أم الشهيد حسين الجزيري: أريد صورته والقصاص من قاتله

2013-02-16 - 5:57 م


مرآة البحرين (خاص): في بيتهم، بين تجمع لنساء الحي والعائلة، لا تستطيع التفريق أيهن أم الشهيد، الجميع في حالة صمت، يوقر هذا الحزن الطويل، في حضرتها يتضاءل الحزن، يعلو الفخر. القصاص هو مطلبها، هكذا اختتمت لقاءنا، لكن تفاصيل قلبها المختبىء كانت بين الكلمات.

قالت:"أحدهم هاتف والده، سمعت حديثهم عن غير قصد، علمت أن ابني ليس بخير، وأنه يتقيأ، كانت الثامنة صباحاً، تركت أبنائي الصغار نياماً، ومضينا للمستشفى، بالقرب من منطقة النعيم جاءنا خبر استشهاده، دخلت وكان قد مضى لربه، وجهه الباسم لا يفارقني، بدا لي فرحاً، هذا ما كان يريد، هذا فقط ما كان ينتظر.

في المستشفى أردت أن أراه فقط، أن التقط له صورةً أخيرة، صورةً للعمر القادم دونه، صورةً لهذا الوجه الجميل الباسم، لكن الشرطية منعتني، قالت لي:"هو اللي يبغي يموت، هو اللي طالع"، كانت كلماتهم وضحكاتهم عاريةً من الإنسانية، هكذا بدأوا في دفع أبيه وعمه وأختي للخارج، لم يحترموا وجعنا، لم يقيموا وزناً لفقدنا.

تنظر لبرهة، بدت كأنها لا تنظر لشيء، كانت عيناها جامدتين عند لحظةٍ ما، قالت: "قبل أسبوعين أخبرني بحلم رآه، قال: رأيت كأن شوزن اخترق قلبي، وألبسوني ثياباً بيضاء، ثم عاد يوم استشهاده صباحاً وأخبرني أن الرؤيا تكررت له من جديد، قال لقد استشهدت".

كان يريد الشهادة، يتمناها، قبل خروجه يوم مقتله أوصله أخوه الصغير للباب، عاد وقال لي:"يقولش حسين هو بيستشهد"، كان يقينه بالأمر كمن بُشِّر به.

الأربعاء 13فبراير، لاحقه العساكر أثناء مشاركته في إحدى الفعاليات، تقول:"كان يحكي لي التفاصيل، حين عاد قال: كانوا يلاحقوني، لم أكن خائفاً، لكني هربت بإصرار، خشيت ألا أشهد 14 فبراير" كان مهماً أن يعيش الذكرى، تكمل كمن يستعرض شريط ذكرياته تباعاً:"في الذكرى الأولى للثورة قصد الميدان 3 مرات حاملاً علم البحرين، فأصبح أميراً للدوار، وأصبح اليوم شهيداً للثورة".

إحدى قريباته ذهبت إلى البيت الذي كان فيه قبل خروجه الأخير للموت، احتمى فيه من العساكر المنتشرة تلاحق الفتية في كل مكان، أعطته كأس ماء وقطعة بسبوسة، ترجته ألا يخرج في ذلك الوقت، لكنه قال:"لازم اطلع، لازم" لم يمر وقتٌ طويل قبل أن يعاد لبيتها محمولاً على الأكتاف، غارقاً بدمه. تكمل قريبته:"بحثت عن علمه، استطعت أن أعرف مكانه بعد مدة كي أعيده لوالدته"، تتلقف الأم الحديث: "قبل مدة أحضر لي قماشاً أبيض وأحمر، طلب مني أن أخيط له علماً ليحمله في فعاليات ذكرى الثورة، وكان العلم الأخير الذي يحمله، يعود العلم اليوم، ويرحل ابني"..

"كلما أفجعني أمر، كلما أحزنني شيء، كلما أفزعني حدث، صرخت يا حسين، وجوده قريباً مني يعطيني الأمان.. لا أعرف كيف سأمضي بعده، كان يحنو عليّ، يشاركني طعامه قبل أن يأكل، من لي الآن كلما أوجعني الدهر".

"لم يكن ابني يحمل ملتوفاً كما يقولون، خرج يستكشف الطريق، رأوه ولم يرهم، وحين أخذ يركض هربا من حقدهم، عاجلوه بطلقةٍ قريبةٍ في صدره، قال الذين شهدوا الجريمة أنها مسافة تقل عن المتر الواحد، أخذوا روحه دون مبرر، لكني أريد القصاص من قاتله بحق دم ابني، أريد أن أشهد موته كما أفجعني بابني، وإن لم يكن قانون الدنيا اليوم يقتص لي حقي، فكلي ثقة أن الله يأخذ قصاصي من قاتل ابني وأن يسلط عليه من يقتله ولو كان على فراشه".

منذ صبيحة الخميس، توافدت الطيور محلقةً في دوائر فوق بيت الشهيد، كأنما تنتظر روحه لتطير بها، كان منظرها ملفتاً للجميع، أسراب غفيرة من الحمائم تحلق فوق بيته وحده، تحط وترتفع.

الشهيد حسين الجزيري، جهز له ملابس حمراء ليوم استشهاده، لكنه نسيها، هكذا أصبحت ملابسه حمراء بلون دمه، هكذا يرحل مثقوب الصدر، يحمل في داخله وجع الوطن "أفتخر به ابناً باراً، وشهيداً يرفع هامتي أمام الخلق في الدنيا والآخرة".

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus