الشهيد محمود الجزيري.. سماء غارقة في دهشتها

2013-02-22 - 4:36 م


أحمد جعفر*

للشهيد الفتى حسين ثمة صلة قرابة قوية مع الشهيد الشاب محمود، حسين صُرع عمداً برصاصهم في صبيحة الرابع عشر من فبراير الجاري، محمود أصيب بطلقة في الخامس عشر من الشهر ذاته وفي اليوم التالي لاستشهاد حسين.. هذه الطلقة النارية كفيلة باختراق جدران اسمنتية، فكيف يصعب عليها اختراق رأس الشاب محمود؟!

الأول ابن عمة الثاني، وكلاهما جزيريان من جزيرة (أكُل) بضم الألف والكاف وسكون اللام (التسمية القديمة لجزيرة النبيه صالح حالياَ)... الفتي حسين استشهد الخميس، وشيّع السبت 16 فبراير ووريَّ الثرى في مقبرة جدحفص مع شهداء مثلت الصمود.. محمود أصيب بطلقة قاتلة خرجت من سبّابة جاهلة ضغطت على الزناد يوم الجمعة 15 فبراير، وأعلن عن استشهاده اليوم الجمعة 22 فبراير وسيوارى الثرى في مقبرة (دعلج) بن علي الواقعة على مساحة كبيرة من الجبل الصلد الذي أمر دعلج بنحت قبورها في الصخر على نفقته قبل أكثر من ألف عام وعرفت باسمه، ولأنه (دعلج) كان "لم يُنجب الأولاد فأحب أن تكون له صدقة جارية وأوقفها للمؤمنين وكان ذلك في حدود 400 هجرية وأعد له قبّة من الجبل وتحتها قبر أوصى أن يدفن فيه وكانت القبة موجودة إلى سنة 1408 هـ"( انظر: قصة النبيه صالح" ـ الناصري ص7) 

ذهب محمود الجزيري مثل بقية شهدائنا يتفتح كوردة في حديقة الله، أحببناه لأنه كان يغني للحب في زمن الظلم، فمحمود وحسين أعلنا لنا إن يوم حريتنا.. يوم نجاة وطننا..هذه الصورة التي نفهمها وتترسخ في أعمق أعماقنا إلى أن يأتي النصر الكبير.. وفي مقابل ذلك نرى صورة/ صور مشوّهة للوطن الذي من المفترض أن يجمعنا ويساوي بين مواطنه.

قبل خمسة أيام من استشهاد الشاب محمود عيسى الجزيري ويوم واحد من تشييع الفتى حسين علي أحمد الجزيري، خرج علينا "منرفهزهم"، وهو واحد من أبناء هذه المشيخة الخليفة ليذكرنا بممارسات قديمة/حديثة لا تخفي ذواتهم منذ أن وطأت أقدامهم أرض أوال ودنّسوها، إذ قال في تغريدته: "اذا انت شيعي ما يمديك تحك شعر راسك: مسيرة شموع كسار الفاتحه تشييع شهيد تجمع البقر اغلاق شوارع تحضير مولوتوف متعه تايم العن قفدكم إنتوا شنو!".

لن ننجر، ولن ندخل في جدال عقيم مع هذه الأقوال القبيحة المتعفنة بأطوار الجهل لهذه القبيلة وأحفادها، لقد ابتلى شعبنا بتجارب مريرة معهم ونَضَجَتْ معرفته بسلوكياتهم، فقد مررنا بأحداث خطيرة وتافهة معكم، مفجعة، وضيعة ومضحكة، لكنها تحوي كل شيء، كل شيء...فقد قابلتم شعارات المحبة التي تطلقها حناجرنا بخطابات الكراهية والمكارثية... واجهتم ورودنا ببنادقكم وآلتكم العسكرية، فتحنا صدورنا عارية لرصاصكم كي تمر مجاري تنتهي إلى مصب السلام، حرفتمها إلى مصب الحروب والعنف والكراهية... نعرف إن نصركم مكابر ومغرور وتموهون لأنفسكم وللناس بأنكم تقودون شعبنا بأطراف أصبعكم، لكننا ننظر إلى البعيد البعيد، إلى الواقع، فأنتم المهزومون، المحزونون في النهاية، فها نحن نرى انحداركم من القمة إلى قاع القاع.

قبل نحو 41 عاماً، يزيد أو يقل، كان ابن الحاكم وولي عهده آنذاك.. مدلل أبيه عيسى، والذي هو الملك حالياً، حمد بن عيسى: المعروف شعبياً في معجم ثورة 14 فبراير المجيدة بـ"تن تن تتن"، خرج بحماقة لا زالت تمشي في عروقه، إذ أبدى ببلاهة اعتراضه الشديد على المجلس التأسيسي وبرلمان 1973، الذي انبثق بعد الاستقلال من المستعمر البريطاني لصياغة دستور عام 1972، متسائلاً: "كيف يخصصون لوالدي 6 ملايين دينار سنوياً فقط وهو الذي يملك البحرين كلها؟!".

لنتأمل: منذ ذلك التاريخ، جرت مياه كثيرة بين جسور المحرق وروابطها الثلاثة مع المنامة، وكذا الجسر الذي يربط البحرين بـ"الشقيقة الكبرى"، السعودية، لكن في مقابل ذلك جرت دماء غزيرة، ضيم، شظف عيش، قهر وفصل عنصري طائفي لشعبنا.. انتفض الناس عدة مرات لتغيير هذه المعادلة الكريهة وظلت كما هي، بل كان لهذه المشيخة المحتلة القادمة من الزبارة والتي غدت في غفلة من الزمن، "من مستورد لجذوع النخيل من سترة إلى مالكة للبحرين كلها"، (راجع التحفة النبهانية في الجزيرة العربية القسم الخاص بالبحرين، ص123).

 يتقاسمونها فيما بينهم وكأنها إرث الذين خلفوهم.هذا ليس عصركم، فالفتى حسين والشاب محمود الجزيريين قالا لنا: ذهبا متحررين إلى الله من قيد هذه القبيلة، ومحمود أكد لنا اليوم: أنا بعين الله راقد في الجزيرة الصالحة، هناك في مقبرة دعلج بن علي مع عاشر نسل من أجدادي، أنام مستريحا والنبيه صالح يمسح على جرح رأسي ويطمئنكم، إنهم مهما حاولوا إخفاء ذواتهم لن يستطيعوا تزوير تاريخ أصالتنا المتجذرة في أرض أوال..

____________________________

التعليقات والردود التي تنشر تعبر عن رأي أصحابها، ولا تعبر عن رأي "مرآة البحرين" بالضرورة. نستقبلها على البريد التالي:
 editor@bahrainmirror.com

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus