رمال البحرين المتحركة

2013-03-19 - 7:05 ص


سارة تشايز، مطر مطر: كارنغي إنداومنت
ترجمة: مرآة البحرين

أدلة التعذيب الواسعة النطاق واعتقال المعارضين أو أنصارهم المفترضين (بما في ذلك الأطباء)، ومدد السجن  الطويلة التي تصدرها المحاكم العسكرية... لدرجة أن الصراع الدائر في البحرين لم يجذب الاهتمام الدولي على الإطلاق، إنها التجليات الملموسة لتحركات الحكومة في فرض النظام، وفي تغليب ردات الفعل العنيفة الظاهرة للعيان. ولكن البحرينيين الذين تدفقوا إلى الشوارع بمئات الألوف خلال الصحوة العربية قبل عامين كانوا ملتهبين بأنواع المظالم المختلفة. فالظلم الاقتصادي الحاد، أو الفساد الحكومي المستفحل، الذي كان سببا للانتفاضات في مختلف أنحاء المنطقة، لم يكن يقل أهمية في البحرين. ليس من الحكمة إغفال هذه المسألة اليوم. لن يكون هناك حل للأزمة الحالية بين الأسرة الحاكمة في البحرين، والجماعات السنية المتشددة، والأغلبية الشيعية اذا لم تعالج تشوهات الاقتصاد السياسي في الدولة الجزيرة.

"عندما دخلنا البرلمان في كانون الأول/ديسمبر 2002 "، يقول عبد النبي سلمان، الذي انتخب في خريف ذلك العام في انتخابات البحرين الأولى على الصعيد الوطني منذ ثلاثين عاما، "الشيء الأول الذي كان علينا معالجته هو الفساد. وهذا ما كان يؤكد مدى أهمية هذه القضية. واليوم، ولتكون الانتخابات مقبولة، فإنه على كل مرشح منفرد لمنصب عام، وحتى الموالين للنظام، العمل على برنامج مكافحة الفساد. 

الاستياء من السيطرة على الموارد الوطنية عبر شبكات مرتبطة بالأسر الحاكمة غذى احتجاجات عام 2011 في جميع أنحاء العالم العربي. الظاهرة كانت متناسقة بشكل ملحوظ في البلدان المختلفة، وعلى الرغم من أن هيكلية الشبكات الفاسدة، والمؤسسات التي يسخرونها، والموارد التي يشاركون فيها تختلف من بلد إلى آخر. الا أن العنصر الأساسي في البحرين كان -- ولا يزال--  الأرض.

ولا عجب. أنها قليلة جدا. الدولة الجزيرة الصغيرة التي تبلغ مساحتها حوالي 766 كيلومترًا مربعًا (الأرقام تختلف)، أقل من ربع مساحة ولاية رود آيلاند. وعدد سكانها الذين يقدرون بنحو 1.3 مليون نسمة، يتجاوزون عدد سكان رود آيلاند بنسبة الثلث تقريبا (انظر الشكل 1).

ارتفع عدد السكان في الآونة الأخيرة إلى أكثر من الضعف منذ عام 2000، ويرجع ذلك إلى استيراد "العمال الضيوف" من جنوب آسيا خلال سنوات الطفرة الاقتصادية، وتجنيس الأجانب السنة ما يعتبره البعض محأولة لتغيير التوازن الديموغرافي للحد من هيمنة الشيعة (انظر الشكل 2 و 3).
 
ويقتصر هذا الانفجار السكاني على أقل من نصف مقدار الأرض، لأن الممتلكات الواسعة التابعة للعائلة الحاكمة والمنشآت العسكرية المحلية والدولية هي خارج متناول البحرينيين العاديين (انظر الشكل 4). والنتيجة هي الاكتظاظ الحاد ونقص المساكن.
 
وفي استطلاع أجرته مؤسسة غالوب عام2011، فإن 41 في المئة من البحرينيين قالوا إنهم كانوا يفتقرون إلى المال لتوفير المأوى الملائم لأسرهم على مدى الاثني عشر شهرا الماضية، على العكس من المستطلعين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة المكتظتين فإنها شكلت فقط 14 في المئة. وتضطر الأسر الممتدة في البحرين إلى السكن في شقة واحدة –  ثلاثة أو أربعة اخوة وزوجاتهم وأطفالهم يسكنون مع الأجداد، غرفة واحدة لكل عائلة – في حين ينتظر مقدمو طلبات الإسكان لسنوات أو عقود لتتم معالجة طلباتهم. وكان البحرينيون مذعورين لاكتشاف في عام 2010، عن طريق صور غوغل إيرث التي تم تعميمها على وسائل الإعلام الاجتماعي (والتي منعت بسرعة)، التناقض بين أحيائهم القاحلة والمزدحمة وبين المساحات الخضراء المجاورة التابعة للعائلة المالكة.

وفي هذا السياق فان مؤشرات الفساد الفاضحة فيما يخص الأراضي العامة قد أغضب البحرينيين كثيرًا في السنوات التي سبقت احتجاجات عام 2011. وكان هناك تقريران، أحدهما من إنتاج خبير اقتصادي معارض في عام 2006 والآخر من انتاج البرلمان في عام 2010، حاولا فهم السجلات الغائبة كثيرًا والمتضاربة في الوصول إلى تقدير كمي لمساحة الأراضي العامة التي تم نقلها، وغالبا عن طريق الأسرة المالكة، إلى المستثمرين الخاصين من ذوي العلاقات الجيدة. ولكن رفضت الحكومة البحرينية النتائج، ورفضت النظر في التقرير الصادر عن البرلمان وذلك لأن لجنة التحقيق استغرقت أكثر من أربعة أشهر المخصصة لاستكمال أبحاثها.

حسابات عام 2010  تعقبت 65 كيلومترًا مربعًا من الأراضي التي تم نقلها إلى الملكية الخاصة؛  وحدد المحققون في البرلمان 100 كيلومتر مربع إضافية لأن السجلات الكاملة كانت غير متوفرة. والمجموع يصل تقريبا إلى ربع مساحة اليابسة في البحرين. وبشكل قياسي، قامت لجنة تسجيل الأراضي، التي تم تعيين مديرها من قبل الملك، بإعادة تسجيل الأراضي العامة وحتى الخاصة باسم أعضاء الأسرة الخليفية، ومصادرة أراضي المزارعين وفي كثير من الأحيان تغيير تصنيفها من أجل استخدامها في مجالات التنمية. المتلقون من العائلة الحاكمة بعد ذلك يحولون تلك المساحات بصكوك إلى المطورين بسعر رمزي مقابل حصة في فندق مصمم أو مجمع مكاتب أنيق.

وفي نزعة مختلفة، تم تفصليها في تقرير عام 2006، جرفت الرمال من قاع البحر وأضيفت إلى الساحل على نفقة الدولة، مما زاد مساحة البحرين الإجمالية إلى أكثر من 12 في المئة خلال الأربعين عاما. وخصخصت الغالبية العظمى من الأراضي الإضافية، بينما المجتمعات التي تعيش على صيد الاسماك تدمرت مع انخفاض الوصول إلى الساحل والتدهور البيئي. وقد تم تقدير قيمة عمليات استصلاح الأراضي وعمليات النقل في التقريرين إلى إجمالي يتراوح بين 40 و 60 مليار دولار -- أربعة إلى ستة أضعاف عائدات الحكومة البحرينية السنوية من النفط والضرائب، ومن المتوقع أن تبلغ 9.8 مليار دولار عام 2013.  المستفيد الأكبر لهذه المخططات ليس سوى رئيس الوزراء، عم الملك، خليفة بن سلمان آل خليفة، والذي أصبح يعرف باسم "السيد 50 في المئة " لحصته في الشركات التي يعتقد بأنه يحصل عليها بشكل روتيني مقابل الأراضي العامة التي يزودها.

وهناك أنواع أخرى من الفساد الرفيع المستوى في البحرين يتبع هذا النموذج. وكالة مماثلة للجنة تسجيل الأراضي وهي مجلس المناقصات، الذي يمنح عقود الأشغال العامة. رئيسها السابق، عبد الحسين علي ميرزا، كان مؤتمنا  لتحسين شفافية العملية، ولكن زعماء المعارضة يقولون إنه لم يقدر على رفض جميع طلبات رئيس الوزراء باسم المقربين، وحتى في عهده تم منح الكثير من المناقصات بشكل غير مناسب. على أي حال، ترك ميرزا هذا المنصب، ربما في عام 2008، وحل مكانه شخص أقل اهتماما بالشفافية. ويعتقد أن العائلة المالكة تعمل على تمويه حصتها في الشركات التي تفوز بالعقود عبر العمل من خلال الوسطاء المخلصين. وقد تم انتقاد صندوق التقاعد الوطني، الذي يسهم فيه جميع المواطنين، لقيامه باستثمارات غير مبررة في بنوك وشركات ذات صلة جيدة بآل خليفة، أو شطب القروض أو نقل الأصول إلى المقربين من آل خليفة دون تعويض -- وجميعها وقعت عليها شركات التدقيق الدولية المذعنة. وحوالي ثلث عائدات النفط في البحرين تعود مباشرة إلى العائلة الحاكمة؛ والرقابة المستقلة عن البقية غائبة.

ولتغذية القلق الشعبي، تزدهر إدارة الموارد العامة هذه في بيئة مالية مضطربة على نحو متزايد واستثنائي بين حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، فإن المنامة تعاني من عجز متزايد في الميزانية.

المستفيدون من السخاء هذا يشكلون نخبة صغيرة، متجانسة، مرتبطة بعائلة آل خليفة بأواصر الدم، والتوجه الديني، والمصلحة الذاتية. أكثر من نصف المناصب الوزارية في البحرين يتولاها أعضاء في العائلة الحاكمة. والتحدي لأعضاء هذه الزمرة هو فهم أن بقاءهم النهائي يعتمد على ضرورة التنازل عن سيطرتهم الاحتكارية للأصول الوطنية.

أما بالنسبة لغالبية السكان، فإن الضغوط الاقتصادية والديموغرافية بسبب الأزمة المالية الدولية وتدفقات العقد الماضي تتفاقم عبر العلامات الواضحة للسيطرة غير العادلة وغير المكتسبة للثروة المحدودة في البحرين من قبل النخبة الحاكمة والإقصاء التمييزي في العمل والحياة العامة. تصورات الظلم، فضلا عن المصاعب الاقتصادية، شيء هام. لسنوات، سعى أعضاء المعارضة البحرينيين إلى زيادة التمثيل السياسي كجزء من استراتيجية كسب بعض الرقابة على مخصصات الموارد الوطنية. ولكن إذا وصلت تلك الاستراتيجية إلى طريق مسدود--- كما يبدو الآن— فإن العديد من الغالبية المحرومة في البلاد لن تشهد أي بديل سوى الدفع بأجندة أكثر راديكالية.

13 شباط/فبراير 2013 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus