حصاد النيابة العامة: نيابة تنتهك النظام العام وتخالف قانون الإجراءات الجنائيّة

2013-01-07 - 4:25 م


مرآة البحرين (خاص):
البحرين ــ حميد الملا*:
     
برغم الإشكالات التي أُحيطت بمجيء السّيد بسيوني، وبطريقة إنشاء لجنته، إلا أنّ تقريره تضمّن تفصيلات موسّعة بشأن الانتهاكات الخطيرة التي تعرّض لها البحرينيّون خلال الفترة التي غطّاها التقرير، وهي انتهاكات لم تكن مخالة للقوانين المحلّية فحسب، بل أثبت تقرير بسيوتي تعارضها مع القوانين الدّوليّة أيضاً.

ومن المهم الإشارة إلى أنّ التقرير ساهم مساهمةً كبيرةً في توثيق الحالات التي تضمّنتها مرافعات المحامين الخطّيّة والشّفهيّة، وقد استعرض المحامون فقرات من تقرير بسيوني في المرافعات التي شملت الأحداث والقضايا المختلفة، ومنها القضية المعروفة بمجموعة (21)، وقضيّة الكادر الطّبي، والصّحافيّة نزيهة سعيد، وغيرها.

بالنسبة للمحامين، وفيما يتعلّق بتفكيك الاتهامات المركّبة في القضايا المختلفة، فإنّه من الجدير ذكره أنّ جميع الحالات التي تمّ الترافع عنها في المحاكم؛ قدّموا إفادات مباشرة بأنّهم تعرّضوا للتّعذيب الشّديد، وكانت الأهوال التي أسقطت عليهم أثناء التّحقيق العامل الأكيد الذي حملهم على الاعتراف بأمورٍ اخترعها الجهاز الأمني والمحقّقون التّابعون له. 

الأمر الذي ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار، هو أن تقرير بسيوني قام بتوثيق ذلك في البند(1230)  في الفقرة (ثالثاً: النتائج التي خلصت إليها اللجنة)، وجاء في التقرير بأن "المعلومات التي تمّ الحصول عليها من مصادر مختلفة، سيما أثناء المقابلات مع الأشخاص الذين ادّعوا أنهم ضحايا لسوء المعاملة ولأشكال أخرى من الإساءة البدنية والنفسية أثناء وجودهم في مراكز التوقيف التابعة للدولة، إنه كان هناك أنماط معينة من السلوك التي كانت تنتهجها الأجهزة الحكومية. لم تكن هذه الأنماط موحدة باستثناء ما يتعلق بسوء المعاملة مع فئات معينة من الموقوفين بما في ذلك بعض أفراد الطاقم الطبي الذين ألقي القبض عليهم بتهم مرتبطة بأحداث مجمع السلمانية الطبي والشخصيات السياسية الأربعة عشر الذين كانوا موقوفين في سجن القرين. كان الغرض في الكثير من هذه الحالات هو الحصول على إفادات أو اعترافات تجرم أولئك الأشخاص المقبوض عليهم وفي حالات أخرى، كان الغرض المقصود من الحصول على إفادات من بعض هؤلاء الأشخاص هو استخدامها ضد أشخاص آخرين ينتمون إلى نفس الجماعة".

وقد ثبّت التقرير هذا الأمر في مواضع أخرى، حيث شدّد على الإشارة إلى مسألة الإساءة في معاملة بعض الأفراد، وخصّ بالذكر في فقرات معيّنة أعضاء الطّاقم الطّبي.

الصّحافية نزيهة سعيد.. الإدانة والبراءة!

 
بعد استدعائها مباشرةً، وفور حضورها إلى مركز الشّرطة؛ تعرّضت الصّحافيّة نزيهة سعيد إلى تعذيب وحشي، استلزم خضوعها للعلاج في الخارج. وبناءً على الانتهاكات الواقعة على سعيد؛ قُدِّمت إحدى المتّهمات بالمشاركة في جلسات التّعذيب؛ إلى المحاكمة بتهمة الاعتداء على جسم الغير، إضافة إلى رمي المجني عليها بما يخدش شرفها جرّاء وصفها بألفاظ حاطّة بالكرامة تمّ تثبيتها في المحضر. إلا أنّ هذا الدّعوى – التي سُجّلت تحت رقم 4938/2012  - انتهت بتبرئة المحكمة للمتّهمة – وهي الضابطة سارة الموسى -  وإسقاط جميع التّهم المنسوبة إليها، ما حدا بالنيابة العامة لإستئناف الحكم المذكور.
أيضاً، يأخذ المحامي جدّية وافرة في التوثيق الذي ذكره السّيد بسيوني في تقريره فيما يتعلق بمعاملة المعتقلين، لما في ذلك من تأثير أساس في بناء الاعترافات وتركيبها. بالرجوع إلى الفقرة (1235) من تقرير بسيوني، نجده يقول إنه: "ألقي القبض على معظم الموقوفين على يد قوات الأمن دون تقديم أمر القبض الخاص بهم إليهم، وأن العديد من الموقوفين تم احتجازهم لأسابيع وأحياناً شهور دون السماح لهم بالاتصال بالعالم الخارجي، وبأنه لم يكن هناك أي وسيلة للاتصال بالمحامين لفترات طويلة، والتي كانت تمتد أحياناً حتى يوم المحاكمة".

السّماك.. الخيط الأبيض

ومن بين الأمثلة التي يجدر التوقّف عندها، هو ما ورد في الحالة  رقم (58) من تقرير لجنة تقصي الحقائق فيما يخص الدكتورة زهرة السماك، وممّا جاء فيه: "تم القبض عليها في يوم 11 أبريل 2011م في مطار البحرين الدولي عندما كانت تحاول مغادرة البلاد مع زوجها وأطفالها الثلاثة، وبعد القبض عليها أصطحبت لمنزلها والذي تعرض بعد ذلك لأفعال النهب وسُرق منه خمسة آلاف دينار بحريني، ثم أخذت الموقوفة إلى مركز احتجاز مدينة عيسى وترك الأطفال من دون والديهم بسبب القبض على الموقوفة وزوجها. وأثناء التوقيف كانت معصوبة العينيين لأيام وتعرضت للضرب ولا سيما على صدغيها ولقد تعرضت للإهانة وقيل لها أن الشيعة لا يمكن أن يكونوا أطباء. ولم يتم إعلام الموقوفة عن مكان زوجها حتى يوم 3 يونيو عندما عرفت بخبر مثوله أمام المحكمة العسكرية".

 
من المهمّ جدّاً الاطلاع على السّياق القانوني الذي تجري فيه الأحداث المنظورة، وهذا الأمر لا يخصّ فقط عمل المحامين والمادفعين عن المعتقلين، بل إنّه يُقدِّم فائدة لجهة استنطاق الموقف الرّسمي، وتوفّر القدرة على محاكمته أو محاصرته أمام نفسه. 
     
وفي هذا الصّدد، من الملاحَظ أن تقرير بسيوني استند في توصيفه للحالات المذكورة على كونها تمثّل مخالفات جسيمة مع القوانين المحلية والقوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقّعت وصدقت عليها البحرين، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وإتفاقية مناهضة التعذيب. المثير أيضاً أنّ الإجراءات المتخذة كانت مخالفة لدستور المملكة نفسه ولقانون الإجراءات الجنائية المتّبعة في البلاد. ومن المفيد الإحاطة بذلك على نحو مفصّل لإدراك الصّورة كاملةً.

المادة (19) من الدستور البند (د) تنص على أنه: "لا يعرض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي أو للإغراء أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك، كما يبطل كل قول أو إعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو بالإغراء أو لتلك المعاملة أو التهديد بأي منها".

كما أن المادة (20) من الدستور في البند (ج) قد نصّت على أن  "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية، تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون". وفي البند (د) من المادة نفسها جاء: "يحظر إيذاء المتهم جسمانياً أو معنوياً". وفي المادة (هـ) ورد: "يجب أن يكون لكل متهم في جناية محام يدافع عنه بموافقته".

الإجراءات الجنائيّة.. قانونهم يُدينهم

يقف المحامون بجديّة عند قانون الإجراءات الجنائيّة، وذلك نظراً للمخالفات التي ارتكتبتها السّلطات وفقاً لهذا القانون نفسه، وهذا يُشكّل إدانة داخليّة هامة، فضلاً عن كونه يكشف جانباً من التعنّت الشّديد الذي استولى على السّلطات حدّ أنّها ضربت بعرض الحائط كلّ الاعتبارات والمواثيق، بما فيها تلك التي التزمت بها.  ولإدراك ذلك، من المفيد الإطلالة على بعض مواد القانون المذكورة.

جاء في المادة (61) ما نصّه: "لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانوناً، كما يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً". وجاء أيضاً: "يواجه كل من يقبض عليه بأسباب القبض عليه، ويكون له حق الإتصال بمن يرى من ذويه لإبلاغهم بما حدث والاستعانة بمحام".

أما المادة (135) من ذات القانون فإنها تنص على: "يجب أن يُمكن محامي المتهم من الإطلاع على التحقيق قبل الإستجواب أو المواجهة بيوم على الأقل ما لم يقرر عضو النيابة العامة غير ذلك. وفي جميع الأحوال لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه أثناء التحقيق".

أما المادة (141) من ذات القانون فقد نصت على أنه: "يجب على عضو النيابة العامة أن يستجوب فوراً المتهم المقبوض عليه، وإذا تعذر ذلك أمر بإيداعه أحد الأماكن المخصصة للحبس إلى حين إستجوابه، ويجب ألا تزيد مدة إيداعه على أربعة وعشرين ساعة، فإذا مضت هذه المدة وجب على القائم على إدارة ذلك المكان إرساله إلى النيابة العامة وعليها أن تستجوبه في الحال وإلا أمرت بإخلاء سبيله."

كلّ هذه البنود القانونيّة لم يتم الالتزام بها، وبأيّ حال من الأحوال، وارتكبت السلطات المعنية في الدولة مخالفات فاضحة معها، الأمر الذي يتعارض مع كلّ الإجراءات المتبعة في أي محاكمة عادلة. وللتذكير مثلاً، فإنّ الكادر الطّبي ومنذ إلقاء القبض عليهم في  17/3/2011م حتى موعد أول جلسة محاكمة في 6/6/2011م لم يلتقوا بأي من المحامين، على الرغم من المحاولات غير المنقطعة للمحامين في ذلك، بما فيها التوكيلات الخاصة بالدكتور علي العكري والدكتور غسان ضيف والدكتورة زهرة السماك.

عواصف الكادر الطّبي

 
سُجلت الدعوى المرفوعة على الأطباء تحت رقم 191/2011، وقد حضر المحامي حميد الملا عن كل من: علي العكري، غسان ضيف، فاطمة حاجي، حسن محمد سعيد وزهرة السماك. وأثناء الحضور، دفع المحامي ببطلان تحقيقات النيابة العامة، وذلك بسبب عدم حضور المحامي الموكل مع الكادر الطبي وغيرهم من المتهمين، خلافاً للمادة (20) من الدستور والتي نصت عل أنّ: "المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها جميع الضمانات الضرورية ممارسة حق الدفاع وجميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون". وقد فصّلت المادة (134) من قانون الإجراءات هذا الأصل العام باشتراط حضور محامٍ مع المتهم عند التحقيق معه.

أمام ذلك، فقد بادر المحامون إلى مخاطبة النيابة العسكريّة، وقبلها إدارة البحث الجنائي، بخصوص تلك المخالفات، كما أُثير الأمر في الصّحافة المحلّية قبل إجراء التّحقيقات، إتماماً للحجّة، وإبرازاً لحجم الانتهاكات الواقعة. النّتيجة المترتّبة على هذا الأمر، هو أنّ التّحقيقات التي تمّت مع كلٍّ من علي العكري، وغسّان ضيف، وزهرة السّماك؛ مخالفة للقانون، وذلك لأنّها أُجريت في غيبة المحامي الخاص. ومن المهم الإشارة إلى عدم صحّة ما أوردته "محكمة أوّل درجة"، من أنّ المتهم "لم يُصرّح باسم محاميه أمام النيابة العامة" أو التقرير به أمام قسم كتاب المحكمة. فحسب الوقائع، فإنّ جميع الطّلبات المُقدّمة للنّيابة العسكريّة تخالف ما ذهبت إليه المحكمة، وأكّدت على هذا التّقرير بوجود محام للمهتمّين، وقد أرفق ذلك المحامون في توكيلاتهم السّابقة على الاعتقال للجهات المختصّة، بما فيها النّيابة العسكريّة التي كانت تحتجزهم آنذاك.

ومن جانبٍ آخر، فقد دفع المحامون ببطلان القبض نفسه، وما ترتّب عليه من إجراءات. ويستند ذلك على مطالعة أوراق الدّعوى المرفوعة على الأطباء، حيث يظهر أنّ سند القبض عليهم - وعلى غيرهم - هو نصّ المادة (5/11) من المرسوم الملكي الخاص بإعلان حالة السلامة الوطنية. وهذا يعني أنّه لا يوجد إذن من النّيابة بالقبض، فضلاً عن أن الجميع لم يقبض عليهم في حالة تلبس، فكلٌّ من علي العكري وزهرة السماك تمّ القبض عليهما من مكان عملهم وأثناء تأدية هذا العمل، أمّا غسان ضيف فقد تم القبض عليه في المطار، وفاطمة سلمان وحسن محمد تمّ القبض عليهما من منزلهما حسب الثابت بالأوراق.

ما يُلاحظ هنا هو غياب الدلائل والأوراق التي تجعل من المقبوض عليهم مشتبهاً بهم، وأنّ مجرد ورود اسمهم ضمن قائمة طويلة من الأشخاص العاملين بالمستشفى؛ لا يعني أنهم خطرون على الأمن، بل أنه - وحسب ما قرّره كثيرٌ من الشهود الذين استمعت لهم المحكمة سواء من بعض شهود الإثبات أو كل شهود النفي – لم يكن تواجدهم بالمستشفى إلا لأداء عملهم، ولم يرتكبوا ما من شأنه إيجاد الخطورة على المجتمع، بل كان جميعهم يحاولون القيام بواجبهم خلال تلك الأزمة. والجدير بالذكر أنه لم تُقدّم أية أدلة مادية تثبت عكس ذلك.

*محامي من البحرين.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus