إدارة التعددية المذهبية في الخليج العربي: البحرين نموذجاً

2013-02-02 - 12:26 م


ميثم السلمان*
 
ما من شك في أن التباين المذهبي لا تتمخض عنه أوجاع الناس، وإنما يتوجع الناس عند حرمانهم من الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية بسبب انتمائهم المذهبي، وقد أثبتت التجربة الانسانية أن ثقافة الفصل المذهبي والطائفي بين مكونات المجتمع الواحد لا تبني استقراراً بل تحول المجتمع الى بؤرة توتر قابلة للانفجار في أي لحظة.  وقد علمنّا التاريخ أن الدول التي تحتضن التعدديات والتنوعات الدينية والمذهبية والعرقية، وتتبنى ثقافة الاستيعاب والمرونة السياسية هي الأنجح لصناعة الاستقرار والوئام السياسي والاجتماعي؛ وبناءاً على ما سبق فإن الحس الوطني يدعونا جميعا للتامل جيداً في استراتيجيات إدارة التنوع المذهبي في الخليج وهذا يجعلنا في موقع المسئولية للدعوة الى صناعة ثقافة استيعاب الأوطان للمذاهب الإسلامية حتى لا تصبح أوطاننا عرضة للتوتر وغياب الاستقرار، والإحتراب بين أبناء الوطن الواحد.

تنتشر في المجتمعات الخليجية مذاهب إسلامية رئيسية وهي:الحنفية،المالكية، الحنبلية، الشافعية،الجعفرية،الزيدية ،الإسماعيلية والإباضية، كما تتنوع الأيديولوجيات والمناهج الفكرية والاجتماعية والسياسية لأبناء هذه المذاهب؛ فمنهم الليبرالي واليساري والسلفي والصوفي وغير ذلك مما يشكل فرزاً دينياً واجتماعياً وسياسياً وآيديولوجيا آخر يضاف الى الانتماء المذهبي؛ ولذلك يجدر بالعقل الخليجي استيعاب احتمالية نشوب خلافات طائفية ومنهجية متعددة بين أبناء المذاهب ما لم يحسن إدارة هذا التنوع . 

الهدف من الشحن الطائفي الذي خلق حالة من التوتر الطائفي في البحرين هو جر الأزمة من نطاقها السياسي المحض الى الدائرة الطائفية، وإلا فقد كان مجتمع البحرين والكويت أفضل نموذجين للتعايش الأهلي بين أبناء المذاهب لولا دخول أجندة التشطير المجتمعي على الخط.

إن منهجية التمييز ضد أبناء المذهب الجعفري في البحرين لا يلغي احتمال تبني الدول الخليجية الأخرى منهجية مماثلة في التعاطي مع أبناء المذاهب المختلفة، ومرد ذلك أن جذور التوتر الطائفي الذي نشهده في الخليج العربي ليس في دائرة التباينات الأيديولوجية، إنما تمتد جذوره في منهج الدول في التعاطي مع المواطنين على أساس انتماءاتهم المذهبية فهم يعاملون بوصفهم المذهبي وليس بوصفهم الوطني وهذا يؤدي لشعور بعض أبناء المذاهب بالتمييز والحرمان والاستضعاف في دائرة الحقوق المدنية والحريات السياسية والثقافية.  

مشكلتنا لا تكمن أبدا في التمايز المذهبي فهو من أهم مميزات التراث الإنساني.. بل تكمن في التمييز الطائفي وعلاج هذه الحالة لا بد أن يمر بمخاض إعادة صياغة العلاقة بين السلطات وأبناء الوطن بغض النظر عن انتماءهم المذهبي أو قناعاتهم الآيديولوجية لكي ينعم أبناء الوطن بحقوقهم السياسية والقانونية والاقتصادية والتنموية من دون تمييز، وتكون العلاقة بين الحكم والشعب مبنية على قاعدة المواطنة الواحدة المتساوية في الحقوق والواجبات.

إن العلاقة بين اتباع المذاهب والسلطات الحاكمة في الخليج متفاوتة وهي افراز حتميٌ لاستراتيجيات الأنظمة في التعاطي مع التنوع المذهبي؛ فالمواطن الكويتي على سبيل المثال لا يشعر بالتمييز الطائفي من قبل النظام كما يشعر به أبناء بعض المذاهب في الدول الخليجية الآخرى.

لقد أثبتت التجربة الانسانية أن انتهاج التمييز في إدارة التنوع المذهبي والآيديولوجي يدخل الأنظمة والشعوب في دائرة التوتر والاضطراب ويعمق الفجوة والنفرة والتباعد بين الأنظمة وشعوبها لتبقى العلاقة بينهما مشوبة بالحذر والمخاوف وعدم الثقة وغلبة الظنون السلبية. لم تنجح بعض المحاولات الخجولة لدول الخليج العربي في إدارة التنوع المذهبي وذلك لأن مفهوم الدولة الحديثة لا زال غائباً عنها على مستوى التنظير والتطبيق ولا يمكن بأي حال من الأحوال احتواء وإدارة التنوع المذهبي والعرقي والاجتماعي والسياسي إلا في ظل دولة مدنية يعيش فيه الشعب المساواة في الحقوق وينعم بالعدالة الاجتماعية ويحكم بدستور عقدي يضع الأطر والضوابط  واللوازم لاستقرار العلاقة بين الحكم والشعب. إن "لا بدية" التوافق على الدستور أمر لا ينازع في صحته العقلاء لكون صياغة الدستور دون أن يكون محل اجماع واعتزاز وتمثيل لكافة مكونات الشعب محكوماً عليه بالفشل. أما في دولنا العربية بشكل عام والخليجية بصورة خاصة فالدساتير إما معطلة أو غير مطبقة أو ملغية أو متخلفة عن مفهوم الدولة الحديثة .

ولا يفوتنا أن نؤكد على أن الدولة بمفهومها الحديث هي شراكة بين كل المواطنين من أجل المحافظة على كل الأسس الدستورية التي توافق عليها الشعب بكل مكوناته العرقية والمذهبية والمناطقية. وإذا وجد لدى الأنظمة قناعة تنفيدية غير معلن عنها في الإطار الدستوري قائمة على أسس التعاطي مع المواطنين من خلال انتماءاتهم العرقية أو الطائفية أو العقائدية فان حتمية تحول النظام بصورة تلقائية الى "نظام عنصري" جزمٌ ثابت.

وبناء على هذه القراءة يجدر بالأنظمة أخذ زمام المبادرة العملية لتعميق الوحدة الوطنية وتجاوز صور التمييز الطائفي والعرقي والفئوي من خلال التحول الديمقراطي واحترام الإلتزامات الدولية بمراعاة حقوق الانسان عملياً إنطلاقاً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أكد على 3 بنود محورية وهي:
• لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
• لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
• لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو الصحة العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
هذا وقد كررت حكومة البحرين اطلاق دعواتها الى الوحدة الوطنية ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في بناء المواطنة الجامعة، والتعاطي مع المواطنين على أسس المساواة والعدالة بل مارست ألواناً متعددة من الجرائم الطائفية ضد أبناء المذهب الجعفري شملت على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1. هدم 38 مسجداً
2. تخريب عشرات دور العبادة
3. فصل الآلاف على أساس الانتماء المذهبي
4. استهداف المناطق السكنية التي يسكنها مكون مذهبي واحد
5. بث الاعلام الرسمي للدعوات التطهيرية لمكون أصيل من مكونات الوطن
6. استخدام اللغة المهينة في الاعلام الرسمي تجاه مكون وطني اصيل
7. اعتقال الآلاف من مكون مذهبي واحد

ان الدعوات الرسمية للوحدة الوطنية تحتقر عقول أبناء المذهب الجعفري في البحرين اذ كيف يصدق هذا المكون الوطني الأصيل هذه الدعوات بعد ان هدمت مساجده وخربت حسينياته وقرأ في الصحف الرسمية دعوات الى تطهيره من الوطن، وشاهد في التلفاز برامج تستهدفه مذهبياً،ورأى القوات المسلحة تستهدف مناطقه السكنية، وتقتحم البيوت وتتعدى على الأعراض وتنتهك الحرمات؟؟؟!!!
إن مرور أبناء المذهب الجعفري بنقطة تفتيش كفيلة بمعرفة الاستهداف الطائفي لهم، والملفت أن الإستهداف الطائفي شمل الجميع حتى الشيعة الذين يعملون في المواقع الرسمية مما أسهم بصورة طوعية في توسيع رقعة المعارضة بين أبناء المذهب الجعفري مما يؤكد أن الوحدة الوطنية أكذوبة في ظل سياسات التغييب والإقصاء والتهميش والتمييز ولن تصبح حقيقية إلا إذا أفسح المجال لكافة المكونات الوطنية للمساهمة في الشأن العام، وتوقفت جرائم التمييز والفصل اتجاه مكونات المجتمع. كما يجدر التنبيه إلى أن اختزال أبناء المذهب الجعفري لصورالقتل والضرب والقمع والشتم الطائفي والسب والدم والتدمير في وجدانهم حتماً سيتسبب في الشعور بالتمييز وعلاج الشعور بالتمييز الطائفي لا يكمن في الخطب البلاغية والشعارات الرنانة والرغبات التي لا تستند إلى عزيمة حقيقية وإرادة صلبة ومشروع وطني شامل يتمثل في الانتقال من الدولة البدوية الدكتاتورية الى للدولة المدنية الحديثة لمنع تكرار هذه الجرائم.
المواطن في البحرين يبحث عن الحلول الجذرية التي تتجاوز حالات الاقصاء والتمييز والقمع والبطش إذ لن تستطيع الحلول الشكلية والمرحلية إقناع المواطن بأن كابوس الانتهاكات الفظيعة لحقوق الانسان التي نعيشها اليوم لن تتكرر ولن تستطيع هذه الحلول الشكلية وغير الجادة إحباط مخططات التفتيت وعمليات تخريب النسيج الاجتماعي في البحرين. اما الانتقال الديموقراطي فسيؤدي بصورة تلقائية الى صياغة واقع جديد يشعر فيه المواطن أنه شريك حقيقي في عملية الإنماء والتطوير والحفاظ على الأمن وحماية مشروع التعايش المدني من دون أن يضطر للتضحية بالخصوصيات الثقافية والاجتماعية او القناعات السياسية من أجل حماية نفسه.
لا بد للنظام أن يدرك أن ارساء الوحدة الوطنية في البحرين يتطلب تعزيز خيار الحرية والديمقراطية من قبل السلطة اذ لا يمكن بناء مشروع وحدوي صلب بعيداً عن احترام حقوق الإنسان والقبول بالتعددية السياسية والثقافية والاجتماعية. النخب الخليجية كانت ترى أن أجمل ما يوجد في البحرين هو التعايش الإيجابي والمحبة والإخاء بين السنة والشيعة ولكن العقلية التسلطية المستأثرة لا يحلو لها أن ترى البحرين تنعم بالديمقراطية ويعيش كافة أبنائها متساوين ومتحابين في كنف العدالة الاجتماعية


* كاتب بحريني
عضو الهيئة الاستشارية بمجلس التسامح الديني وعضو مرصد البحرين لحقوق الإنسان 
Twitter: @MaythamAlsalman
_____________

التعليقات والردود التي تنشر تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر عن رأي "مرآة البحرين" بالضرورة. نستقبلها على البريد التالي: editor@bahrainmirror.com
 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus