» رأي
حان الوقت لاتخاذ إجراءات عقابية ضد البحرين
عباس بوصفوان - 2013-02-22 - 7:59 ص
عباس بوصفوان*
عمليا، تقوض "الوفاق"، كبرى جمعيات المعارضة البحرينية، بعض الجهود التي تبذلها شخصيات حقوقية وبرلمانية بحرينية وغربية لممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية على نظام آل خليفة الدكتاتوري، من أجل دفعه لاتخاذ إصلاحات سياسية عميقة.
يمكنك أن تسمع هذا الرأي من أكثر من ناشط عربي وغربي يحاول الضغط من أجل منع استضافة البحرين، بين 19ـ 21 ابريل المقبل، نسخة 2013 من سباق سيارات الفورمولا.
ويضيف هؤلاء: إذا كانت بعض أطراف المعارضة الرئيسية لا تؤيد إجراءات عقابية ضد النظام، فكيف يمكن أن يؤيد العالم ذلك؟
رئيس الاتحاد الدولي للفورمولا بيرني إيكليستون عادة ما يرد على طالبي إلغاء سباق الفورمولا بالقول: لا تكونوا ملكيين أكثر من الملك، فالمعارضة الرئيسية (الوفاق) تدعم إقامة السباق في المنامة، ولم تظهر ممانعة له، فلماذا تعارضونه؟!
في العام 2011، تم إلغاء إقامة السباق الذي كان مقررا في مارس، بسبب الاعتصام الحاشد في دوار اللؤلؤة، والعلاج الأمني الذي تبنته السلطة في مواجهة المحتجين السلميين المطالبين بالديمقراطية.
ومع ذلك، فقد أعطت "الوفاق" موقفا إيجابيا للاتحاد الدولي للفورمولا لتنظيم السباق في أكتوبر من العام نفسه (2011)، وهو ما أعلن فعلا، إلا أن الأجواء الأمنية المتوترة، والمشكلات التقنية الناتجة عن تغيير تاريخ السباق وتضاربه مع مواعيد راحة المتسابقين، أدت إلى اتخاذ الاتحاد الدولي قرارا بإلغاء السباق، وقد أضر ذلك بشكل بالغ بصورة الحكم، وأكد صدقية التقارير الإعلامية والحقوقية التي طالما أشارت إلى أن وضع البحرين غير مستقر، وأن الشكل الظاهري لهدوء العاصمة وبعض المناطق ليس إلا قبضة أمنية مخيفة.
المفاجأة كانت في ابريل 2012، حين زار النائب الوفاقي السابق د. جاسم حسين، حلبة البحرين الدولية، وظهر أمام التلفزيونات العالمية قائلا: "أستطيع أن أقول لكم إن معظم الناس في البحرين سعداء ومسرورون بعودة الفورمولا واحد إلى البحرين مرة أخرى". وتابع "الاحتجاجات ستكون موجودة بالتأكيد. فقد كانت موجودة قبل السباق، وسوف تكون موجودة خلاله، وستستمر بعده، لأن لا صلة لها بالسباق".
ورغم أن "الوفاق" نأت بنفسها عن تصريحات حسين، معتبرة زيارته وتصريحاته تصرفا شخصيا، إلا أن تلك الزيارة من قبل نائب سابق ينتمي إلى مجموعة حزبية معروفة بالانضباط الحزبي لأعضائها عموما، ما كانت لتتم لو أن حسين قرأ موقفا سلبيا من قبل الجمعية التي ينتمي إليها، وعلى أية حال فإن ذلك ليس اجتهادا صحافيا، مادام الرأي العلني والرسمي للوفاق يؤيد استقبال البحرين للسباق العالمي.
"الوفاق"، التي يقودها الشيخ علي سلمان بنَفسه المعتدل، والداعية لإصلاح النظام لا إسقاطه، معنية تماما بإبقاء باب الاتصالات مفتوحة مع النظام، وربما من هذا الجانب كانت ومازالت تتفادى اتخاذ مواقف تخشى أن يبعث برسائل خاطئة للنظام والغرب، أو تفسر على أنها تعبر عن موقف راديكالي، كما أنها (الوفاق) معنية بالظهور بصورة إيجابية كقوة سياسية متعالية على جراحها وتسعى للنهوض بالبحرين، وتجد في المناسبات الرياضية والسياسية المختلفة رافدا لاقتصاد المملكة الصغير.
بيد أن هذا السلوك، بعد عامين من انطلاق انتفاضة 14 فبراير (2011)، قد يكون له وقع سلبي في أداء النظام، وتمتين قوى التشدد فيه، التي تدعي أن سياساتها القمعية أنقذت نظام الحكم من السقوط، ولم تضر بعلاقاته الدولية.
وفي كل الأحوال، فمن المؤكد أن السياسة الوفاقية هذه لم تؤد إلى تقوية جبهة ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة الذي تراه "الوفاق" معتدلا، وأراه غير قادر على أن يشكل توازنا مع جبهة الخوالد النافذة، بقيادة وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة.
الباحث الأميركي في معهد كارنيجي للسلام فريدريك ويري وفي ورقة نشرت مؤخرا بعنوان: "الحليف غير المستقرّ: مأزق البحرين وسياسة الولايات المتحدة"، يوصي واشنطن بـ "استخدام قوة التأثير الاقتصادي ومتعدد الأطراف بحكمة. (فقد) أحدثت الانتقادات الصادرة عن المنتديات متعددة الأطراف بعض التحوّلات الإيجابية في السياسة العامة. كما يمكن لعقوبات مالية أكثر تحديداً ضد مسؤولي النظام المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان أن تبعث برسالة أقوى".
ويمكنني الزعم، أنه إذا كانت كبرى جمعيات المعارضة، ليست مستعدة للحديث علنا ضد مختلف الفعاليات التي يستغلها النظام لتلميع صورته، فلا يفترض أن تنتظر موقفا أفضل من قبل الجهات الدولية، وكثير منها مناصر أصلا للحكم القائم.
وطالما استغلت السلطات البحرينية المناسبات الرياضية (مثل الفورمولا واحد والدورات الكروية الخليجية) أو الفعاليات السياسية (مثل حوار والمنامة والقمة الخليجية) للقول بأن المعارضة تمثل أقلية لا يقلق البلاد استبعادها من الحكم.
وإذا كانت "الوفاق" لا تشجع إجراءات عقابية شكلية، فإن ذلك يعني أنها أمام شوط طويل كي تقتنع بأهمية تبني مواقف داعية لاتخاذ إجراءات عقابية اقتصادية أكثر عمقا ضد النظام، كما يوصي ويري.
إن الخط الاستيراتيجي للوفاق، القائم على سلمية الحراك الشعبي، ومركزية العلاقة مع الغرب، وعدم قطع خطوط التواصل مع الحكم، قد يكون أثبت نجاعته، على الأقل مقارنة بالدمار الهائل الذي لحق بسوريا، والذي يتحمل وزره الأكبر نظام الأسد الدكتاتوري، بيد أن المعارضة المسلحة أججت سياسة سفك الدم.
ولا يبدو في خيار تبني "الوفاق" سياسات منددة بالنظام البحريني من قبيل التحريض على عدم استضافة المنامة للفورمولا ما يخرج المعارضة البحرينية عن نهجها السلمي، بل لعها تؤكده بهذا لإجراء.
ولنتذكر أن منذ انطلاقة أولى السباقات في 2004، فقد ظلت هذه المناسبة موضع استثمار سياسي، وأدت فعاليات المعارضة فترة السباق وخشية السلطة من تخريب المناسبة الدولية إلى فتح أبواب الحوار بين الجمعيات السياسية المعارضة والسلطة، التي مثلها حينها الدكتور مجيد العلوي، حين كان يشغل منصب وزير العمل والشئون الاجتماعية، وقد تابعت تفاصيل هذا الحوار الذي لم يخرج بنتيجة، حين كنت أحرر الأخبار السياسية والبرلمانية في صحيفة "الوسط" البحرينية.
ومن المؤكد أن الصراع حول الفورمولا واحد اتخذ منحى مختلفا ومركبا حين تمكنت المعارضة الداعية إلى إسقاط النظام من منعه في 2011، وهو ما عنى للسلطة تحديا يتوجب الفوز به، ما يعطي الصراع والنقاش والجدل حول استضافة السباق في ابريل المقبل طابعا سياسيا بامتياز.
إذا نظم السباق الدولي في حلبة الصخير (جنوب البحرين)، فإن المعارضة سوف تستغل الحضور الإعلامي لتغطية السباق للتركيز على مطالبها السياسية وأزمة الرياضيين المعتقلين، بيد أن وقع الحدث دون شك سيكون أكبر على النظام وهو يخسر أهم الفعاليات التي يستثمرها لتلميع صورته، ولعل على المعارضة بقيادة الوفاق أن تبدأ الخطوة الأولى لذلك، والتي قد تشجع نحو خطوات أخرى أشد إيلاما للنظام، لأنه واضح أن رسالة المطالبين بالديمقراطية، رغم عنفوانها وصخبها واتساعها، لم تصله بعد.
*كاتب وصحافي من البحرين مقيم في لندن