اللغويون الماكرون: التحايل الخطابي لوزارة الداخلية

2013-03-21 - 8:30 ص


مارك أوين جونز: مدونة مارك أوين جونز
ترجمة: مرآة البحرين

قراء البيانات الصحفية لوزارة الداخلية باتوا يتوقعون بعضًا من اللامبالاة المعزولة. وما يعوزونه من الشفقة بالتأكيد يعوضونه بالحماسة الحاقدة. في الواقع، نشراتهم الصحفية أكثر رقيًا من ما تنشره وكالة أنباء البحرين من غثاء مترجم عن غوغل، ولمن يتذكر عبارة "الأبواق العدائية" سيعرف. (وإذا كنتم لا تصدقونني، فقط أدخلوا "الأبواق العدائية " إلى غوغل ، وهي حصرية على وكالة أنباء البحرين...). البيانات الصحفية لوزارة الداخلية اليوم لم تكن استثناءً، وكما جرت العادة،  أوردوا وفاة حسين الجزيري – 16 عام--  بأسلوبهم المعتاد والخالي من التعاطف.

بعد مشاهدة العشرات من التصريحات المماثلة لوزارة الداخلية على مدى سنوات، من المثير للاهتمام أن نلاحظ الأدوات الخطابية في بياناتهم و / أو تغريداتهم. في الواقع، لديهم صيغة خاصة حيث يقومون بالأمور التالية:

     1) تشويه سمعة الضحايا أو من له ارتباط بهم. على سبيل المثال،  القول بأنهم كانوا يشاركون في الأنشطة الشائنة أو يقومون بأفعال غير قانونية / استخدام الأسلحة.

     2) التخلي عن أية مسؤولية بالإشارة إلى أن الشرطة تصرفت دفاعًا عن النفس.

     3) استخدام العبارات التي يُستنتج منها عدم وجود الوسيلة عندما يكون الأمر متعلقا بالقتل. على سبيل المثال،  بدلا من القول قُتل الضحية، تقول مات. وبالمثل، تفصل بين الحادث ووفاة الضحية.

     4) شرعنة ردة فعل الشرطة عن طريق ذكر التزامهم بالبروتوكول أو قيامهم بواجبهم.

ألقي نظرة على هذا المقتطف من بيان وزارة الداخلية اليوم بشأن وفاة حسين الجزيري. وقد قمت بتضمين الأرقام المستخدمة أعلاه لأسجل الأدوات الخطابية المستخدمة من قبل وزارة الداخلية في محاولة لها لإلغاء مسؤوليتها.

المجموعة الأكثر عنفا (1) تجمهرت حوالي الساعة 8:00 في قرية الديه حيث اجتمع 300 مشاغب لمهاجمة الشرطة (1) المنتشرة في المنطقة، حاملين الحجارة، وقضبان الصلب والزجاجات الحارقة (1). تم إطلاق طلقات تحذيرية (4) ولكنها فشلت في تفريق الحشد المتقدم الذي استمر في هجومه (1). عناصر الشرطة أطلقوا الشوزن للدفاع عن أنفسهم (2)  فأصيب واحد من مثيري الشغب على الأقل (3) في هذه العملية. وبعد فترة قصيرة، يتم الإعلان عن وفاة شاب (3) في مجمع السلمانية الطبي.

وفي حادث مماثل في تشرين الأول/أكتوبر 2012، عندما أطلق شرطي النار وقتل حسام الحداد -16 عام--، أصدرت وزارة الداخلية البيان التالي:

"صرح مدير عام مديرية شرطة محافظة المحرق بأن إحدى الدوريات الأمنية الثابتة التي كانت تقوم بواجبها في تأمين (4) شارع الخليفة والمكتظ بالمارة بوسط مدينة المحرق تعرضت لهجوم إرهابي (1) بعدد كبير من القنابل الحارقة (المولوتوف) (1) في تمام الساعة 9:30 مساء أمس  مستهدفين حياة أفراد الدورية والمواطنين والمقيمين الموجودين في الموقع ما أدى إلى إصابة الدورية وترويع المواطنين والمقيمين وإصابتهم بالهلع  وإلحاق الأضرار ببعض الممتلكات العامة والخاصة  (2) وقد تعاملت الشرطة وفقا للصلاحيات القانونية المقررة في مثل هذه الحالات دفاعا عن أنفسهم والمواطنين (2 و 4)،  حيث أصيب أحد الأشخاص (3) المشاركين في هذا العمل الإرهابي (1) نقل على إثره إلى المستشفى حيث توفي لاحقا". 

مؤكدا أن هذا العمل هو عمل إرهابي في صورة شروع بالقتل (1 و 2) حيث استهدف إزهاق أرواح حياة أفراد الدورية وعرض حياة المواطنين والمقيمين للخطر. 

وأشار مدير عام مديرية شرطة محافظة المحرق إلى أنه تم إخطار النيابة العامة بالواقعة. 

وبشكل مأساوي،  قتل شرطي اليوم (14 شباط/فبراير 2013). ومن المثير للاهتمام، أن ذلك يوضح كيف أن وزارة الداخلية تضع المتوفين في إطار ما سمته – في الماضي-  " شهداء الواجب". بيان وفاة الشرطي محمد آصف كان كما يلي:

وفاة شرطي في هجوم غير مبرر

أعلن رئيس الأمن العام اللواء طارق حسن الحسن وفاة الشرطي محمد آصف يوم الخميس عند الساعة 10:50 مساءً. وقال الرئيس بأن مثيري الشغب استهدفوا محمد آصف في السهلة حيث أطلقوا  قذيفة أصابته بجروح قاتلة (1). وقد توفي وهو في طريقه إلى المستشفى. وذكر الرئيس أنه عندما كان آصف ورجال شرطة  آخرون يعملون على تأمين الطرق والحفاظ على النظام في السهلة، هاجمتهم مجموعة من مثيري الشغب  بقنابل المولوتوف والقذائف، وقضبان الصلب والحجارة (1). وقال الرئيس بعد إصابة آصف، بأن تحقيقًا بدأ على الفور لإيجاد واعتقال المسؤولين عنه. وعندما يتم القبض عليهم ستتم إحالتهم إلى النيابة العامة.

خلافا لتقرير وفاة حسين الجزيري، الذي يعبر ضمنا عن ذنبه، والذي يقول بأن حسين كان يشارك في يوم الاحتجاج  الأكثر عنفًا (حقيقة وصف الاحتجاج " بالأكثر" عنفًا يشير أيضا إلى أن الشرطة كانت في ذلك الوقت أكثر إكراهًا، وذلك لإضفاء المزيد من الشرعية على ردها القاسي)، التقرير حول محمد آصف يزعم أن الهجوم كان غير مبرر. عندما يُقتل المحتجون على أيدي الشرطة فذلك يكون حتما باسم "الدفاع عن النفس"، وعندما تقتل الشرطة على أيدي المتظاهرين فذلك يكون مبررًا. ويقول التقرير أيضا أنه تم فتح تحقيق للعثور على أولئك "المسؤولين" عنه. ولكن عندما يموت المتظاهرون على أيدي الشرطة أحيانًا يكون هناك تحقيق، على الرغم من أنه نادرًا ما يُذكر بأن الغرض من ذلك هو معرفة من هو "المسؤول". فالأرجح ان المتظاهرين أنفسهم هم المسؤولون عن مقتل أنفسهم. على أي حال، هم يشاركون في أعمال شغب مثيرة للشغب؟

في الوقت الذي لم يكن مفاجئًا استخدام وزارة الداخلية لهذه الأدوات الخطابية لشيطنة المتظاهرين والتنصل من المسؤولية، فإنه من المقلق أن هذه التصريحات ربما تكون أساس حجة الشرطة في الدفاع لو انتهى بهم المطاف في المحكمة. هذا أمر مقلق وخصوصا عندما تُمنع وسائل الإعلام من أن تكون شاهدة على مثل هذه الحوادث. وبالفعل، اعتقل الصحفي مازن مهدي وعدد من الصحفيين الآخرين (اليوم) بسبب تغطية الاحتجاجات (على الرغم من أنهم لم يعطوا سببًا حقيقيًا لاعتقالهم). وبإبعاد الشهود عن مسرح هذه الحوادث تتمكن وزارة الداخلية من استغلال الفراغ المعلوماتي، بحيث ينعدم ما يعارض شهاداتهم. وهذا ينطبق بشكل خاص على محكمة تديرها سلطة قضائية غير مستقلة يهيمن عليها أعضاء الأسرة الحاكمة، الذين يديرون وزارة الداخلية أيضًا.

وبالإضافة إلى استخدام الخطاب الذي يشوه صورة المحتجين، وزارة الداخلية كثيرا ما تستخدم عبارة "صار شهيدا" عند الإشارة إلى ضحايا الشرطة. وهذا ما لا يفعلونه مع المدنيين، مما يوحي إلى أنهم يحاولون تخصيص فئة "الضحية المشروعة". ومن خلال ذلك يشيرون أيضا إلى أن ضحايا عنف الشرطة من المدنيين ليسوا جديرين بكلمة شهيد، الكلمة التي تعني أن الشخص المعني لم يكن على وشك ارتكاب خطيئة. تكريم الشرطة الذين يموتون عند تأدية الواجب، والذم اللاحق بالمدنيين الذين يموتون على أيدي الشرطة يشير إلى افتراض غريزي بأن سلوك الشرطة، مهما كان حقيرًا — له ما يبرره. ويتجلى ذلك في حقيقة الحكم فقط على أربعة رجال شرطة  لقتلهم مدنيين منذ عام 2011، وكانت بتهمة القتل غير العمد. منهج حفظ النظام هذا ينزع إلى "التقليل من أهمية دور عناصر الشرطة كمقدمي خدمة للمواطنين والمجتمعات بدلا من ذلك تتعامل معهم كجنود بديلين يتبعون الأوامر من رؤسائهم."( جسكا، وولفسن، 2012).

وبالإضافة إلى ذلك، فإن التشدد المتزايد لعدد كبير من الشباب مقرونًا بعسكرة الشرطة في البحرين ببساطة يفاقم العداء بين المواطن والدولة. فشل مؤسسات الدولة بتطبيق العدالة على الشرطة والمسؤولين سوف يعني ببساطة السعي وراء السبل البديلة لتحقيق العدالة. في الواقع، الاقتصاص خارج القانون هو حصيلة الاستقامة المتصورة في تنفيذ العدالة، والشبان الذين يلقون الزجاجات الحارقة سيشعرون فقط بأن أعمالهم مبررة فهل ستستمر الدولة في حرمانهم من رؤية العدالة تأخذ مجراها في المحاكم. فالدولة العادلة تعمل على عزل أولئك الذين يستخدمون أساليب أكثر راديكالية لإثبات أن المجتمع المدني، وليس الشارع، هو المكان لحل مظالم الناس.


14 شباط/فبراير 2013 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus