مجيد مرهون رحل في مثل هذا اليوم.. ومازال ساكسفونه يعزف الأمل: سنمضي إلى ما نريد وطن حر وشعب سعيد

2013-02-23 - 10:12 ص


مرآة البحرين (خاص): صلاة الوحشة.. مجيد مرهون، الأسمر أبو رضا، نيلسون منديلا البحرين، عازف الساكسفون الذي رحل عنا صبيحة يوم الثلاثاء 23  نوفمبر/شباط 2010، رحل وظل ساكسفونه يعزف أنغام الأمل.."مرآة البحرين" تروي لكم عنه، تروي عن ذلك الذي أحببناه مذ كان يقبل آلته بشغف تام، حيث يعرف كيف يصيغ الحب لحناً دون دفاتر ونوتات يخلق في شرفات عالمنا مليون عصفور وصورة.. ومواعيد كثيرة..

ألم تُخبرنا أحلام مستغانمي في رائعتها (الأَسوَدُ يليقُ بكِ): إنه ما من قصة حب إلّا وتبدأ بحركة موسيقيّة، قائد الأوركسترا فيها ليس قلبك، وإنما القدر الذي يُخفي عنك عصاه. بها يقودك نحو سِلّم موسيقيّ لا درج له، ما دُمت لا تمتلك سنفونيّة العمر لا "مفتاح صول"...ولا القفلة الموسيقيّة. الموسيقى لا تُهملك، إنها تمضي بك سِراعّاً كما الحياة، جدولاً طربّاً، أو شلالاً هادرّاً يُلقي بك إلى المصبّ. تدور بك كفارس محموم، على إيقاعه تبدأ قصص الحب..... وتنتهي.

مجيد مرهون، وجه من الوجوه الكبيرة في الحركة اليسارية والفنية البحرينية، صيته وصل للعالمية، يغني للأمل في زمن الحب .. جاء من ضفة أبيه الرأس رماني عبد الحميد حسن مرهون دون وثيقة سفر، فولد في 17 أغسطس/آب 1945 بمنطقة الحورة من والدته زعفرانة إسماعيل التي تعلق بها وهي من الحفظة لفنون النوبان ومحبة للفنون الشعبية، وجده لأمه هو إسماعيل مبارك السعدي، محب كذلك للفنون الشعبية، وكان يعزف على آلة نفخ تسمى (سازنغاره)، وقد تولع الأسمر مجيد منذ صغره بهذه الآلة التي كانت تستهويه الألحان الجميلة التي يعزفها جده.

الأسمر مجيد، منذ صغره حتى كبره حمل على صفحات قلبه طيباً ومدناً وأناساً و"درايش" مفتوحة، كان كلما تضيق به شوارع المدينة تتسع له شرايين أخرى وشرايين قلبه زمن المهمات الصعبة.....

بعد تخرجه من مدرسة القضيبة، انتظم بعد ذلك في شركة (بابكو) في العام 1959، وهناك خضع للتدريب والدراسة النظرية والعملية لمدة 4 سنوات، بعدها عمل بقسم التحكم بالشركة، حتى تم اعتقاله ومحاكمته بالمؤبد ومكث في سجنه مدة 22 عاماً (1968-1990).

 
في العام 1961 انضم إلى جبهة التحرير الوطني البحرانية، أول تنظيم يساري في البحرين والخليج باستثناء إيران والعراق، وفي العام ذاته أسس فرقة موسيقية بطلب من المرحوم باقر كلبهرام....فصار مجيد مرهون ثائرا وموسيقارا في آن، وبعد خمسة أعوام من انخراطه في حزب الكادحين، أوكلت له مهمة تنفيذ عملية فدائية من نوع خاص ضد أكبر رأسين لمخابرات المستعمر البريطاني: (بوب) ومساعده الأردني أحمد محسن في العام 1966.. قبل تنفيذ العملية نشرت صحيفة "الشرارة" السرية، الناطقة باسم "جتوب" عنواناً رئيسياً على صدر صفحتها الأولي: "لا يفك الحديد إلا الحديد" وذلك بعد أن قمع المستعمر البريطاني والسلطة الرجعية انتفاضة مارس 1965.... وكان مجيد على الموعد!

ذات مرة، سأله رفيق وكان ذلك أثناء انتفاضة التسعينيات المجيدة: رفيق مجيد، صف لي شعورك كفنان موسيقيّ وفي الوقت نفسه ثائر أثناء تنفيذك لهذه العملية وأنت تزرع العبوة الناسفة لقتل تلك الشخصية التي نعرفها، وما كانت تُشكله من خطورة على المناضلين البحرينيين؟!.

ضحك كعادته بقهقهات مرتفعة وقال: دعني أقول لك شيئاً، عندما تسللت لموقع السيارة المفترض زع العبوة الناسفة، لم يكن الهدف منها قتله، بل شلّه، وكان أكثر ما آلمني كان الحارس الذي يحرس هذه السيارة، كان نائماً وكنت طول فترة زرع العبوة أتمنى ألا يفيق هذا الحارس من نومه، لأنه ليس هدفاً لهذه العملية، كنت أحمل بيد مسدس موجه نحوه، وباليد الأخرى كنت أزرع العبوة وأربطها بمحرك التشغيل، يد هنا ويد هناك، عين على الحارس وعين على مكان ربط العبوة، وقلبي كان حائراً، وفي كل حركة أدعو ألا يستيقظ هذا الحارس البريء، فإن صحي سأقتله وأنا لا أريد أن أقتله، إنه ليس الهدف، ولكن إن استيقظ فالأمر سيكوت مختلفا في تنفيذ مهمتي التي أوكلني بها التنظيم، شكرت الرب لأنني أنهيتها وهو نائم. انطلقت من المكان وذهبت إلى الشركة وفي الباص سمعت صوت الإنفجار ففرحت بهذا الإنجاز، وفي العمل سرت أحاديث عن التفجير وصرت أتساءل مثلهم لإبعاد الشبهات عني.

 
في 1973 نجحت محاولات الفنان في إقناع مدير السجون بالسماح له بالحصول على الكتب الموسيقية لدراستها في وقت الفراغ وبعد عام لحن قصيدة الشاعر المناضل أحمد الشملان "طريقنا أنت تدري شوك ووعر عسير" حتى غدت نشيداً وطنياً لا زال يردده البحرينيون ويمنتجونه، إلى جانب الكثير من الأغاني الوطنية مثل: "يا أم بدر رقصي مع الحلوات رقصة.. وردج وصل 20 يا أم بدر وردة"، وذلك بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيس جبهة التحرير التي تأسست في 15 فبراير 1955، أما في العام 1976 وضع مرهون لحن "الذكريات"، وكان مهرجان الشبيبة العالمي للعام 1985 بموسكو بمثابة انطلاقة عالمية للتضامن مع المناضل مجيد مرهون، حيث تم توقيع آلاف البطاقات الاحتجاجية التي طالبت بإطلاق سراحه من قبل ممثلي حركة الشباب الديمقراطية المعادية للاستعمار في العالم كله.

في هذه الأثناء، جنَّ جنون المخابرات وطلبه مكتب التحقيقات للتوقيع على ورقة مضمونها أنه لا يحتاج إلى مساعدة الأحزاب اليسارية والتقدمية في العالم، التي كانت ترسل رسائل الاحتجاجات للمطالبة بالإفراج عنه، وهددوه أنه سيعاقب في حال وردت أية احتجاجات أخرى في المستقبل، وكان جوابه أن احتجاجات الأحزاب والمنظمات في العالم هي مشكلة السجانين وليست مشكلته، وعليهم أن يتحملوها بأنفسهم، فهو معزول في سجنه عن العالم ولا يد له في ما يدور خارج السجن. 

عن هذا التضامن الأممي كتب عازف الساكسفون مجيد مرهون: "لأول مرة في حياتي عرفت حلاوة النصر الكبير حيث كنت اعتبرت نفسي ممثلا لجبهة التحرير الوطني بكل ما في الكلمة من معنى".

لك الخلود يا أبا رضا.. رحلت عنا وبقى قاموسك الموسيقيّ، سمفونياتك، ألحانك ونضالاتك من أجل وطن حُر وشعب سعيد في الذاكرة الوطنية التي لا تنسى. 


  • هوامش


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus