عبد الهادي الخواجة يرد على تساؤلات حول «مبادرته»: تستهدف بلورة رؤية مشتركة لدى الثوار ولاتقدّم مبادرة سياسية

2013-02-19 - 10:14 ص


مرآة البحرين: في رده على تساؤلات واعتراضات متعلقة بمسودة مشروع قدمه بعنوان "نحو تصعيد حركة التغيير في البحرين مع تقليص المخاطر على أرواح وسلامة البشر"، أكد الناشط الحقوقي المعتقل عبد الهادي الخواجة أن "المواثيق الدولية لحقوق الإنسان الملزمة قانونيا ومعنويا للنظام البحريني شرعت التمرد على الاستبداد والظلم"، مشددا في الوقت نفسه على أن "الحركة الشعبية غير معفية من أن تبذل قصارى جهدها في تفادي العنف من دون التنازل عن استمرارية التحرك الشعبي".

وفي ما يلي النص الكامل لرد الخواجة على التساؤلات والاعتراضات على مسودة مشروعه:

وردتني في داخل السجن - برغم صعوبة التواصل - مجموعة من الاستفسارات والاعتراضات والملاحظات. وإنني واعتز بكل ما ورد من تأييد أو اعتراض، وسأحاول طرح بعض الإجابات والملاحظات التوضيحية.

الاستفسارات والاعتراضات:

- تم صياغة المسودة بلغة حقوقية صرفة، وبعض النقاط جاء بشكل مختصر ومن دون توضيح.
- في استفسارين متعارضين: يتساءل الأول: ألا تعتبر صيغة هذه المسودة وكأنها توصم الثورة والحركة الشعبية بالعنف. وفي المقابل تساؤل آخر: لماذا لم تدين المسودة العنف بشكل صريح؟
- كيف يمكن مواجهة النظام بجميع أجهزته وخصوصا الأمنية الآخذة في التضخيم والممعنة في القمع، بواسطة التظاهرات والفعاليات السلمية وحدها؟ وخصوصا في ظل سياسة النظام في التضييق التام على الحريات، وقمع الفعاليات السلمية والتنكيل بالقائمين عليها؟
- ألا يعتبر هذا المشروع تغليبا لمن يدفعون باتجاه القبول بالنظام عبر التعامل معه، على حساب من يدعون إلى إسقاطه وتغييره وهو المطلب الذي يرفعه قطاع واسع من جماهير هذه الثورة، وخصوصا بعد كل ما ارتكبه النظام من جرائم وانتهاكات؟
 - ما هي آليات تنفيذ هذا المشروع إن حظي بالقبول والتأييد؟ وإذا لم تتجاوب السلطة مع هذا المشروع فما الفائدة منه؟

إجابات وملاحظات:

1. أوردت مسودة المشروع نصا من ديباجة "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" بأن لا يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته إلا للقيود التي يقرها القانون في مجتمع ديمقراطي. وبهذا فإن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان الملزمة قانونيا ومعنويا للنظام في البحرين قد شرعت التمرد على الاستبداد والظلم، وعلى القوانين التي تتعارض مع حقوق الإنسان ولم تصدر بطريقة ديمقراطية.

2. أهمية الحقوق المتعلقة بالحريات الأساسية الثلاثة: التعبير والتجمع والتنظيم: 
ركزت المسودة على الأهمية البالغة لهذه الحريات على مسار الحركة الشعبية، فهي لم تطرح هذه الحقوق فقط كمطالب شرعية لابد من تحقيقها ولا يمكن التنازل عنها بأي حال من الأحوال، بل تناولتها كوسائل أساسية ضرورية لاستمرار ونجاح الثورة في تحقيق أهدافها. فلا يجوز المساومة على هذه الحقوق في أي حوار سياسي أو مفاوضات، حتى وإن كان ذلك في مقابل نيل حقوق أخرى مثل إطلاق سراح المعتقلين.

3. الحقوق الأساسية: 
بالرغم من أن المشروع المطروح لا يستهدف تقديم مبادرة سياسية إلا أنه يستعرض ملخص للحقوق السياسية وذلك من أجل المساهمة في بلورة رؤية مشتركة لدى القائمين بالتمرد والثورة. وقد لخصت المسودة الحقوق السياسية بأنها: 1. حق الشعوب في أن تقرر بحرية شكل كيانها السياسي و2. حق كل فرد في الاشتراك في إدارة الشئون العامة لبلاده و3. حق الفرد المتساوي مع غيره في تقلد الوظائف العامة و4. لا سلطة لأية حكومة من دون إرادة الشعب.هذه الحقوق تحدد المواصفات الأساسية للنظام السياسي الديمقراطي الذي يتمتع بالمشروعية الشعبية والقانونية.

4. الحق في الحياة: 
في مقابل الحق في التمرد على الاستبداد والظلم وعلى القوانين الجائرة، فإن هناك حق أساسي لكل فرد وهو الحق في الحياة. وإذا كان الإلزام بمثل هذه الحقوق يقع أساسا على عاتق الدول والحكومات - حيث أنها من يملك أدوات القهر والعقاب، فإن ذلك لا يعفي المتمردين والثوار من واجبهم في حقن الدماء ما استطاعوا لذلك سبيلا. وقد اتسمت الحركة الشعبية في البحرين بقدر كبير من السلمية وضبط النفس بالرغم من استخدام السلطة لكل أدوات القمع والاستفزاز، إلا أن استمرار الاحتقان السياسي والأمني بالشكل الحالي قد يؤدي في أية لحظة إلى اندلاع موجات من العنف المتبادل قد تودي بكثير من الأرواح كما يحدث في بلدان أخرى في المنطقة، وهذا ما تتحمل السلطة المسئولية عنه. ولكن الحركة الشعبية غير معفية من أن تبذل قصارى جهدها في تفاديه من دون التنازل عن استمرارية التحرك الشعبي وفاعليته باتجاه تحقيق الأهداف المشروعة. وإذا كانت السلطة لا تمانع من التضحية بأرواح الناس وسلامتهم في سبيل المصالح الذاتية لفئات أو أفراد معنيين وبقاؤهم في السلطة، فإن المتمردين والثوار هم أحرص الناس على حق الآخرين في الحياة حتى إن كانوا أعداء لهم. بل أن مبادئ المقاومة المدنية تقوم على استعداد المقاومين على التضحية بذواتهم في سبيل الحفاظ على حياة الآخرين وحقوقهم.

5. من المسؤول عن العنف والاستقطاب والتطرف: 
بالإضافة إلى ما جاء في الإعلان العالمي من أن السبب العام للتمرد هو الاستبداد والظلم والقوانين الجائرة، فإن مسودة المشروع قد استشهدت بتقرير "اللجنة الملكية لتقصي الحقائق" وألقت تلك اللجنة اللوم على السلطة. ثم تستعرض المسودة تخاذل النظام عن التنفيذ الجاد والفاعل لتوصيات اللجنة ومطالب المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي. وبذلك استمرت ممارساته السابقة في التسبب في المزيد من الضحايا والمزيد من المعتقلين والمحاكمات غير العادلة وهكذا يتحمل النظام المسؤولية الأولى والكبرى عن جميع ما يحدث وما يمكن أن يحدث من تطورات خطيرة في الوضع الأمني، وهو بذلك يعطي المبرر للمزيد من التمرد وردود الفعل والمطالبة بإسقاطه، وقد يؤدي تمادي النظام في سياساته إلى انطلاق العنف المضاد وتحول التحرك الشعبي إلى صدامات عنيفة.

6. الخلفية السياسية والميدانية للمشروع: تأتي ضرورة طرح مثل هذا المشروع على خلفية تحليل الوضع السياسي والأمني القائم والمتوقع خلال المستقبل القريب. وتشير مسودة المشروع إلى أن الأوضاع الحالية في البحرين تكشف حالة من الشلل والانسداد السياسي، وانعدام الأرضية لحلول حقيقية عاجلة للأزمة مما ينذر بتفاقم الحالة الأمنية بما يهدد بأوضاع أشد خطورة. وبذلك فإن استمرار الوضع الحالي قد يطول، لذا لا بد من بذل الجهود لتفادي الأسوأ.

7. العلاقة بين الحريات العامة والعنف: إن الاتجاه العام للتحرك الشعبي في البحرين هو الاحتجاج السلمي والمقاومة المدنية اللاعنفية. وقد ثبت من تجارب الشعوب الأخرى بأن توفر الحد الأدنى من حريات التعبير والتجمع والتظاهر شرط أساسي لبقاء الحركات الشعبية على نهجها السلمي، يُضاف إلى ذلك الحاجة ولو للحد الأدنى من نزاهة القضاء واستقلاليته والتعاطف الدولي والاهتمام الإعلامي. ويتجلى ذلك بوضوح من خلال تجارب المهاتما غاندي في مقابل حكومة التاج البريطاني، وكذلك في حركة الحقوق المدنية التي قادها مارتن لوثر كينغ في مقابل السلطات الأميركية والأنظمة والقوانين العنصرية. فإن ما حدث في العشرات من المرات في التجربتين، بأن كل زيادة في تقييد وقمع الحريات الثلاث يتسبب في اندلاع أعمال العنف. أما بالنسبة لتجربة جنوب أفريقيا، فإن نلسون مانديلا - الحائز على جوائز التقدير والسلام العالمية - عندما أخفق كمحام وكناشط سياسي في رفع الظلم والاضطهاد العنصري عبر العمل السياسي والاحتجاج السلمي، فإنه قام بنفسه بتأسيس الجناح العسكري لمنظمته السياسية التي تحولت للعمل السري والكفاح المسلح.

8. آليات ومراحل تنفيد المشروع وبرنامجه الزمني:
أ. إن مسودة المشروع تفترض إن إطلاق الحريات العامة وسحب قوات الأمن الخاصة والحد من الاعتقالات التعسفية والمحاكمات غير العادلة سيؤدي تلقائيا إلى ضمان استمرار الحركة الشعبية في نهجها السلمي والتقليل من احتمالات اندلاع العنف في المستقبل. وتوضح مسودة المشروع بأن الحريات العامة تتضمن الحق في إبداء الرأي في شكل النظام السياسي والدعوة إلى تغيير النظام. كما توضح بأن القوات الأمنية الخاصة هي من تقوم بقمع التجمعات السلمية وتتسبب في العدد الأكبر من القتل والإصابة في أوساط المحتجين. وبالتالي فإن سحب هذه القوات واستبدالها بأفراد الشرطة العاديين سيكون إبعادا لمصدر أساسي للعنف واستفزاز العنف المضاد.
ب. إن رفع القيود عن الحريات وسحب القوات الخاصة هو المسؤولية المباشرة للسلطة، وإن التلكؤ في القيام بذلك يحمل السلطة كامل المسؤولية ليس فقط عن أعمال العنف والقتل التي تقوم بها تلك القوات وإنما عن أي تصاعد مضاد في استخدام العنف في الفترة المقبلة.
ج. بالرغم من أن السلطة تتحمل مسؤولية المبادرة العاجلة في التنفيذ الجدي لتوصيات لجنة التقصي والتعهدات التي قدمتها للمجتمع الدولي، فإن التنفيذ الحقيقي والمقنع لن يكون عبر ذات المؤسسات التي قامت بالانتهاكات، وإنما عبر قواعد العدالة الانتقالية وآليات متوافق عليها بين مختلف الأطراف. وإن مبادرة السلطة باتجاه تحقيق الخطوات المذكورة سيتطلب تشكيل هيئة تقوم بمراقبة التنفيذ.

9. ماذا لو لم تتجاوب السلطة مع هذا المشروع، فما هي الفائدة منه؟
أ. في الظروف الحالية قد لا تكون هناك إرادة لدى السلطة في التجاوب مع مثل هذا المشروع، ولكن تغير الظروف السياسية والأمنية أو تحول معادلات القوى، أو تفاقم الأوضاع الأمنية قد يفسح المجال لمثل هذا المشروع. لذا من المهم مناقشته وبلورته ليكون جاهزا حال الحاجة إليه.
ب. إن مجرد تداول هذا المشروع ومناقشته بشكل واسع يسهم في تعزيز ثقافة العمل الاحتجاجي السلمي.
ج. إن التفاعل مع فكرة المشروع وإيصاله إلى الجهات الدولية ونشره العام، يجعل له قيمة معنوية ضاغطة على السلطة ويحملها مسؤولية أي تفاقم للأوضاع، ويبرز حركة الاحتجاج والمقاومة في طبيعتها السلمية والمتحضرة.

10. التعامل مع الأجهزة الأمنية القمعية:
أ. إن أحد الاستراتيجيات الرئيسية للمقاومة المدنية السلمية هي تحديد القوات الأمنية أو تحويلها إلى عبئ على النظام إذا ارتكبت الحماقات والانتهاكات والقتل. وهذا ما حدث لنظام شاه إيران بجيشه الجرار ونظام مخابراته "السافاك"، وهذا ما حدث لقوات بريطانيا العظمى أمام الهنود الفقراء، وجرى ذلك أيضا لنظام زين العابدين بن علي في تونس الذي تسببت أجهزة الأمن في اشتعال الثورة وطرده خارج البلاد، وهو بالضبط ما حدث لنظام حسني مبارك في مصر الذي اعتمد على قوات أمن الدولة المخيفة التي ذابت بشكل مفاجئ أمام صرخات الجماهير.

ب. إن العمل السلمي واستعداد المقاومين والثوار للتضحية بأنفسهم أمام عنف قوات الأمن هو أداة فاعلة في اتساع نطاق الثورة والتحرك الشعبي ودخول المزيد من الفئات والأعداد في عملية التغيير وكسب التعاطف الدولي والإقليمي وهي عوامل حاسمة في نجاح حركة المقاومة المدنية. وهذا ما التفتت إليه الثورة في البحرين منذ بداية انطلاقتها وما يجب أن تحافظ عليه بكل إصرار حتى في الظروف الصعبة.

11. هل يدفع هذا المشروع باتجاه إسقاط النظام أم إصلاحه؟
إن الغرض من هذا المشروع ليس بيان الموقف من شكل النظام السياسي المقبل. ولو أنه يرسم بوضوح صورة لنظام مختلف من خلال المواصفات التي تتضمنها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. إن مهمة المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين في المقاومة المدنية ليس فقط النظر للغايات والأهداف الكبرى والالتزام بالمبادئ الأسمى والأمثل، وإنما عملهم الميداني يتطلب التعامل مع الواقع القائم أي يكون موقفهم السياسي، وذلك لتعظيم النجاحات وتقليل الخسائر وحفظ مبادئ حقوق الإنسان التي فشل النظام في حفظها وتورط في القمع والانتهاكات ففقد مشروعيته السياسية والأخلاقية. وهذا ما يجعل تغيير النظام عمل أخلاقي ومطلوب وممكن ويعطي المشروعية والمصداقية للقائمين بالاحتجاج والثورة والتغيير. وإن مشروعية ومصداقية أي نظام سياسي لا تتوقف على شكله إن كان ملكيا دستوريا أو جمهوريا رئاسيا أو برلمانيا وإنما مدى احترامه لحقوق الإنسان وكرامته وحرياته.

وختاما: فإن اندلاع الاحتجاجات والثورات الشعبية هي دلالة على تجاوز الشعوب حالة الخوف إلى حالة الغضب، وعندها يكون التحدي هو في تنظيم حالة الغضب وتوظيفها لتحقيق المطالب العادلة بأقل قدر ممكن من التضحيات والدماء. وقد نجح التحرك الشعبي في البحرين بشكل باهر أن يعتمد نهج المقاومة السلمية والعصيان المدني. ولكي لا يتسبب استمرار النظام في سياساته التعسفية في انزلاق الأوضاع نحو العنف، وما يخلفه ذلك من أضرار وخسائر جسيمة فإن أبناء الشعب ونشطائه ومنظماته تتحمل عبئا كبيرا في تفادي ذلك، وتتحمل الجهات السياسية والحقوقية الدولية مسؤولية كبرى في التحرك العاجل لوقف تهور النظام في البحرين، والعمل على توفير الظروف التي تساعد الحركة الشعبية في مواصلة الالتزام بمنهجها السلمي الذي اختطته منذ البداية وأبدعت فيه.

ملاحظة أخيرة: إن هذه الملاحظات هي آراء قابلة للتصويب، وإن المشروع المطروح ليس ملكا لشخص وإنما هو يرسم التقييم، وإن ما يعطيه القوة والفاعلية هو تبنيه ودعمه من قبل أكبر عدد ممكن من النشطاء وأبناء الشعب.

*عبدالهادي الخواجة


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus