السلطة البحرينية، محاولات «الطأفنة» الكريهة

ناصر زين - 2013-01-05 - 5:30 م


ناصر زين*

دعا المجلس الإسلامي العلمائي إلى مسيرة جماهيرية حاشدة تحمل شعار: «الأخوة الإسلامية والوحدة الوطنية»، تنطلق من جامع رأس الرمان إلى مركز الفاتح الإسلامي (مسجد الفاتح) وإقامة صلاة موحدة، وذلك يوم الثلثاء  (15 مارس/ آذار 2011). ورحب رئيس تجمع الوحدة الوطنية الشيخ عبداللطيف المحمود رداً على جريدة «الوسط» بالخطوة رغم قوله إنه لا علم له بها.

وقال عضو الهيئة المركزية في المجلس العلمائي الشيخ أحمد أمر الله: «إن هذه المسيرة تأتي لتأكيد الوحدة كمبدأ وخيار ومصير وطني استراتيجي، لا يمكن السماح بالتفريط فيه، كما تأتي لنبذ كل الممارسات الطائفية وقطع الطريق على محاولات شق اللحمة الوطنية، وأن المسيرة  ستشارك فيها المجاميع الشعبية من الطائفتين الكريمتين".

بسبب هذا الخبر الذي جاء قبل يومين من مجزرة سترة والهجوم على دوّار اللؤلؤة في اليوم التالي، بالإضافة إلى ما سطّرته الجماهير بمختلف أطيافها وطوائفها وفصائلها من ملاحم حضارية في ميدان اللؤلؤة واستطاعوا إزالة الشوائب بين المواطنين ولملمة الشمل وتذويب كل الإيديولوجيات في بوتقة الوحدة الوطنية والمصير المشترك، وما ساهمت فيه رياح الربيع العربي من تهيئة الأرضية لثورات الشعوب ضد أنظمتها القمعية، هنا ارتعدت فرائص السلطات البحرينية خيفة وتوجساً من أن ينفلت عقال (التشتيت والتفريق) بين فئات الشعب من يدها، والذي كانت ممسكة به، وهو اللعبة التي كانت تتقنها ببراعة في سبيل تفتيت الوحدة بين الطائفتين من السنة والشيعة وعدم اتحادهما واجتماعهما وإجماعهما على مطالب شعبية واحدة ومصير مشترك تحت عنوان المواطنة بعيداً عن المصالح الفئوية والطائفية، وهي اللعبة التي نجح النظام في إدارتها طيلة عقود استلهاماً واستنساخاً لألاعيب الإستعمار البريطاني للبحرين – حينذاك - وسلاحة الفتاك "فرق تسد".

بهذه الدعوة من المجلس العلمائي التي جاءت في وقت قد يمثل مقتلاً للنظام وقتذاك، وغيرها من الأمور التي صاحبت الثورة بسيطرة الثوار على الدوّار طيلة شهر، استشعر النظام حينها، بل أيقن، بخطورة الأمر عليه في حال ظل اجتماع السنة والشيعة كشعب واحد للمطالبة بحق المشاركة في القرار والثروة، في الوقت الذي كان مستفرداً هو بالقرار والسلطة والثروة منذ عقود طويلة، فكيف يسمح بمشاركة الشعب معه في ذلك، وهو مَنْ يعتبر البحرين وما عليها ملكاً له و"غنيمة غزو".

هنا، كان لابد للنظام، أن يخطط ويدبر كيف يضعضع هذا البنيان الذي أخذ في التراص والتمدد والتشكل القوي منذ أن بدأت الثورة في 14 فبراير، وأصبحت المسيرات تضم مئات الآلاف دون اعتبارات طائفية في إطار ملتزم بالسلمية الحضارية المحرجة للنظام، وعليه أوعزت السلطات البحرينية هنا إلى ماكنتها الإعلامية وشاشاتها الطائفية وأقلامها المأجورة إلى تجييش وتحريض وبث الكراهية بين مكونات الشعب، فكان لابد من أجل أن تكتمل عملية "طأفنة" الثورة أن يتم ترويج مسمى "دوّار المتعة" على دوّار اللؤلؤة لإصباغها بلون طائفي واحد تمهيداً لبث مزيد من مفاهيم "الطائفية العفنة" لتجد سوقها في أوساط الطائفيين عبر المنتديات الفتنوية والشبكات والمنابر الدينية التابعة والموالية للنظام، ومن هنا نفهم لماذا  يقوم الضباط والمعذبون في السجون والشوارع بنعت المعتقلين ووصفهم بـ"أولاد المتعة" حيث لم تأتِ من فراغ، بل أن ما رُوّجته السلطات – عبر شبكات التواصل الإجتماعي والمنتديات الموالية – من أن هناك خيمة رقم (6) مخصصة "للمتعة" في الدوّار، هو يصب في ذات الهدف، ولا زالت هذه الفبركات السخيفة ثابته في عقول البسطاء والمغفلين للأسف.

ولتكتمل عملية الطأفنة أيضاَ، بالإضافة لما رّوّجه النظام - عبر مختلف وسائله الرسمية والأهلية/الطائفية التابعة له - من ارتباط الثورة بولاية الفقية وإشاعة مصطلاحات ونعوت إزدرائية ضد المعتصمين والمعارضة مثل (الرافضة، المجوس، الصفويين، الخونة)، كان لابد أيضاً من تصوير الحراك الشعبي المطلبي بحالة من التفسخ الأخلاقي وربطه بالمعتقد الديني للتشيع المذهبي حتى تكتمل عملية "الطأفنة" للحراك في نظر كثير من المغفلين والبسطاء والمتعصبين مذهبياً للأسف من شركاء الوطن كبضاعة رائجة في سوق التعصب الديني والطائفية العمياء، والمحيط الإقليمي المنفجر بالطائفيه بوسائل إعلامه الجاهزة لهذه البضاعة المزجاة. 

ولذلك سعت السلطات البحرينية لتشويه الصورة الناصعة للحراك الثوري المطلبي، حيث رأينا كيف وضع أحد مستشاري الملك بعد ساعات قليلة من الإخلاء الثاني للدوّار صورة لقميص نوم نسائي فاضح لونه أحمر، يحمله جندي من الجيش، حيث ادعى فيه أنه وُجِدَ في داخل خيام المعتصمين، وكتب هذا المستشار تغريدة تهكمية واستهزائية بما معناها "ماذا كان يحدث في داخل خيام الدوار؟!!" تحت صورة القميص، إيحاءً منه بأن هناك "ليالي حمراء" !!

هذا بالإضافة إلى قيام الجيش وقوات النظام بتصوير فيلم من داخل خيام المعتصمين بعد إخلاء الدوار يُظهر مقاطع فيديو لـ "واقيات ذكرية" مستخدمة داخل الخيام وأخرى غير مستخدمة، وملابس داخلية نسائية بجانب الأسلحة والمسدسات الفرد والسيوف التي زعمت السلطات أنها عثرتْ عليها داخل الخيام، بالإضافة إلى إشاعة أخبار كاذبة أن المعتصمين كانوا يتعاطون "حبوب هلوسة"، على غرار ما ادعاه النظام المصري ضد الثوار، وكل ذلك من أجل ضرب الثورة وإسقاطها أخلاقياً وتشويه صورتها إعلامياً وربط حراكها بالأمور العقيدية والمذهبية تمهيداً لطأفنتها أمام المكون السني في الداخل بالذات لضرب إسفين التفريق والتمزيق والتشرذم حتى لا يجتمع المكونان على مطالب واحدة تحت عنوان المواطنة التي من شأنها سحب الإمتيازات من حكم الفرد الواحد المستفرد بالسلطة والمستحوذ على خيرات ومقدرات الوطن طيلة عقود وعقود.

وللأسف هذه اللعبة، انطلت على كثير من الناس، خصوصاً لدى المكون الآخر، وهبوا بـ "فزعة" للدفاع عن طائفتهم، نتيجة عامل الخوف الذي زرعه النظام بحملة كبيرة وشعواء عبر أبواقه الإعلامية وأدواته "الإنترنتيه" والمنتديات الطائفية التابعه له بتصوير الحراك المطلبي أنه يهدف إلى إقامة دولة شيعية (اثني عشرية/ مهدوية) هدفها قتل (أهل السنة) على الهوية واستعبادهم، وقد ساهمت جميع أجهزة الدولة ووزراؤها في هذه الحملة الخبيثة بزرع هذا الوهم والخوف والرعب في نفوس أهل السنة ضد أخوانهم الشيعة، فتم فبركة القصص والقضايا الجنائية من الإدعاء بقطع لسان المؤذن لأنه يأذن بأذان (سني المذهب) – والذي أبطل هذه القضية القضاء المسيس نفسه – وكذلك قتل سائق التكسي الشيخ العمري (السني)، والذي يثبت شريط فيديو أنه تعرض لحادث سير وليس قتلاً، بالإضافة إلى إلباس الأطباء تهمة التمييز في علاج (أهل السنة)، بل الضرر بهم، وهذا ما نفاه تقرير بسيوني، وبرّأه قضاء السلطة أيضاً نظراً لسخافته، وغيرها من الأكاذيب التي تصب في ذات السياق لزرع هذا الوهم والخوف والتوجس عند المكون السني تجاه المكون الشيعي وإظهار أن "النظام" هو الحامي والحافظ الأول للسنة من "الشيعة الخونة الصفويين الذين يريدون تحويل البحرين للمحافظة 14 لإيران"!!.

ومن هنا جاء تقرير لما يعرف باللجنة الأهلية لتوثيق أحداث 14 فبراير (كرامـــــــــة) التابعة (لتيار الفاتح) والتي ادعت فيه توثيق 30 اعتداء على مساجد أهل السنة من قبل الصفويين* خلال شهري فبراير ومارس 2011 ، ولذلك نفهم لماذا تزامن قمع الدّوار مع تهديم السلطة نحو 40 مسجداً شعيّاً، ألا وهو مشروع (طأفنة) الثورة، بحيث يتم لصقها بالمعتقد الديني والمذهبي، وإلا لم يكن للمساجد والمأتم دور في تأجيج ثورة 14 فبراير، فلماذا يتم استهدافها آنذاك؟!! إلا أن يكون ضمن مشروع "الطأفنة".

لكن وعي الجماهير البحرينية بمختلف طوائفها وحراكها الواضح طيلة عامين أبطل إدعاءات السلطة والنظام من أن المشكلة في البحرين طائفية، وأثبت الحراك أن المشكلة قائمة بين شعب يطالب بالحرية والعدالة والديمقراطية والتوزيع العادل للثورة وبين حكم القبيلة والفرد والديكتاتورية المتجذرة في عمق السنين والمعشعشة في حنايا النظام البحريني، وليس بين السنة والشيعة أبداً.

*صحافي بحريني.

الصفويون واعتداءاتهم على مساجد السنة *


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus