غلين غرينولد: بروس ريدل التابع لمعهد بروكينغز يحث على تكثيف دعم الولايات المتحدة للمستبدين السعوديين

2013-01-25 - 10:11 ص


غلين غرينولد: ذي غارديان
ترجمة: مرآة البحرين

عندما يتعلق الأمر بـ "مجتمع السياسة الخارجية" للولايات المتحدة الأمريكية، فإن أكثر من يمثله هو بروس ريدل. ريدل هو ضابط في الـ سي آي أي منذ 30 عامًا ومستشار لآخر أربعة رؤساء أمريكيين، وهو الآن زميل بارز في معهد بروكينجز الممول من جانب ثري الصناعة الترفيهية حاييم سابان  (الذي وصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه "المشجع الدؤوب لإسرائيل" والذي وصف نفسه بالقول: "أنا صاحب القضية الواحدة وقضيتي هي إسرائيل"). في عام 2012، ساهم ريدل بكتاب "العلماء" بقلم بروكينجز حول إيران الذي جادل بالقول إن الولايات المتحدة قد تشن حربًا ضد إيران من خلال تحريض حكومتها خفية للقيام بردات فعل يمكن بعد ذلك أن يتم تصويرها زورًا من قبل الولايات المتحدة للعالم بأنها "عمل غير مبرر للعدوان الإيراني"- بالضبط ما اقترح كين بولاك من معهد بروكينغز فعله في عام 2002 للتبرير المخادع للهجوم على العراق. وفقا لبروكينغز "في كانون الثاني/يناير 2009، طلب الرئيس باراك أوباما من ريدل رئاسة اجتماع مراجعة للسياسة الأمريكية تجاه أفغانستان وباكستان، وهي النتائج التي أعلن عنها الرئيس في كلمة ألقاها في 27  آذار/مارس 2009.

عندما يتحدث الخبراء في مجتمع السياسة الخارجية علنا – والذين وظيفتهم الأساسية تبرير العدوان والنزعة العسكرية لدى الولايات المتحدة - فإنهم يتنكرون بشكل نموذجي لمعتقداتهم الحقيقية وأهدافهم بلغة تعتيمية متخصصة. ولكن بين الحين والآخر، لديهم فورة صراحة غير معهودة توضح نظرتهم الفعلية للعالم. وهذا هو الحال مع مذكرة واضحة بشكل ملحوظ إلى الرئيس أوباما والتي كتبها ريدل ونشرها بروكينجز فيما يتعلق بتحالف الولايات المتحدة الوثيق للغاية مع النظام في السعودية.

ريدل يبدأ بالاشارة إلى أن "المملكة العربية السعودية هي النظام الملكي المطلق الأخير في العالم" و"مثل لويس الرابع عشر، الملك عبد الله لديه سلطة كاملة". وعلاوة على ذلك، " لم تظهر العائلة المالكة السعودية أي اهتمام في تقاسم السلطة أو في إنشاء هيئة تشريعية منتخبة. فالنظام السعودي لا يفرض فقط القمع على شعبه ولكنه أيضا له دور هام، كما يقول، في الحفاظ على الطغيان في الدول المجاورة المتعددة: "لقد قاموا بالمساعدة للتأكد من أن الثورة  لن تطيح بأي ملك عربي" و"الملوك السعوديون الأخرون سيكونون حتما في خطر ما إذا قدمت الثورة إلى السعودية". وعلى وجه التحديد:

"الأقلية السنية في البحرين لن تستمر دون الأموال والدبابات السعودية. قطر والكويت والإمارات العربية المتحدة هي عبارة عن دول- مدن  ولن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها ضد نظام ثوري سعودي، على الرغم من كل أموالهم".

ولذلك وبالنظر إلى المعاناة الإنسانية الشديدة والقمع الذي فرضه نظام الحكم في السعودية في عدة بلدان، ما الذي يجب على الولايات المتحدة - زعيمة العالم الحر والمنقذ الذي نصب نفسه للحرية والديمقراطية - فعله؟ بالنسبة لريدل، فإن الجواب واضح: العمل أكثر لتقوية النظام السعودي وكذلك الأنظمة الاستبدادية المجاورة من أجل سحق "الصحوة العربية" والتأكد من أن الثورة الديمقراطية لا يمكنها أن تنجح في تلك الدول.

ينقاش ريدل بإصرار في أن على الولايات المتحدة أن تبقى وبثبات ضد أي ثورات ديمقراطية في المنطقة. وذلك لأن المملكة العربية السعودية هي "الحليف الأقدم لأمريكا في الشرق الأوسط، وشريك يعود تاريخه إلى عام 1945." وهكذا، "ولأن المصالح الأمريكية مرتبطة ارتباطا وثيقا بآل سعود، فإن الولايات المتحدة ليس لديها خيار إبعاد الدول المتحالفة عنها في محاولة للوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ".

وبدلا من ذلك، يصر ريدل، أوباما "يشجع" الملك السعودي لتسريع الإصلاحات المتواضعة التي تبناها بشكل تجريدي، فالمبدأ الشامل الذي يقود تصرفات الولايات المتحدة هو أن "الإطاحة بالنظام الملكي يمثل انتكاسة شديدة لموقف أمريكا في المنطقة ويوفر استراتيجية دراماتيكية غير مرتقبة لإيران". ويتعين على الولايات المتحدة ليس فقط دعم الديكتاتورية السعودية، ولكن أيضا يجب أن "تكون مستعدة لدعم الممالك والمشيخات المجاورة". وكما كتب مراسل بحريني عن مذكرة ريدل هذه: "بروكينغز في الأساس تطلب من أوباما التأكد من أننا لا نزال محكومين من قبل الأنظمة الديكتاتورية".

الشيء الوحيد غير الواضح في مذكرة ريدل ما هو الأمر الملحّ الذي دعاه لكتابته. وكما يلاحظ، إن سياسة الولايات المتحدة كانت ولا تزال منذ زمن بعيد بالضبط ما يدعو إليه: التأكد من أن الشعب في السعودية ما زال مضطهدًا من جانب هذا النظام الملكي:

" فالمدافع الجدي للنظام سيكون الحرس الوطني. الملك عبد الله قد قضى حياته ببناء هذه القوة الإمبراطورية النخبة. وقد قامت الولايات المتحدة بتدريبها وتجهيزها بعشرات مليارات الدولارات من طائرات الهليكوبتر والعربات المدرعة".

في الأسبوع الماضي، أكد الرئيس أوباما أن أهمية تحالفه مع آل سعود هو أن يفعل شيئًا نادرًا ما يفعله رئيس أمريكي: وهو استضافة ليس رئيس دولة زميل ولكن استضافة مجرد وزير (وزير الداخلية السعودي، الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود) في المكتب البيضاوي. وبعد ذلك، يعلن البيت الأبيض أن أوباما والأمير السعودي "أكدا الشراكة القوية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية"..

في الواقع، لقد أغدقت إدارة أوباما بشكل مستمر السعودية بكمية قياسية من الأسلحة، وفعلت الشيء نفسه مع الطغاة في البحرين. لقد فعلت كل هذا للحافظ أكثر على التحالفات الوثيقة مع طغاة دول الخليج وهم يسحقون الحركات الديمقراطية الحاصلة على أراضيهم.

وكما هو الحال دائما، فإن الأساس المنطقي لهذا الدعم الأمريكي الثابت للاستبداد العربي مشكوك فيه في أحسن الأحوال. يلاحظ ريدل  "في حين أنه يمكن للولايات المتحدة أن تعيش بدون نفط السعودية ولكن الصين والهند واليابان وأوروبا لا يمكنها ذلك" - ولكنه من السخافة أن تفكر بأن أي شخص يحكم المملكة العربية السعودية سيرفض بيع نفطها للأسواق العالمية. ريدل يقول أيضا إن "حرب الـ سي آي أي ضد تنظيم القاعدة تعتمد بشكل كبير على المملكة" - وهذا يجعلنا أقرب إلى الحقيقة، ولكنها تبين كيف أن هذه الحرب التي لا نهاية لها هي من صنيع أكثر التصرفات الأمريكية السيئة في المنطقة، وأنه من السخرية حقًا أن الحكومة الوحيدة التي هي على صلة مع مرتكبي أحداث 11 سبتمبر قد أصبحت أقرب حليف للولايات المتحدة في "حربها على الإرهاب"، في حين أن الحكومات التي لا علاقة لها بهذا - بدءًا من إيران - قد أصبحت العدو الدائم للولايات المتحدة.

ويقول ريدل أيضا: "السعوديون كانوا أيضا لاعبين رئيسيين في احتواء إيران على مدى عقود". ولكن عندما يتعلق الأمر بالقمع والاستبداد، تكون إيران -  بفظاعة نظامها القادر على الاستمرار - غير مؤهلة بالنسبة للسعوديين. ليس هناك سبب للنظر إلى إيران على أنها العدو اللدود للولايات المتحدة، ومن المؤكد أنه ليس هناك مبرر لفرض الاستبداد المطلق على الملايين من الناس في العالم العربي لمجرد أن تلك الأنظمة معادية بالمثل لإيران.

ولكن وكما أكدت الأسبوع الماضي، النقطة هنا هي ليست الاعتراض على دعم الولايات المتحدة لأسوأ الحكام المستبدين في العالم، بل النقطة هي الحث على الاعتراف بهذا الواقع. وعلى الرغم من هذه الحقيقة الواضحة - بأن الولايات المتحدة ليس لديها اعتراض على الإطلاق على الاستبداد ولكنها نوعا ما تحبه وتدعمه عندما يكون الطغاة أوفياء لمصالحها – يقوم جحافل من "خبراء" السياسة الخارجية بالتظاهر دون خجل بأن الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي ملتزمون بنشر الديمقراطية والحرية ومحاربة الاستبداد لتبرير كل تدخل أمريكي  وشمال أطلسي جديد.

فقط استمع إلى الخطاب المضلل بجلاء  للقادة السياسيين في الولايات المتحدة وخدامهم في مجتمع السياسة الخارجية عندما يأتي الوقت للطعن في الأنظمة المناهضة للولايات المتحدة في ليبيا وسوريا وإيران. وهو أن معارضة الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي - الخيريين الحريصين على أسوأ الطغاة في العالم -  لهذه الأنظمة حرصا على الديمقراطية وحقوق الإنسان هو تظاهر، وغرور، وصارخ جدا وواضح بحيث يصعب التصديق بأن إناسًا يدافعون عنه علنا وبكل صفاقة. حتى أن ريدل يلاحظ أن السبب الحقيقي لهذه التدخلات، يكتب: السعوديون هم "براغماتيون وقد دعموا الثورات في ليبيا وسوريا التي تضعف أعداء المملكة القدماء، وخاصة إيران".

الخطاب التافه نفسه يتدفق عند النقاش حول التدخل في مالي. فالبلدان نفسها التي تعمل على تسليح أسوأ منتهكي حقوق الإنسان في القارة الأفريقية، في الوقت نفسه تمدح نفسها بأنها وبقصفها لمالي تكون حاملة لواء حقوق الإنسان. وفي الوقت نفسه، أولئك الذين يشيرون إلى أن قصف المسلمين في بلد آخر سوف يستخدمه تنظيم القاعدة لتقوية نفسه أكثر - وكما قالت نيويورك تايمز: "ردة الفعل العنيفة ربما تنتهي لتكون أسوأ من الخطر الحقيقي-  من المتوقع أنه يتم تشويه سمعتهم باعتبارهم متعاطفين مع الإرهاب من جانب الخبراء الذين نصبوا أنفسهم في مجتمع السياسة الخارجية والذين هم موجودون  لتبرير النزعة العسكرية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (انظر هنا وهنا كأمثلة).

إنه نفس النقاش الدعائي المشوه  بشكل صارخ الذي جرى مرارًا وتكرارًا على مدى عقود. إنه كيف استطاعت  السعودية المحبة لجورج بوش وتوني بلير أن تقول لمواطنيها بأنه كان لا بد من مهاجمة حليفهم السابق صدام حسين  وإزالته من السلطة لأنه كان مستبدًا (والشاهد هو انتهاكاته لحقوق الإنسان السابقة التي جرت عندما كان مدعومًا من قبل الولايات المتحدة وحلفائه في الناتو). وكيف أن أولئك الذين أشاروا إلى كل التناقضات والنفاق في هذه المزاعم المؤيدة للحرية كان يتم تشويه سمعتهم بشكل ممنهج على أنهم مؤيديون لصدام.

بشكل أساسي، هذه الدعاية حول التزام الولايات المتحدة  وحلفائها في حلف شمال الاطلسي بحقوق الإنسان والديمقراطية، تستهدف، وتعمل فقط على، السكان المحليين لتلك البلدان. فالشعوب في تلك المنطقة حيث يتم فرض السياسات المؤيدة للاستبداد من قبل أعضاء الناتو تدرك تماما هذه الحقيقة، كما أثبتت بشكل لا لبس فيه استطلاعات الرأي العام. ولكن عندما يكون هناك جهاز هائل من الخبراء الذين نصبوا أنفسهم والذين يطلقون على أنفسهم اسم جماعة السياسة الخارجية الموجودة لنشر هذه الخرافات وعندما تكون هناك وسائل إعلام أمريكية تنظر بالمثل إلى العالم من خلال منظور الحكومة الأمريكية، فمن السهل أن ترى سبب  هذه الأساطير، على الرغم من سخافتها الواضحة، تعمل بفعالية كبيرة. حقيقة أن المرء يمكن أن يكون لديه مذكرة مثل ريدل تشرح بوضوح سياسة الولايات المتحدة في دعم أسوأ الأنظمة الاستبدادية التي تخدم مصالحها، وأن يبقى إلى جانب خطاب الولايات المتحدة المؤيد للحرب التي لا نهاية لها حول الضرورة الملحة للكفاح من أجل الحرية والديمقراطية، هي شهادة بارزة لصناع الأسطورة.

19 كانون الثاني/يناير 2013



التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus