الحوار... بوصفه اغتصاباً

عادل مرزوق - 2013-02-18 - 6:02 م


عادل مرزوق*

يبدو النظام في دخوله للحوار مع الجمعيات السياسية المعارضة وكأنه يتعرض لحالة اغتصاب سياسي. الضغوط التي مارستها القوى الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا كانت كفيلة بأن تجبر الملك حمد بن عيسى آل خليفة على الرضوخ، والقبول على مضض بالدخول في حوار مع المعارضة. والنتيجة، يدخل النظام الحوار رغماً عنه. يتصنع "حماسة" استطاعت أن تجلب بيانات "التشجيع" و"الترحيب" من الخارج، وها هو يثابر في تخريب ما لا يريد له أن يكتمل، في الداخل.

دلائل عدم جدية النظام في الحوار لا تقتصر على الإبقاء على المعتقلين السياسيين، أو الاستمرار في إصدار الأحكام القضائية المسيسة، أو في تصاعد الخيار الأمني مع الذكرى الثانية لثورة اللؤلؤة، أو حتى في مستوى التمثيل "الهابط" للدولة في جلسات الحوار. الأهم من ذلك، هو أن الدولة تدخل الحوار دون أجندة او مشروع سياسي أصلاً. فمن حسن النية "المفرطة" أن يكون النظام جاداً في حواره وهو لم يقدم مشروعه (الخاص) للتسوية السياسية في البلاد. 

الذي يجب أن تخشاه المعارضة في هذا السياق، هو أن يكون النظام قد أضاف لخبراته السياسية خبرة جديدة، وهي إضافة مفهوم "الحوار" لسلسلة المفاهيم السياسية المستهلكة في قالب الإعلام الرسمي البائس (المشروع الإصلاحي لجلالة الملك)، في خطاباته، وأدواته. بمعنى، أن يكون "الحوار" مجرد مفهوم جديد يضاف لسلسلة المفاهيم الكبرى التي أفرغها النظام من محتواها. حيث تتجلى في (المشروع الإصلاحي لجلالة الملك) أبشع صور الديموقراطية، الحرية، الإصلاح، وحقوق الإنسان.

الحوار الفلسطيني – الإسرائيلي، الحوار بين الكوريتين، الحوار الوطني في السعودية، أو حتى مفاوضات إيران مع مجموعة 5+1. كلها نماذج لحوارات من المفترض أنها كانت الخيار الأمثل والعقلاني دون الاحتكام للغة العنف والحرب. وفي التوقيت ذاته، هي نماذج (فاقعة) لما يمكن أن يكون عليه "الحوار" في البحرين. و"العيب" هنا، كل "العيب"، لمن يرفض الجلوس على طاولة الحوار، ولو طال الأمد، ولو كان "الحوار" مجرداً من محتواه.

ليست التسوية السياسية في البحرين - أو حتى في غيرها من البلدان - مجرد تعديلات دستورية تحقق أغلب ما تطالب به قوى المعارضة، في وثيقة المنامة أو غيرها. ليست الحرية أو الديموقراطية "نصوصاً" يتوافق عليها المجتمعون في منتجع "العرين". وفي الحقيقة، لن تجد دولاً أكثر قدرة على تطريز مواد دساتيرها بأروع ديباجة ونصوص في الديموقراطية وحقوق الإنسان من أبشع الديكتاتوريات القائمة في عالمنا اليوم!. الحرية والديمقراطية ثقافة متأصلة وسلوك حقيقي يعاش على الأرض، ولا يمكن لمن كان بالأمس المسؤول عن عمليات القتل والتعذيب في البحرين، أن يكون اليوم الضامن لها، والمؤتمن عليها.

التسوية السياسية في البحرين ليست متاحة بعد، وهذا الإعلان/الرأي يبدو مصارحة (فاقعة) و(بالغة الكلفة) على انتظارات الشارع الكبرى. لكنها – بالنسبة للكاتب على الأقل - حقيقة لا ترتبط بمؤسسة الحكم ممثلة في هرمها (الملك) وحده، ولا صراعات أسرته، ولا الإقليم، ولا قوى المعارضة بسقفيها المتخالفين أيضاً. بل بفسيفساء هذا (المجموع) الذي لا يمكنه أن يتوافق أو يتآلف لصناعة "التسوية" دون الخروج بخسارات كبرى، وهي خسارات لم تجد حتى الآن من يستطيع - فعلاً - أن يتحملها.

*صحفي من البحرين.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus