من الذي أراد أن يجعل الثورة السلمية في البحرين مستحيلة؟ «2-2»

2013-01-25 - 8:11 ص



"الذين يجعلون الثورة السلمية مستحيلة، يجعلون الثورة العنيفة حتمية".
جون كنيدي الرئيس الـ 35 للولايات المتحدة الأمريكية

مرآة البحرين (خاص): من الذي أراد جعل الثورة السلمية في البحرين تبدو مستحيلة؟ ومن الذي أراد أن يجعل الثورة العنيفة أن تبدو حتمية؟ وهل نجح في ذلك؟ في هذا التقرير نحاول أن نسرد أحداث العنف كما وردت متسلسلة في تقرير لجنة تقصي الحقائق، نحلل بعض الوقائع التي أوردها السيد بسيوني في تقريره لنتبين المصدر الحقيقي للعنف في ثورة 14 فبراير والأحداث التي تلتها. 

إعلان حالة السلامة الوطنية 

تشير الفقرة 507 إلى أنه "وفي ضوء التدهور العام للحالة الأمنية في جميع أنحاء البحرين، أصدر جلالة الملك المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 بإعلان حالة السلامة الوطنية لمدة ثلاثة أشهر في جميع أنحاء أراضي مملكة البحرين 251 ، ونفاذاً لهذا المرسوم فقد بدأت السلطات البحرينية وجهات إنفاذ القانون باعتماد نهج أكثر حزماً تجاه كل من المتظاهرين أو أي أفراد تشترك في أعمال التخريب أو التسبب في الفوضى".

ومع إعلان حالة السلامة الوطنية بدأت الحكومة تتعامل بعنف مع كل مظاهر الاحتجاج وهو ما تؤكده الفقرات من 514 إلى 517، والفقرات من 529 إلى 535.

وفي النتيجة العامة تسرد الفقرة   1122 أهم الأحداث وتصف القوة التي استخدمت ضد المتظاهرين فتقول "استخدمت أجهزة الأمن التابعة لحكومة البحرين، خاصة قوات الأمن العام، في حالات كثيرة القوة غير الضرورية وغير المناسبة لمواجهة المظاهرات وتفريقها. وأدى ذلك إلى وقوع سبع وفيات في الإجمال ووقوع عشرات الإصابات في أوساط المدنيين، (......) وعندما أعلنت حالة السلامة الوطنية في البحرين، استخدمت قوات الأمن في البحرين، خاصة قوات الأمن العام، القوة لإخلاء دوار مجلس التعاون الخليجي من المحتجين واستعادة السيطرة على بعض الطرق الرئيسة في البحرين التي أغلقها المتظاهرون، وتفريق المظاهرات التي كانت تنظم في مختلف القرى. وخلال هذه العمليات، فإن قوات مكافحة الشغب بشكل خاص والتي نفذت تلك العمليات، قد استخدمت القوة والأسلحة النارية بطريقة مفرطة كانت في حالات كثيرة غير ضرورية وتمت بشكل عشوائي"

وتضيف الفقرة 661 واصفة الوضع بالقول "وقد ساهمت المواجهة العنيفة للمتظاهرين وعدم تجاوب الحكومة مع مطالبهم في تأجيج الغضب في الشوارع، وتسبب في وقوع المزيد من التصادمات بين المتظاهرين والشرطة".

ومع استمرار الحكومة وإصرارها على استخدام العنف والقوة ضد المتظاهرين انتشرت مظاهر العنف بصورة أوسع، وفي ذلك توضح الفقرة 667   الحالة بالقول "وفي الأسابيع التالية واجهت الحكومة بقوة جميع أشكال المظاهرات في البحرين، حيث أرسلت قوات الأمن العام في مختلف القرى والأحياء لتفريق المظاهرات، كما تم نشر وحدات من قوة دفاع البحرين في وسط المنامة، حيث تم تطويق دوار مجلس التعاون الخليجي ثم إزالته في وقت لاحق. كما اعتقلت الحكومة العديد من القادة السياسيين لحركات الاحتجاج ووضعت نقاط تفتيش في جميع أنحاء البحرين. وتم اعتقال من يحتمل أن يكون قد شارك في المظاهرات أو تعاطف مع المتظاهرين، وتعرض العديد من المعتقلين لسوء المعاملة في أقسام الشرطة. حيث استمر الحال على هذا النحو حتى 31 مارس 2011"

تعدد أشكال العنف

ولم ترتبط مظاهر العنف عند التعامل مع المسيرات والاحتجاجات، بل امتدت إلى أبعد من ذلك، حيث أشار تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق إلى استخدام العنف بحق المواطنين في صور وأشكال عدّة: منها المداهمات والعنف المستخدم بحق النساء والأطفال الواردة في المبحث الثالث من التقرير صفحة 348، فضلا عن إتلاف الممتلكات من قبل القوات الأمنية الوارد في المبحث نفسه صفحة 350، أبعد من ذلك الوصف المتعلق بمعاملة السجناء والموقوفين الذي تم تناوله في المبحث الرابع صفحة 361، والذي أثبت أن العنف الذي وقع على المعتقلين كان قاسياً ومخالفا لكل القوانين والقيم الإنسانية، وقتل بسببه خمسة سجناء تحت التعذيب.

كما أشار التقرير أنه وفي مواقع عدة كانت قوات الأمن تستخدم العنف مع المواطنين في نقاط التفتيش، وهو ما وصفته الفقرة 1118 حيث تذكر أنه "وجدت اللجنة أن وحدات من قوات الأمن العام لجأت للاستخدام المفرط للقوة في نقاط التفتيش الأمنية التي أقامتها في مختلف الطرق في كثير من المناطق في البحرين. حيث ضرب أفراد من قوات الأمن العام وركلوا وتحرشوا جسديا بأفراد اشتبه في مشاركتهم في المظاهرات أو تعاطفهم مع المتظاهرين في الاحتجاجات التي وقعت في البحرين"

مع هذا الوصف يتبين إلى أي حد استخدمت الحكومة وقواتها الأمنية القوة والعنف بحق المواطنين خلافا للضوابط القانونية، لذلك نجد تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق كان يستشهد بالقانون الدولي والمحلي خلال عرضة للفقرات التي تشير لاستخدام القوة على اختلاف أشكالها. 

قوانين تحرم العنف والقوة

 
استشهد تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق بقوانين ومبادئ قانونية عديدة متعلقة بمواقف عدة صنفت على أنها استخدام للعنف والقوة من قبل الحكومة وقواتها الأمنية فعلى سبيل المثال أشار في الفقرة 1109 إلى عدد من القوانين البحرينية التي تجيز استخدام القوة من جانب المسئولين المكلفين بإنفاذ القانون مشيرا إلى أنها تشمل:

"دستور البحرين الذي يحمي الحق في الحرية والكرامة الإنسانية، ويكفل حريات الرأي والتعبير، والاجتماع، كما يشمل قانون العقوبات البحريني أحكاما تنظم استخدام القوة من جانب مسئولي إنفاذ القانون. وأوثق هذه الأحكام صلة بهذا الشأن هي المادة 180 التي تنظم استخدام القوة في عمليات مكافحة الشغب. حيث يلزم هذا الحكم مسئولي إنفاذ القانون بأن "يتخذوا من التدابير لتفريق الذين خالفوا الأمر بإلقاء القبض عليهم واستعمال القوة في الحدود المعقولة ضد من يقاوم" وينص حكم المادة على أنه "لا يجوز لهم استعمال أسلحة نارية إلا عند الضرورة القصوى أو عند تعرض حياة شخص للخطر".

مخالفة الضوابط القانونية

ولمعرفة إلى أي حد خالفت القوات الأمنية القوانين الواردة أعلاه يمكن قراءة الفقرات الآتية ومقارنتها بالقوانين والمبادئ الدولية والمحلية وسيتبين أن مصدر العنف والقوة هي الحكومة وقواتها الأمنية:
الفقرة 1112   "بيّن فحص الأدلة التي قدمت إلى اللجنة أن وحدات من قوات الأمن العام التي شاركت في أحداث فبراير ومارس 2011 وما تلاها من أحداث، قد انتهكت، في مرات كثيرة، قاعدتي الضرورة والتناسب واجبتي التطبيق بشكل عام في الأمور المتصلة باستخدام القوة من جانب المسئولين المكلفين بإنفاذ القانون. ويتضح ذلك من اختيار أسلوب القوة خلال المواجهات مع المدنيين والطريقة التي استخدمت بها هذه الأسلحة. وتبحث الفقرات التالية قضية الضرورة والتناسب فيما يتعلق باستخدام بنادق الشوزن والغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية وسلوك قوات الأمن في نقاط التفتيش"

الفقرة   1113 "وجدت اللجنة أن وحدات من قوات الأمن العام استخدمت بنادق الشوزن في كثير من الحالات رغم عدم وجود ضرورة. وبشكل عام، أطلقت وحدات من قوات الأمن العام النار من بنادق الشوزن على مدنيين في حالات لم يكن أفراد الشرطة فيها معرضين ل " خطر حال محدق يهدد إما بالموت أو بإصابة خطيرة" (568)، وفي الحالات التي تعرضت فيها وحدات من قوات الأمن العام للهجوم من مدنيين، لم تبرر طبيعة هذه الهجمات ولا كثافتها، في معظم الحالات، استخدام بنادق الشوزن ضد المدنيين. وكان ينبغي على أفراد قوات الأمن العام اللجوء إلى وسائل أقل درجة من الفتك في مواجهة المدنيين وفقا لالتزاماتها بالحد من إصابة المدنيين بجروح واحترام. الحياة البشرية والحفاظ عليها".

الفقرة   1114 "وفي كثير من الحالات، لم تحترم وحدات من قوات الأمن العام خلال أدائها واجبها الالتزام المتضمن في القانون البحريني والدولي باستخدام الأسلحة النارية على نحو يتناسب مع درجة الخطر المحدق".

الفقرة   1115 "كذلك وجدت اللجنة أن وحدات من قوات الأمن العام لم تمتثل في جميع الأوقات أثناء استخدامها بنادق الشوزن امتثالا دقيقا بواجبها القانوني باستهداف الأفراد بطريقة تعيق الفرد أو تعطله. فالدلائل التي توفرت، بما فيها تقارير الطب الشرعي والتقارير القانونية، تشير إلى عدد من الحالات أطلق أفراد من قوات الأمن العام فيها النار من أسلحتهم دون توخي القدر اللازم من الحذر للتحقق من عدم إصابة بعض الناس بإصابات مميتة".

الفقرة   1116 "كذلك وجدت اللجنة أن وحدات من قوات الأمن العام أطلقت طلقات مطاطية بطريقة ليس من شأنها أن تؤدي لإصابات أقل جسامة".

 
الفقرة   1117 "وقد جدت اللجنة أن وحدات من قوات الأمن العام قد لجأت إلى استخدام الغاز المسيل للدموع بطريقة غير مناسبة لتفريق المحتجين. وفي كثير من الحالات، كان عدد قنابل الغاز المسيل للدموع التي أطلقت على المحتجين، لا تتناسب مع حجم المظاهرة وعدد المشاركين فيها. كما أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع في عدد من الحالات، على منازل خاصة وبطريقة عشوائية لم تقتضها الضرورة".

هكذا يتضح أن السلطة هي من أرادت جعل الثورة السلمية في البحرين تبدو مستحيلة، وهي من أرادت أن تجعل الثورة تبدو متجهة نحو العنف الحتمي، لكن رغم كل ما فعلته السلطة في البحرين لجعل الثورة السلمية في البحرين مستحيلة، لم تنجح بعد في ذلك، لا زالت الحركة الاحتجاجية ملتزمة بأكبر قدر من ضبط النفس، بعيداً عن الانجراف في ردود الفعل العنيفة الموازية لعنف السلطة، ولا زالت قوى المعارضة تعلن موقفها الرافض للعنف والداعم للحراك السلمي، ولا زال العنف صناعة السلطة بالدرجة الأولى ورد فعل المحتجين بالدرجة الثانية.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus