بروس ريدل: مذكرة إلى الرئيس أوباما: الثورة في الرياض

2013-01-27 - 9:14 ص


بروس ريدل: بروكينجز
ترجمة: مرآة البحرين

إلى: الرئيس أوباما
من: بروس ريدل

المملكة العربية السعودية هي آخر نظام مطلق في العالم. مثل لويس الرابع عشر، الملك عبد الله لديه سلطة كاملة. اندلاع ثورة لا يزال غير محتمل في المملكة العربية السعودية ولكن، ولأول مرة، وبسبب الصحوة العربية، قد أصبحت ممكنة. العائلة المالكة في السعودية لديها مواطن قوة  وشرعية فريدتان. فقد تأسست المملكة في القرن الثامن عشر كتحالف بين العائلة المالكة والواعظ الإسلامي المتزمت الذي ما زال أتباعه على شراكة مع آل سعود في حكم الدولة. السعودية هي الوحيدة تقريبا في العالم الإسلامي لم تستولِ عليها الإمبريالية الأوروبية. الملك هو خادم الحرمين الشريفين. ولديها أكبر شركة نفط واحتياطات نفطية في العالم. هذا المزيج من المعتقد الديني والإيرادات الكبيرة كانت حتى اليوم كافية لدرء هذا النوع من الاضطرابات التي هزت الكثير من العالم العربي في السنوات الأخيرة.

ومع ذلك، فإن التغيير الثوري في المملكة سيكون كارثة على المصالح الأمريكية في جميع المجالات. ولأثر السعودية في نفط العالم، فإن عدم الاستقرار لفترة طويلة في المملكة العربية السعودية قد يسبب خسائر في أسواق النفط العالمية، ويعيق الانتعاش الاقتصادي في الغرب ويعطل النمو الاقتصادي في الشرق. المملكة العربية السعودية هي أيضا أقدم حليف لأمريكا في الشرق الأوسط، شراكة يعود تاريخها إلى عام 1945، والإطاحة بالنظام الملكي سيمثل انتكاسة شديدة لموقف أمريكا في المنطقة ويوفر حظا استراتيجيا كبيرا غير مرتقب لإيران. الملكيات الصغيرة  الغنية بالنفط في الخليج ستكون في خطر، كما الأمر في المملكة الأردنية الهاشمية.
التوصية:

للأسف، على الرغم من المخاطر، الولايات المتحدة ليس لديها خيار جدي في تجنب قيام ثورة في المملكة إذا ما  أقبلت. ولأن المصالح الأمريكية ترتبط ارتباطا وثيقا بآل سعود، فإن الولايات المتحدة ليس لديها خيار إبعاد نفسها عن آل سعود في محاولة للوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ. ومع ذلك، يجب أن تحاول إعادة تأسيس الثقة مع الملك وحثه على التحرك بسرعة أكبر بشأن أجندة الإصلاح السياسي، مع الاعتراف بأن هذا الجهد من المرجح أن يكون له نتائج محدودة. وفي غضون ذلك، يجب عليك التأكد من المعلومات الاستخباراتية هي على أفضل وجه ممكن لرؤية الأزمة المقبلة، ووضع تدابير للحد من التأثيرعلى الاقتصاد العالمي لأي اضطراب في إمدادات النفط، كن على استعداد لدعم الممالك المجاورة والمشيخات، ومن ثَمَّ حاول الانحناء في وجه العاصفة.

معلومات أساسية:

المملكة العربية السعودية أثبتت قدرتها على البقاء. اثنتان من الممالك العربية السعودية في وقت سابق هُزمتا امام الإمبراطورية العثمانية وقُضي عليهما. ولكن آل سعود عادوا مرة أخرى. وقد نجوا من موجة الثورات ضد الأنظمة الملكية العربية في عام 1950 و 1960. ومحاولة انقلاب جهادية في عام 1979  استولت على المسجد الحرام في مكة المكرمة ولكن تم سحقها. قام أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة منذ أقل من عقد  بتمرد مسلح دام أربع سنوات للإطاحة بالعائلة المالكة وفشلوا. ومع ذلك، تبقى كوادر القاعدة في المملكة وفي اليمن المجاورة.

اليوم، الصحوة العربية تشكل الاختبار الأشد على المملكة منذ تأسيسها. نفس التحديات الديموغرافية التي دفعت الثورة في مصر واليمن تنطبق في المملكة العربية السعودية: عدد الشباب كبير والبطالة مرتفعة جدا. التمييز فاقع بين الجنسين، وحرية التعبير مقيدة للغاية، وتنافس إقليمي طويل الأمد مع إيران الثورية في منطقة الخليج، وأقلية شيعية مضطربة تضاف إلى إمكانية التفجر. واعترافا بضعفها فقد أنفقت العائلة المالكة السعودية أكثر من 130 مليار دولار منذ بدأت الصحوة العربية في محاولة لشراء ذمم المعارضين في الداخل. وفي الخارج أرسلوا قوات عبر جسر الملك فهد لخنق الثورة في البحرين، توسطوا في اتفاق سياسي في اليمن لاستبدال علي عبدالله صالح بنائبه، وسعوا لإقامة وحدة أقرب بين دول ومشيخات مجلس التعاون الخليجي الست. ودعوا أيضا الأردن والمغرب للانضمام إلى "نادي الملوك". ولكنهم أيضا براغماتيون فقد دعموا الثورات في ليبيا وسوريا والتي تقوض أعداء المملكة القدماء، وخاصة إيران.

وحتى الآن، ساعدوا لضمان أن الثورة لم تُطح بأي ملك عربي. ومع ذلك، أصبحت البحرين والأردن أضعف الحلقات في سلسلة الملكية. ملك البحرين فشل في قمع التمرد الطويل الأجل ضد حكمه، وملك الأردن قد يكون التالي. الاضطرابات في الأردن تهدد السلام مع إسرائيل. لكن الولايات المتحدة - وإسرائيل - يمكنها التعامل مع عدم الاستقرار في كل من هاتين الدولتين الصغيريتن. ولكن الحال ليس كذلك فيما يتصل بالمملكة العربية السعودية.

إذا حدثت أي صحوة في المملكة العربية السعودية فربما سوف تشبه الكثير من الثورات في الدول العربية الأخرى. وبالفعل لقد عصفت المظاهرات السلمية والعنيفة، بالمنطقة الشرقية الغنية بالنفط منذ أكثر من سنة. هذه احتجاجات شيعية وبالتالي شاذة عن باقي مناطق المملكة لأن الشيعة يمثلون 10 في المئة فقط من السكان. وقد استخدم المعارضون الشيعة في أرامكو، شركة النفط السعودية، الحرب الإلكترونية لمهاجمة أنظمة الحاسب الآلي لديها، وقد عطلوا أكثر من 30 األف كمبيوتر في شهر آب/أغسطس الماضي. ومن المحتمل انهم تلقوا مساعدة إيرانية.

والمقلق أكثر لأفراد العائلة المالكة هي الاحتجاجات في المناطق السنية من المملكة. فقد بدأت في منطقة ما يسمى حزام القرآن شمال العاصمة حيث تستوطن المعارضة أو في منطقة عسير المهملة على الحدود اليمنية. وبمجرد أن يبدأوا فقد تكبر كرة الثلج وتصل إلى المدن الرئيسية في الحجاز، بما في ذلك جدة، ومكة المكرمة، والطائف، والمدينة المنورة. المعارضة السعودية مسلحة بشكل جيد ومع تكنولوجيا الهاتف النقال، التي يمكن أن تضمن الاتصال السريع للمعارضة داخل المملكة وإلى العالم الخارجي.

المدافع الجدي عن النظام هو الحرس الوطني. فالملك عبد الله قضى حياته لبناء هذه القوة الإمبراطورية النخبة. وقد قامت الولايات المتحدة بتدريبها وتزوديها بعشرات المليارات من الدولارات من طائرات الهليكوبتر والعربات المدرعة. ولكن الشيء الرئيسي غير المعروف هو ما إذا كان الحرس الوطني سيطلق النار على إخوته وأخواته في الشارع. فقد ينقسم أو قد يرفض ببساطة قمع المعارضة السلمية إلى حد كبير، وخصوصا في البداية.

مسألة الخلافة تضيف طبقة أخرى من التعقيد. فكل خلافة في المملكة منذ مؤسسها عبد العزيز ابن سعود الذي توفي في عام 1953 كانت بين إخوته [الصحيح أبنائه]. الملك عبد الله وولي العهد الأمير سلمان هم نهاية هذه السلالة وكلاهما في حالة صحية ضعيفة؛ بعدهم لا يوجد سوى اثنين من إخوته المتبقين غير الأشقاء واللذين قد يكونا مناسبين ومن ثم ليس هناك مسار واضح للخلافة في الجيل القادم. فإذا ما مات عبد الله و / أو سلمان في الوقت الذي تتكشف فيه الاضطرابات، وتتلوها أزمة الخلافة، ثم يمكن للمملكة أن تكون أكثر عرضة للثورة.

وكما هو الحال في الثورات العربية الأخرى، الثوار المعارضون لن يتوحدوا على أي شيء إلا على إسقاط النظام الملكي. سيكون هناك ديمقراطيون علمانيون ولكن أيضا سيكون تنظيم القاعدة والوهابيون في المعارضة. محاولة الانتقاء والاختيار ستكون صعبة جدا.  وحدة المملكة قد تنهار عندما تنفصل الحجاز عن البقية، والشرق يقع في أيدي الشيعة المدعومين إيرانيا والمركز يصبح معقلًا للجهاديين.

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن حدوث ثورة  في المملكة العربية السعودية قد يغير قواعد اللعبة. في حين أن الولايات المتحدة يمكنها أن تعيش بدون نفط السعودية ولكن الصين والهند واليابان وأوروبا لا يمكنها. إن أي خلل في صادرات النفط السعودي إما بسبب الاضطرابات، والهجمات الإلكترونية أو نظام جديد يحد من الصادرات بشكل كبير سيكون له تأثيرات كبيرة على الاقتصاد العالمي. حرب الـ سي آي اي ضد القاعدة  تعتمد اعتمادا كبيرا على المملكة، عمليات الاستخبارات السعودية أحبطت الهجومين الأخيرين لتنظيم "القاعدة في شبه جزيرة العرب" على الأراضي الأمريكية. الجيش الأمريكي يدرب بعثة في المملكة، تأسست في عام 1953، وهي أكبر بعثة من نوعها في العالم. وقد كان السعوديون أيضا لاعبين رئيسيين في احتواء إيران على مدى عقود. وكان الملك عبد الله صاحب مبادرة السلام العربية التي تحمل اسمه.

ملوك العرب الآخرين سيكونون حتما في خطر إذا ما قَدِمت الثورة إلى المملكة العربية السعودية. لا يمكن للأقلية السنية في البحرين أن تستمر دون الأموال والدبابات السعودية. قطر والكويت والإمارات العربية المتحدة هي دول مدن  لن تكون قادرة عن الدفاع عن نفسها ضد نظام ثوري سعودي، على الرغم من كل أموالهم. إن السلالة الهاشمية  قد تكون معرضة للخطر كذلك من دون الأموال والنفط السعودي والخليجي. ربما فقط يتم سلطان عمان معزول عن ذلك ويمكنه البقاء بما يكفي. وعلى الرغم من المخاطر، فإن الخيارات غير جذابة بقدر تلك التي واجهها الرئيس كارتر في التعامل مع الحكم الملكي البهلوي في إيران. وخلافا للشاه الذي حاول القيام بإصلاحات فاترة، لم تظهر العائلة المالكة السعودية أي اهتمام في تقاسم السلطة أو في هيئة تشريعية منتخبة.

الولايات المتحدة ليس لديها خيارات جدية لإحداث إصلاح تدريجي في المملكة. ويخشى الملك، وربما بحق، أن يكون تقاسم السلطة شيئًا مستحيلًا في دولة استبدادية. في البحرين، أظهر السعوديون بشكل واضح وجهة نظرهم بأن فتح الباب أمام التعددية السياسية سينهي النظام الملكي. والملك سيكون غير واثق من مستشارك الخاص حول هذا الموضوع بسبب الموقف الذي اتخذته ضد صديقه وزميله المستبد، حسني مبارك.

ومع ذلك، من المهم محاولة إعادة الثقة مع الملك، الذي لا يزال في حاجة إلى الولايات المتحدة لمواجهة التهديد الخارجي الذي يراه من إيران، وتشجيعه بهدوء لتسريع الإصلاحات التي كان قد أبدى بالفعل استعدادا لإجرائها. ولكن، وفي الوقت نفسه، يجب أن تخطط للأسوأ. وينبغي توجيه أجهزة الاستخبارات للقيام بتطورات داخلية، وليس فقط لمكافحة الإرهاب، التي هي على رأس الأولويات في المملكة الآن. الولايات المتحدة لا يمكنها أن تتحمل مفاجأة مثل مفاجأة  عام 1978 وأنت بحاجة لمعرفة اللاعبين في المعارضة، وخاصة رجال الدين الوهابيين، في العمق. يجب عليك أيضا أن تتخذ خطوات للمساعدة في دعم الدول المجاورة للمملكة العربية السعودية الأصغر حجما والذين هم حلفاء مهمون للولايات المتحدة للحد من تأثير انقطاع إمدادات النفط السعودي. سيكون هذا تحديا هائلا، ولكن من الضروري التحضير لما يمكن أن يكون قانون الوزة السوداء [ٍقانون الوزة السوداء: حدث مفاجئ وله تأثيرات هائلة].

17 كانون الثاني/ يناير 2013 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus