوعها للسلطات، هي التعاطي بازدواجية فاحشة في القضايا المتصلة بالشأن السياسي وبين تلك القضايا التي لها علاقة بفضائح فساد ومؤامرات تديرها أجهزة في الدولة ووزراء معينين، مثل التعاطي مع فضيحة تقرير المستشار السابق في حكومة البحرين الدكتور صلاح البندر الذي صدر في العام 2006  وكشف فيه تآمر وزير شؤون مجلس الوزراء أحمد بن عطية الله آل خليفة بإدارة شبكة لإقصاء شريحة واسعة من فئات الشعب البحريني وإشاعة الفتنة الطائفية وقيادة مشروع تدميري كامل، حيث قامت النيابة العامة بإصدار أمر بمنع النشر في الصحف في شأن هذه الفضيحة أو أي من وسائل الإعلام بحجة "عدم التأثير على سير مجريات التحقيق" ولم يسمح بالنشر حتى الآن، في الوقت الذي تسمح فيه النيابة العامة بنشر صور وأسماء المتهمين في القضايا السياسية والتشهير بهم في وسائل الإعلام المختلفة بحجة "طمأنة المواطنين" !! قبل أن يصدر القضاء حكمه، مما يثبت مدى تواطؤ النيابة العامة مع السلطة التنفيذية في كل الانتهاكات.

هوامش 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus