لماذا نجت الممالك العربية؟

2013-03-12 - 6:30 ص


دانيال واغنر، جورجيو كافييرو: هاف بوست ورلد
ترجمة: مرآ ة البحرين

حتى اليوم، الرؤساء هم فقط من سقط خلال الصحوة العربية – لم يسقط أي ملك عن عرشه. الملكيات العربية، بالتأكيد، ليست مُحصنّة ضد الضغوطات التي أسقطت بعض نظرائهم الجمهوريين، والسؤال المطروح لماذا نجا جميعهم حتى الآن؟ هناك معتقد شائع بأن الملوك في العالم العربي هم أكثر شرعية من الرؤساء بسبب زعمهم بأنهم أحفاد مباشرون للنبي محمد، وبالتالي فإن بعض المسلمين هم أكثر قبولًا للملوك منهم للرؤساء، وإن العديد من المواطنيين العرب المحكومين من قبل الملوك مرتبطين عاطفيًا مع حكامهم ومعجبين بهم بعمق، على الرغم من أن الحريات الأساسية مقيدة في جميع الممالك العربية. قبل عام من بدء الصحوة، صنفت فريدوم هاوس مملكةً واحدة (المملكة العربية السعودية) واثنتين من الجمهوريات (ليبيا وسوريا)، كأكثر ثلاث دول عربية قمعًا. في حين جاءت مملكة (الكويت) وجمهورية (لبنان) كالأكثر حرية (من فئة "حرة جزئيًا")، في حين أن خمس ملكيات (البحرين والأردن وعمان وقطر والإمارات العربية المتحدة) وأربع جمهوريات (الجزائر ومصر والعراق واليمن) صنفت بأنها "غير حرة".

ولاحظ تقرير فريدوم هاوس لعام 2013 ، أن خلال العام 2012، تحسنت الحرية السياسية والحريات المدنية فقط في ثلاث دول عربية – مصر وليبيا وتونس – وكلها جمهوريات. وفي الوقت نفسه، انخفض مستوى الحرية في أربع ممالك (الأردن والكويت وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة) وثلاث جمهوريات (العراق ولبنان وسوريا). هذه التصنيفات لا تشير إلى أن الملكيات هي أقل استبدادية من الجمهوريات في العالم العربي، ولكن يبدو أنها تشير إلى أن التطلعات المتزايدة نحو الحرية في المنطقة قد لاقت مزيدًا من القمع بشكلٍ عام. ويطرح بعض المحللين أن الخليجيين بطبيعتهم قبليون وغير سياسيين، ويفتقرون للاهتمام الفطري في تحدي سلطة حكامهم. لكنه، وعلى مدى العامين الماضيين ، تُرجمت المعارضة السياسية إلى تعبئة جماهيرية في البحرين والكويت وعمان والمملكة العربية السعودية. وقد غابت المظاهرات الكبيرة المناهضة للحكومة فقط في اثنتين من الدول العربية خلال العامين الماضيين --- وهما قطر والإمارات العربية المتحدة. ونظرًا إلى التعبئة الجماهيرية والمعارضة السياسية الصاخبة التي حدثت في الدول الأربع الأخرى لمجلس التعاون الخليجي، لا يوجد أي سبب لاستنتاج أن هذين البلدين لم يشهدا أي انتفاضة بسبب طبيعة الملكية العربية، أوالثقافة السياسية في المنطقة.

ويُفسِّر دخل الفرد المرتفع من الناتج المحلي الإجمالي في الإمارتين (الأعلى في العالم العربي كله) غياب أي تعبئة جماهيرية كبيرة لأصوات المعارضة خلال العامين الماضيين. فقدرة الدوحة وأبو ظبي على توزيع الثروة النفطية بشكل فعّال بين مواطنيها كان سببًا ناجحًا في شراء الخضوع السياسي على مدى العامين الماضيين. وبالتأكيد يمكن قول الشيء نفسه فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية. وبصرف النظرعن ليبيا، لم نرّ سقوط أي دولة عربية تمتلك ثروة هيدروكربونية كبيرة خلال العامين الماضيين. ففي حالة ليبيا، رجّح تدخل حلف شمال الأطلسي الكفّة ضد القذافي. وإلا فالقذافي كان سينجو لولا ذلك. أما بالنسبة للأردن والمغرب، فنعزو صمودهما إلى إدخال الإصلاحات السياسية في وقت مبكر من العملية. وفي حين أن معظم

المراقبين يتفقون على أن هذه الإصلاحات لم تأخذ إلا القليل، أو ربما لا شيء، من سلطات الأنظمة، فإن تنفيذها خلق تصوّرًا في كلا البلدين أنه كان من الأفضل تحقيق الإصلاح من خلال العمل داخل المنظومة. وكانت مليارات الدولارات التي قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي كمساعدات إلى المملكة الهاشمية أيضًا قد أحدثت فرقًا من حيث إعطاء مساحة أكبر للملك عبد الله للمناورة.

ومع ذلك، فإن الأحداث التي جرت في الأشهر الثلاثة الأخيرة في الأردن وفرّت سببًا كافيًا للاعتقاد بأن الملك عبد الله قد يكون العاهل العربي الأول الذي يخسرعرشه نتيجة الصحوة. فالحجم غير المسبوق للاحتجاجات المناهضة للنظام، والدعوات المباشرة لاستقالة الملك، تشير إلى أن المعارضة السياسية في المملكة الأردنية قد تكون أكبر من قدرة عبدالله على السيطرة عليها. الزمن فقط يستطيع تأكيد ذلك، ولكن في الواقع يبدو أن حكم الملك في خطر. وعلى الرغم من أن عددًا أقل بكثير من 20 في المئة من المصريين أو التونسيين الذين حملوا مظالمهم إلى الشوارع في كانون الثاني \ يناير 2011، قد أسقط رئيسيهما، في حين يحتفظ ملك البحرين بالسلطة بعد عامين – على الرغم من أن ما لا يقل عن 20 في المئة من سكان البحرين قد شاركوا في المظاهرات المناهضة للنظام. ولا يمكن لأحد القول بأن بقاء النظام البحريني يُعزى إلى إحسان نظامه الملكي أو الإيمان الواسع النطاق في شرعيته. بدلًا من ذلك، تمّ استغلال الثروة النفطية في البحرين من أجل زيادة دعمها للأقلية السنية في البلاد، وفي الوقت نفسه استُخدمت قوات أمن سعودية وكويتة وإماراتية لقمع المظاهرات الشيعية. فلو كان "الرئيس" خليفة بدلًا من "الملك" خليفة، فمن المعقول أن نستنتج أن ملكية الموارد الهيدروكربونية في البحرين، وقربها الجغرافي وتحالفها السياسي مع المملكة العربية السعودية، كانت ستضمن نجاة النظام بنفس السهولة.

ونظرًا إلى أن الممالك العربية الست من الممالك الثمان مُنحت ثروة هائلة من الموارد الطبيعية ، فإن قدرتها على توزيع الرعاية الكريمة لمواطنيها بالتأكيد قد تركت أثرًا على تمتعها بطول العمر. ولكن مع وجود فئة الشباب، الذين تلقوا تعليمهم في الخارج، وارتبطوا مع بقية العالم عن طريق وسائل الإعلام الاجتماعي، يجب على الممالك الخليجية سن إصلاحات جريئة إذا ما كانت تريد النجاة. وعلاوة على ذلك، فإن الاحتياطيات النفطية في بعض الدول العربية تُستنزف بسرعة، مما يحد من قدرتها على "شراء ذمم" مواطنيها في المستقبل. الوقت، بالتأكيد، ليس في صالح أي نظام عربي يختار أن يتجاهل هذه المعضلات الطويلة الأمد. وبالإبقاء على المشاكل الداخلية بدلًا من الوصول إلى نقطة اللاعودة، تمكنت بعض الأنظمة العربية من احتواء غضب مواطنيها على نحوٍ فعال .إلا أن، البطالة بين الشباب وتكاليف المعيشة الباهظة يمكنها أن ترتفع جدًا قبل أن تضيع شرعية الملوك. فالأوضاع في ممالك عديدة تشير إلى أن نقطة التحول قد لا تكون بعيدة.

انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في المغرب -- الراجع جزئيًا إلى انخفاض السياحة والتحويلات المالية من الخارج – لا يبشر بالخير بالنسبة للرباط. فحقيقة أن 49 في المئة من الشباب المغربي عاطلون عن العمل وغير ملتحقين بالمدارس هو واقع مقلق لهذا البلد الأمي إلى حدًّ كبير. في تشرين الثاني \ نوفمبر الماضي، أعلنت الحكومة الأردنية انخفاض دعم الوقود، الذي لقي احتجاجات واسعة النطاق، وقد تحول العديد منها إلى عنف. وعلى الرغم من أن النظام السعودي قد زاد الإنفاق على البرامج الاجتماعية بعدة مئات من مليارات الدولارات، فإن حوالي 200 ألف من شبابها الذين درسوا في الخارج في العقد الأخير (معظمهم في الولايات المتحدة)، يعتقد القليلون منهم بأنهم سوف يعثرون على وظائف لدى عودتهم إلى المملكة. العديد من المحللين يؤكدون أن الاضطرابات بين الأقلية الشيعية في شرق المملكة العربية السعودية هي مجرد قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار، وبالتأكيد هي واحدة من الآثار الجيوسياسية الهائلة، نظرًا إلى نسبة الاحتياطي النفطي السعودي الموجود في شرق المملكة. السياسات الخارجية لهذه الممالك الثلاث قد لعبت أيضًا دورًا فريدًا في تجربة الصحوة العربية. بعد خسارة فرنسا لحليفها التونسي، وخسارة الولايات المتحدة لحليفها المصري، عرف الملك المغربي محمد السادس بأنه سيواجه ضغوطًا أقل من الحكومات الغربية من أجل إحداث ديمقراطية أو تحسين حقوق الإنسان. وقد استفاد العاهل الأردني الملك عبد الله أيضًا من تحالفات مملكته وقربها من الصراعات الخارجية. تم إضعاف بعض النشطاء المؤيدين للديمقراطية في الأردن ، ولكن الكثير من الأردنيين لا يزالون موالين للنظام، وذلك بسبب قدرة النظام على حماية

الأردنيين من الاضطرابات الموجودة على الحدود. كما يلعب الأردن دورًا أساسيًا في المحور الأمريكي/ الإسرائيلي/ السعودي ، فالملك عبد الله يعوِّل بالتأكيد على الغرب والممالك الخليجية لمساعدته على نجاة نظامه.

وبالمثل، فإن المملكة العربية السعودية تحاول احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة، وقد ساهم نهجها في السياسة الخارجية أيضًا في طول عمر النظام الملكي. ومع ربط الاحتجاجات الشيعية في القطيف (في المنطقة الشرقية للمملكة) بطموحات الهيمنة الإيرانية، استخدم النظام الملكي بفعالية التنافس العربي الفارسي القديم لتقويض مطالب الشيعة السعوديين من أجل المساواة في ظل القانون. وعلاوةً على ذلك، المملكة العربية السعودية توازن بعناية الولاءات بين الولايات المتحدة والصين، وذلك للحفاظ على الخيارات مفتوحة لمناورة مستقبلية. واستشرافًا للمستقبل، فإن أفقًا قاتمًا يبدو مبرَّرًا. البلدان التي فقد حكامها أو أنهم في طور فقدان السلطة، شهدت القبلية المسلحة، والصراع الطائفي، والظروف الاقتصادية المتدهورة، وبروز الإسلاميين الذين هم، في أحسن الأحوال، مشكوكٌ بالتزاماهم بالديمقراطية. وفي البلدان العربية، التي نجت أنظمتها من الصحوة، ساءت أوضاع حقوق الإنسان. ففي المغرب، حيث أن "الإصلاحات الديمقراطية" للملك أكسبته الكثير من المداهنة للحكومات الغربية، هناك ارتفاعٌ في حالات التعذيب الواردة وثقته الأمم المتحدة.

ونتوقع، على المدى القريب، أن هناك احتمال 50 في المئة أن تبلغ الصحوة العربية فرصة الإفلات من السيطرة، تتميز بمزيج من فجوة آخذة في الاتساع بين توقعات المواطنين وقدرة الحكومات على تقديم الاحتياجات المجتمعية الأساسية، وظروف التدهور الاقتصادي، وارتفاع التوتر الاجتماعي، وزيادة العنف السياسي، والاضطراب الإقليمي المدفوع بالآثار غير المباشرة للتمرد السوري، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وإمكانية نشوب حرب بين إسرائيل/ الولايات المتحدة وإيران والتي تلوح في الأفق. إذا فشلت الملكيات في المنطقة في معالجة ارتفاع معدلات البطالة وزيادة تكاليف المعيشة، فهناك كل ما يدعو إلى توقع الوصول إلى نقطة التحول. ومتى حدث ذلك، فإن كل الرهانات ستكون بعيدة عن استمرار الملكيات العربية. * دانيال واغنر هو الرئيس التنفيذي لكانتري ريسك سوليوشن ، وهي شركة لإدارة المخاطر العابرة للحدود ومقرها في ولاية كونيتيكت، ومؤلف كتاب "مخاطر البلد الإدارية". جورجيو كافييرو هو محلل بحوث في سي آر إس ومقرها واشنطن.

4 شباط \ فبراير 2013


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus