حين ما يحصل في القرى لا يبقى في القرى

2013-01-10 - 9:15 ص


جيستين غينغلر،الدين والسياسة في البحرين
ترجمة: مرآة البحرين

أثناء قيامي بمسح حول المواطنيين البحرينيين عام 2009 أمضيت وقتًا لا بأس به في قرى الجزيرة (وبشكل أساسي القرى الشيعية)، في محاولة لإقناع المشاركين المحتملين بأنني وفريق عملي لسنا جواسيس للحكومة وهلم جرا. ونتيجة لذلك، أتيحت لي فرصة مثيرة لأشاهد مباشرة الحياة في القرى، والصعوبات اليومية التي تستتبعها العزلة الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية، وبطرق كثيرة السياسية.

أخبرني أحد القرويين المسنين من قرية المالكية إحدى القرى الشيعية الساحلية كيف تم منعه من الصيد في المياه الوفيرة المجاورة للقرية عندما شيدت قصور كبيرة على طول الساحل الغربي. وعندما سألت عن السور المتهالك الذي يحجب الشاطئ في سترة، روى سكان القرية كيف أن صبيًا صغيرًا قد غرق بسبب جرف الرمال بشكل غير قانوني من الشاطئ، وبالتالي خلق منحدر حاد. وكان السياج، على حد قولهم، حل المجلس البلدي. وفي قرية كرانة الشمالية اشتكى أحد السكان بمرارة بأن الشرطة لا تدخل القرية إلا لتنفيذ عملية اعتقال أو مطاردة المراهقين الذين يحرقون الإطارات. حتى في حالة وقوع حادث سيارة بسيط، أوضح، وبغضب، الشرطة تطلب من القرويين أنفسهم سحب السيارات المتضررة إلى طريق البديع الرئيسي لفحصها، بحيث يتم فقدان أي وقائع للحادث من خلال مراقبة الدمار أو إجراء مقابلات مع شهود عيان.

ونتيجة لذلك، فإن العديد من القرى الشيعية، التي تبعد عن العاصمة ومقرات الوزارة حوالي خمسة أميال، تعلمت أن تعمل إلى درجة مذهلة بشكل مستقل عن الدولة، فيرجعون الخلافات إلى الوجهاء المحليين، ويساعدون السكان الأكثر فقرا من خلال الجمعيات الخيرية في القرية، ويقومون بإصلاحات البنى التحتية والبناء. كما أنهم، كما قد يتوقع المرء، لا ثقة لهم بالوكلاء المختلفين التابعين للدولة، وخاصة الشرطة - وهذا كان قبل دورهم الوحشي في قمع انتفاضة 14 فبراير. أسئلة عديدة  سألتها المشاركين في مسح 2009  عن مستوى الثقة في المؤسسات الحكومية العديدة، من بينها الشرطة. وكما كان متوقعًا، أعرب المشاركون الشيعة عن ثقة قليلة بالأخيرة ( الشرطة)، و 7 بالمئة فقط أشاروا إلى " ثقة كبيرة" بالشرطة و 25 بالمئة  فقط لديهم مستوى ثقة "معتدلة". وتقريبا نصف المشاركين من الشيعة قالوا إنه لم يكن لديهم "أي ثقة على الإطلاق". وهذه كانت، مرة أخرى، قبل عامين تقريبا من شباط/فبراير 2011.

وفي تناقض صارخ، عدد قليل جدا من السنة – 15 بالمئة مجتمعين –  أعربوا عن ثقة بالشرطة ليست أقل من "معتدلة". في الواقع، الشرطة تحصل على المزيد من الثقة بين السنة أكثر من أي مؤسسة أخرى استقصيتها في المسح باستثناء منصب رئيس الوزراء. ( والآخرون كانوا البرلمان، والجمعيات السياسية، والمحاكم.) وهذه أيضا ربما لم تكن مفاجئة، نظرا لنتيجة المسح الأخرى بأن 13 بالمئة من الأسر السنية على الأقل لديها عضو واحد (زوج أو زوجة) يعمل في الشرطة أو القوات المسلحة.

وبالطبع، قد يكون لديها أيضا ما تفعله مع حقيقة أن، باستثناء  إبراهيم شريف، محمد البوفلاسه، وعدد آخر قليل، المواطنون السنة لا يتعرضون للمضايقة والإهانة و/أو الاعتداء بشكل منتظم من قبل الشرطة. حتى بغض النظر عن الاشتراك غير المتناسب للشيعة في أنشطة الاحتجاج والمعارضة، العزلة الشديدة للعديد / أو معظم المجتمعات الشيعية يبدو أنها تشجع الشرطة، يشجعهم على ذلك أنهم غير معروفين والإفلات من العقات متبنين شعارًا آخر من شعارات مدينة الخطايا: "ما يحدث في القرى الشيعية يبقى في القرى الشيعة".

والاستثناء هو عندما يقوم شخص ما بتسجيل ذلك على كاميرا الهاتف النقال ويرسلها إلى موقع يوتيوب. في هذه الحالة، يمكنك الحصول على التالي، والتي أَسْمَتها قناة فرانس 24: "صفعة الشرطة سُمعت في جميع أنحاء البحرين". والواقعة وفقا للمصور:

في ذلك اليوم، كان حيدر في طريقه إلى زيارة عمته، التي تعيش على مقربة منه، ولهذا السبب لم تكن أوراقه الرسمية معه.

الحي حيث تعيش فيه عمته  كان مليئًا برجال الشرطة، لأن البحرين كانت تستعد لاستضافة قمة مجلس التعاون الخليجي [في 24 - 25  كانون الأول/ديسمبر] والحكومة تخشى حدوث الاحتجاجات.

الشيء الذي لا تراه في الفيديو هو أن شرطيًا أوقف أولا سيارة حيدر وطلب منه الخروج من السيارة. يوافق حيدر، ولكنه يرفض إبقاء طفله لوحده في السيارة. التوتر واضح، ولهذا السبب قرر شاهد العيان تصوير المشهد من نافذة منزله [يبدأ شريط الفيديو قبل ان يدخل الأب في الإطار، كما لو كان المصور ينتظر حقا  حدوث شيء ما].

ومنذ ذلك الحين أوردت وزارة الداخلية أنها اعتقلت الضابط المخالف، وبنحو محتمل لتوبيخه بسبب جذب الانتباه السلبي لقوة الشرطة التي هي الآن قيد الإصلاح  (وينبغي عدم الخلط بين ذلك وبين توبيخه لصفعه القروي). وبشكل مريح للبحرين، يتزامن هذا أيضا مع قضية قانونية أخرى ضد رجال الشرطة "المارقين". فأمس، حكم اثنان من الضباط بسبع سنوات سَجْنًا لكل منهم بسبب ضربهم كريم فخراوي حتى الموت، الذي تجرأ في نيسان/أبريل 2011 على رفع شكوى إلى الشرطة حول هدم منزله من قبل... الشرطة. بالنسبة لأولئك الذين يريدون متابعة الموضوع فإن حكم سبع سنوات فقط هي أقل ثلاث مرات من حكم 25 عاما التي تلقاها عدد من زعماء المعارضة في  حزيران/يونيو الماضي من قبل محكمة عسكرية مغلقة، وأقل بعدد لامتناهي (عدد لامتناهي مقسوما على 7) من عقوبة السجن المؤبد التي تلقاها عبد الوهاب حسين، وحسن مشيمع، ومحمد المقداد، وعبد الجليل السنكيس، وأربع شخصيات معارضة رئيسية أخرى.

وهكذا، كان أسبوعًا عظيمًا في الحصول على أدلة إصلاح الشرطة في البحرين.

31 كانون الأول/ديسمبر 2012 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus