السيد فيصل العلوي: منخول بين خلايا المرض وخلايا النظام

2013-02-23 - 9:02 ص


مرآة البحرين (خاص): العسكري السيد فيصل العلوي (مواليد 1977) هو أحد متهمي خلية "جيش الإمام" المعروفة ب "أبو ناصر" التي أعلنت عنها وزارة الداخلية مؤخرًا، ما انفك النظام يختلق خلاياه الإرهابية حين تفوح منه رائحة الدم، علها تساعد في تشتيت انتباه الرأي العام وصرفه عن وحشية بطشه. 

تم اعتقال فيصل من سلطنة عمان، بعد قرابة شهر من توقيع الاتفاقية الأمنية بين دول الخليج، وكان حينها يتلقى علاجه هناك، أجرى قبل فترة قصيرة من اعتقاله عملية منظار بهدف تشخيص دقيق لوضع القولون، وكانت حالته الصحية تزداد سوءاً ويعاني بالإضافة إلى القولون من مشاكل في القلب، مما جعله يقرر السفر إلى ايرلندا لمواصلة علاجه على يد أحد الجراحين المعروفين هناك، وبالفعل قام بحجز تذكرة طيران للسفر بتارخ 23 يناير، لكن باغته الاعتقال قبلها بيوم واحد، أي بتاريخ 22 يناير وتم تسليمه إلى السلطات البحرينية بتهمة المشاركة في خلية جديدة.

حكايته تبدأ بعد مجزرة الخميس الدامي 17 فبراير 2011، حين توجه بعض العسكريين إلى دوار اللؤلؤة بلباسهم الرسمي، مستنكرين بطش السلطة في الهجوم الدموي على المعتصمين النائمين عند الفجر. كان أخوه السيد محمود في مقدمتهم، والمتحدث الرسمي عن مجموعة العسكريين في منصة الدوار. تلك الجرأة لها فاتورتها الباهظة، دفعها هؤلاء العسكريون غير نادمين. لم يكن فيصل بين هذه المجموعة، كان يعمل في وزارة الداخلية في إدارة نظم المعلومات، لكن يكفي أن يكون أخوه في واجهتهم، ليدفع الثمن كذلك.

 
مع إعلان حالة السلامة الوطنية، تلقى السيد فيصل العلوي من أفراد اﻷمن الوقائي تهديدات بسجنه وفصله من العمل والتعرض لأهله إذا لم يفصح عن مكان أخيه. لم يطل الأمر كثيرا حتى ألقي القبض على أخيه السيد محمود العلوي فجر 29 ابريل 2011 بطريقة وحشية، وذلك بإلقائه من الطابق الثالث في العمارة التي يقطنها، تلقى بعدها تهديدا: "مثل ما سحبنا أخوك بنسحبك"، وكانت ما تُسمى بالسلامة الوطنية لا زالت تعيث في الناس انتهاكاً ممنهجاً وفالتاً من العقاب، لم يجد فيصل بُداً سوى النفاذ بجلده خشية على حياته وصحته المضطربة. كان واثقاً أنه سيكون محور انتقام لسببين؛ كونه عسكرياً في وزارة الداخلية، ولأن أخاه المتحدث الرسمي باسم العسكريين في ميدان اللؤلؤة. في اليوم التالي فرّ بثيابه التي يرتديها فقط، وبحوزته مبلغ بسيط من المال لا يتجاوز 500 دينار، تاركا عمله العسكري وعائلته وزوجته وأطفاله.

بقي سيد فيصل حائرًا في اختيار محطته الآمنة حتى استقر به المقام في بيروت. هناك راوده عنفوان المرض، اضطر إلى القيام بعملية استئصال المرارة، إلا أن الوجع لم يبارح معدته فأجرى عملية أخرى في القولون، قرر بعدها أن ينتقل إلى سلطنة عمان لإكمال علاجه اعتقادا منه أن النظام لم يعد يلاحقه، لكنه كان مخطئاً. أُعيد فيصل للوطن محملاً بوجع لم يشفَ منه بعد، وحقيبة مليئة بالأدوية وتحتوي على أوراق ووثائق تثبت قائمة المشافي التي رقد فيها والعلميات التي أجراها هناك، لكن ذلك لن يفيده، فليس مطلوب أدلة تُثبت، المطلوب تهمة تُورِّط فقط.

بعد تسليمه إلى السلطات البحرينية في 22 يناير هو واثنان آخران (ستتناولهما المرآة بشكل منفصل)، بقي الأمر متكتماً عليه، لم تعلن الداخلية أي شيء عن أي منهم، ولم يعرف الأهالي عن أبنائهم أي شيء طوال 25 يوماً، إلى أن حلّت الذكرى السنوية الثانية لثورة 14 فبراير، وتفاجأ النظام بهبّة الشعب الجديدة، وبدا واضحاً ارتباكه في معالجة الوضع والسيطرة عليه من جديد، وكانت هستيريا النظام واضحة في التعامل مع الوضع، فكان لا بد للنظام من تبرير يبرر تصعيد القمع، وكما هي عادته، قصة الخلية هي السيناريو الجاهز دائماً لاستخدامه في الأوقات الأصعب على النظام، فكان إعلان الكشف عن خلية جديدة في 16 فبراير، وكان سيد فيصل أحد متهميها.

تم التحقيق معه في مركز شرطة المطار، ولا يزال في حبس انفرادي هناك، يتم نقله للتحقيقات في سيارات مصفحة خالية من الضوء ورباط لا يفارق عينه حتى أثناء التحقيق، وباستخدام أدوات التهديد والإكراه المعروفة اعترف بالتهم المنسوبة إليه.لم يُسمح له بالاتصال بمحام عندما تم التحقيق معه في النيابة العامة، قالوا له: "إذا عندك محامي خل يروح بروحه"، ورغم متابعة محاميه ومراجعتهم المستمرة لمعرفة وقت عرضه على النيابة العامة فإنه لا يتم إخبارهم بالتاريخ أو الوقت. حتى الآن لا يعرف فيصل عن مدّة حبسه ولا تاريخ التجديد.

يواجه فيصل الآن تهمتان في قضيتين مختلفتين: الأولى متعلقة بشأن غيابه عن العمل، والثانية تهمة الخلية. محامية سيد فيصل تمكنت من الجلوس معه مرة واحدة فقط، كان ذلك في القلعة عندما أُخذ للتحقيق معه بشأن قضية الغياب من عمله. استأذنت المحامية من الوكيل الذي حقق معه وجلست معه لفترة قصيرة بوجود شرطي ولم تتمكن سوى من أخذ معلومات تعريفية به، وحتى الآن لم تطّلع المحامية على ملف القضية.

عندما أُحضر فيصل لعمل توكيل لمحاميته، أُدخل من باب سري، وكان محاطاً بأعداد كبيرة من الشرطة، ولم يكن معه أية أوراق تُثبت شخصيته، فجميع وثائقه وأوراقه متحفظ عليها في التحقيقات، وعندما طلبت المحامية حضور إخوته كشهود رُفض طلبها، ثم تم إحضار جواز سفره. 

هذا هو الوضع المرعب الذي يعيشه فيصل والمتهمين في قضية الخلية. وهو وضع شبيه بما عاشه بعض المعتقلين إبان فترة الطوارئ سيئة الصيت. فيصل متزوج ولديه 4 بنات، من منطقة عذاري ويسكن مدينة عيسى، لا يُسمح له بتناول أدويته رغم سوء حالته الصحية ووجود الوثائق التي تثبت حالته المرضية. أخبر أهله في زيارتهم الوحيدة أن جميع الأوراق الثبوتية موجودة في حقائبه. 

يعيش الأهل قلقاً موجعاً على حالة ابنهم الصحية، جسد منخول بخلايا المرض والألم والتعذيب، وانتقام موحش، ومصير مجهول، ونية مبطنة بالأسوأ يديرها نظام بربري. لم تشف جراح الأهل الذين طارد الموت شبابهم، ابنة شابة غادرت الحياة في حادث أليم، وابن غلبه مرض السلكر فراح مبكراً أيضاً، وعسكري يغيبه السجن منذ عامين، وآخر رهينة كذبة بائسة مكررة مستهلكة، ووطن ينزف دماً.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus