مشاهد من تشييع بحريني

2013-02-27 - 12:19 م


شريف عبد القدوس، ذا نايشن
ترجمة: مرآة البحرين

علي أحمد إبراهيم الجزيري ينزل جثة ابنه في القبر ومن حوله العشرات من المشيعين. وكان العديد منهم قد غطوا أنوفهم وأفواههم لدرء لسعة الغاز المسيل للدموع التي انبعثت من مكان قريب. وعلى مشارف المقبرة، هناك المئات من الشبان المسلحين بالحجارة وقنابل المولوتوف لمواجهة شرطة مكافحة الشغب التي تجهزت بكامل العدد وبسياراتها المدرعة ذات الدفع الرباعي. وقد ترافق دوي بنادق الشوزن وقنابل الغاز المسيل للدموع بدوي طائرات الهليكوبتر التي راحت تراقب المشهد من الأعلى. وهكذا هو التشييع في البحرين.

"أريد الانتقام لابني"، يقول الجزيري بهدوء "نريد محاسبة حقيقية، وليس مثل ما حدث مع الشهداء الآخرين".

قتل حسين الجزيري – 16 عاما—في 14 شباط/فبراير، تاريخ الذكرى الثانية لانتفاضة 2011. وقال شهود عيان لصحيفة ذا نايشن أن شرطيا أطلق النار عليه مرتين من مسافة ثلاثة أو أربعة أمتار في إحدى زاويا شوراع قرية الديه غرب العاصمة. هذه المزاعم مدعومة بالصور الفوتوغرافية التي التقطت في المشرحة والتي تظهر إصابته الناتجة عن رصاص الشوزن الذي تعنقد في الجانب الأيمن العلوي من بطن حسين – والذي يبرهن أن مطلق النار كان على مسافة قريبة. والحكومة  تقول إنها بدأت بإجراء التحقيقات.

ظروف وفاة حسين كانت مؤثرة بشكل خاص. قبل سنتين من نفس التاريخ، عانى علي عبد الهادي المشيمع -21 عام--  مصيرا مماثلا ملفتا للنظر في نفس القرية، حيث أصابته الشرطة إصابة قاتلة في ظهره. وأصبح أول شهيد في انتفاضة البحرين، ومنذ ذلك الحين، قتل ما يقرب من تسعين شخصًا وفقا لجماعات حقوق الإنسان المحلية، ورغم أن البعض يرفع العدد إلى أكثر من 120، فالحصيلة كبيرة في بلد لا يبلغ عدد سكانه 600  ألف نسمة.

كما أنه، وفقا لوزارة الداخلية، قتل شرطي في اشتباكات الذكرى الثانية بقذيفة أصابته بجروح قاتلة.

الانتفاضة التي بدأت قبل عامين جذبت الآلاف من المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية إلى دوار اللؤلؤة، في العاصمة البحرينية المنامة. واستمرت الاحتجاجات السلمية في الدوار لمدة شهر قبل أن تسحقها وحشية الحكم الملكي في البلاد، بمساعدة من قوات التدخل الخليجية بقيادة سعودية، بينما الولايات المتحدة وأوروبا تغضان الطرف. وكانت حكومة البحرين قد قامت بهدم النصب الذي يبلغ ارتفاعه 300 قدم والذي يشتمل على ستة أعمدة بيضاء متقوسة، تمثل أعضاء مجلس التعاون الخليجي، يعلوها لؤلؤة إسمنتية. واليوم، يصور المحتجون النصب على جدران القرية كرمز للانتفاضة التي لا تزال دون انقطاع.

"بعد سنتين، روح الثورة ما زالت في نفس مستوى الزخم كما كانت في البداية، في 14 شباط/فبراير 2011" يقول مجيد ميلاد رئيس المجلس البلدي في المنامة وعضو في الأمانة العامة لجمعية الوفاق الوطني الإسلامي، أكبر جماعة معارضة سياسية في البلاد. وكانت الجمعية قد انضمت إلى خمس مجموعات أخرى للمشاركة في الحوار الوطني الذي دعا اليه الملك حمد بن عيسى آل خليفة. وهذا الحوار هو الأول من نوعه منذ ثمانية عشر شهرًا،   حيث يشارك فيه موالون وممثلون عن الحكومة.

أحزاب المعارضة تقول بأنها تضغط من أجل الإصلاحات السياسية الرئيسية، بما في ذلك نظام ملكي دستوري ورئيس وزراء منتخب يحل مكان عم الملك الذي ما زال في السلطة منذ 42 عاما. ولكن المحتجين لا يثقون في الحكومة، وخاصة الشباب منهم، والكثير منهم متعاطفون مع مجموعة ناشطة بلا قيادة معروفة باسم تحالف 14 فبراير.

"الحوار الوطني هو مجرد حملة علاقات عامة من أجل التغلب على ذكرى 14 فبراير" تقول فاطمة حاجي، دكتورة في الطب الباطني، وقد كانت من بين العشرات من الأطباء الذين عذبوا واعتقلوا عام 2011  بعد توفيرهم العلاج للمحتجين الجرحى. "كيف يمكننا التحاور والناس يقتلون في الشوارع؟"

منذ عام 2011، اعتُقِل العشرات وحوكموا أمام المحاكم العسكرية، والكثير منهم مدافعون عن حقوق الإنسان وشخصيات معارضة سياسية. وتقارير إساءة معاملة السجناء والتعذيب موجودة بكثرة.

وكان الملك قد كلف بإجراء تحقيق مستقل، تحت ضغط دولي، فيما يتعلق بمعاملة المتظاهرين في منتصف عام 2011. وفي أيلول/سبتمبر الماضي أصدرت الأمم المتحدة تقريرا. ولكن المجموعات المعارضة المختلفة وجماعات حقوق الإنسان يقولون بأن الحكومة لم تنفذ أية توصيات كانت قد طرحت من جانب الاثنين.

ثلث الذين قتلوا منذ بدء الانتفاضة كانت إصاباتهم ناتجة عن قنابل الغازات، مثل المشيمع والجزيري، فالغازات المسيلة للدموع هي السبب الأول للوفاة، وذلك وفقا لتقرير صدر هذا الشهر عن مركز البحرين لحقوق الإنسان. الكثير من السكان يتحدثون عن الغاز كخطر لا مفر منه في حياتهم اليومية. وقالت حاجي : "منذ عامين وهم يطلقون علينا الغاز" وأضافت: "ولا ندري كيف ستكون آثاره الطويلة الأجل".

وكانت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في الولايات المتحدة قد وصفت سياسة الحكومة البحرينية المتعلقة بالغازات بأنها شيء لم يسبق له مثيل في العالم، وكانت قد أصدرت العام الماضي دراسة تقول بأن الشرطة تطلق وابلاً من القنابل بشكل روتيني من مسافة قريبة على الحشود وداخل المنازل والسيارات.

وعشية الذكرى الثانية، توفيت أمينة سيد مهدي، وهي امرأة تبلغ من العمر 36 عاما وتعمل في مركز تجاري جراء التهاب رئوي بعد أن أمضت فترة شهر في المستشفى. أمينة تعيش في قرية أبو صيبع وكانت كثيرًا ما تتعرض  للغازات بينما كانت تشق طريقها وسط الاشتباكات القريبة من منزلها، ووفقا للناشطة جيهان كازيروني التي وثقت قضيتها فإن أمينة قد عانت من آلام متكررة في المعدة، والتقيؤ، وصعوبة في التنفس، وكان أحيانا يغمى عليها نتيجة تعرضها للغاز حتى قبل وصولها إلى المنزل.

وقبل أن يكون لدى أمينة ظروف طبية تثير تساؤلات حول وفاتها، تتهم أسرتها الشرطة بشكل مباشر--  ويشهد الآلاف من المشيعين الذين حضروا جنازتها في 15 فبراير أن وفاتها كانت نتيجة الاستخدام الوحشي للغاز المسيل للدموع الذي قتلها ببطء.

واليوم، الهوة بين أولئك الذين يحتجون في الشارع والحكومة واسعة أكثر من أي وقت مضى. فقد قال وزير الداخلية هذا الأسبوع بأن الوزارة مارست "ضبط النفس" واصفا الكثير من الاضطرابات بأنها "أعمال إرهابية"، زاعما أن الشرطة أبطلت مفعول قنبلة تزن كيلوغرامين على الجسر الذي يصل البحرين بالمملكة العربية السعودية وأن الشرطة اعتقلت ثمانية أشخاص على صلة بالعراق وايران ولبنان باتهامات تتعلق بالإرهاب.

ولكن، وكما أن المظاهرات، التي كانت سمة اعتيادية في البحرين منذ عام 2011، قد تكثفت هذا الشهر، فإن الحملة القمعية قد تكثفت أيضا. فالأسبوع، الذي تلا 14 فبراير، قد جلب مشاعر الاحتلال.  ألقي القبض على أكثر من خمسين شخصًا في الأيام الثلاثة الأولى للذكرى وجرح كثيرون آخرون. فشرطة مكافحة الشغب بخوذها ودروعها تقف على تخوم القرى وتطلق الغازات السامة وقنابل الصوت والشوزن. ونقاط التفتيش على طول الطرق الرئيسية لاستطلاع الهويات الشخصية لسائقي السيارات واستجوابهم. الشرطة بسيارات الدفع الرباعي تحرس الشوارع وطائرات الهليكوبتر تؤز فوق الرؤوس باستمرار. قوات الأمن إلى حد كبير تتكون من أفراد مجندين من بلدان أخرى، من الأردن وباكستان واليمن، وكثيرًا ما يصفهم المحتجون بالمرتزقة.

في القرى، المراهقون الملثمون بالقمصان يلقون الحجارة والقنابل الحارقة على الشرطة قبل أن ينسحبوا وسط سحب الغاز الخانقة. وقد غطوا الشوارع الضيقة بالحطام والحاويات الفولاذية المقلوبة. ولمنع عمليات التوغل، يقوم المتظاهرون بوضع حواجز مؤقتة باستخدام الأرصفة المتكسرة وألواح الخشب المسمرة، ويرتفع الدخان الأسود الكثيف الناتج عن الإطارات المحترقة فتظلم السماء.

"وكأننا نعيش في منطقة حرب"، يقول المصور ياسر ناصر وهو يمشي في قرية الديه. المحتجون يشتكون من هجر المجتمع الدولي وتخلي وسائل الإعلام العالمية عنهم.

مقتل حسين الجزيري لم يغذِّ سوى الاضطرابات. في يوم تشييعه، بدأت قوات الأمن بإغلاق جميع الطرق الرئيسية المؤدية إلى الجنازة، مما تسبب في اختناقات مرورية كبيرة عند منتصف النهار. ولكن المشيعين، الذين عزمواعلى إيجاد طرق للوصول، دعوا الأصدقاء إلى الموقع وسلكوا الطرق الجانبية الالتفافية لتجنب نقاط التفتيش. وكان السائقون يُومِؤون إلى بعضهم البعض  بأبواق سياراتهم : زموران بطيئين، يتلوهما زموران سريعان، محاكاة للكلمات: " يسقط حمد". 
وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل الشرطة، وصل الآلاف إلى التشييع. يمشون خلف النعش المغطى بالعلم ويرفعون صورًا لحسين ويهتفون، "حمد أنت المسؤول" و" أنا الشهيد التالي".

أثناء الدفن، مضى مئات المتظاهرين قدما نحو دوار اللؤلؤة، للقيام بمقاومة رمزية متكررة  تهدف إلى إحياء الانتفاضة. ولكن قوات الأمن أشبعت الهواء بالغازات.

في اليوم التالي، تجلس أم حسين في الطابق السفلي من المسجد في قرية الديه لاستقبال المعزين. تلبس العباءة السوداء والبرقع.  وتحمل شهادة وفاة حسين وجواز سفره. وتسأل: "كيف للعالم أن يسمح بحدوث ذلك؟"، "لم يكن لدى حسين سلاح كان يحمل العلم فحسب. قد خرج للمطالبة بحقوقه وعاد ميتا. إنها حكومة فاشلة".

زهراء، الأخت الصغرى لحسين والبالغة من العمر ثماني سنوات، تلتف حول والدتها، وتكرر بأسلوب مرح أغنية: "حسين في الجنة".
20 شباط/فبراير 2013 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus