الولايات المتحدة صامتة: لماذا يدمرون هذه المساجد؟

2011-05-12 - 6:51 م

روي غوتمان ـ صحيفة ماكلاتشي
ترجمة: مرآة البحرين


في قرية عالي البحرينية القديمة، حيث بعض المقابر التي يعود تاريخها الى ألفي عام قبل الميلاد، ظل مسجد الأمير محمد البربغي صامدا لأكثر من 400 عاما، وهو أحد المساجد الشيعية الجميلة في هذه الجزيرة الصغيرة الواقعة في الخليج الفارسي. اليوم، لم يبقى سوى آثار الجرافات.

 وفي النويدرات حيث بدأت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في 14 شباط/ فبراير، كان مسجد مؤمن لفترة طويلة هو المركز الذي يتجمع فيه سكان القرية الشيعية. وتوضح الصور أنه كان مبنى مربع الشكل جميل جدا طليت جدرانه بشكل دقيق، يحوي مدخله الرئيسي رواقاً قصيراً ذو لون رمادي داكن. اليوم، لم يتبقى منه سوى الرواق.

يقول أحد سكان القرية البالغ من العمر 52 عاماً والذي طلب أن يطلق عليه أبوهادي "عندما كنت طفلا، كنت أصلي في هذا المسجد مع جدي. كانت المنطقة المحيطة خضراء تماماً كما كانت آبار المياة العذبة منتشرة". ويصرخ أبوهادي "لماذا يدمرون هذا المسجد؟ يصلي فيه الناس منذ عقود".

في القرى الشيعية في هذه الجزيرة البالغ عدد سكانها 1.2 مليون نسمة، قامت  الحكومة السنية بهدم عشرات المساجد في إطار حملتها للقضاء على المعارضين الشيعة، وهو اعتداء سافر على حقوق الإنسان.

 وقد عقدت السلطات محاكمات سرية تم خلالها إصدار أحكام بالإعدام على المتظاهرين كما اعتقلت معارضين سياسيين بارزين، وسجنت الممرضات والأطباء الذين عالجوا الجرحى من المتظاهرين، واستولت على نظام الرعاية الصحية الذي كان الشيعة يديرونه في المقام الأول، وأقالت 1000 موظف شيعي وألغت معاشاتهم التقاعدية، واعتقلت الطلاب والمدرسين الذين شاركوا في الاحتجاجات، واحتجزت الصحفيين وعذبتهم، كما أغلقت الصحيفة الوحيدة المعارضة للحكومة.

وعلى رغم ذلك، فلا شيء يمكن له أن يضرب في نسيج هذه الأمة، التي يفوق فيها عدد الشيعة السنة بما يقرب من 4 إلى 1 ، أكثر من تدمير أماكن العبادة الشيعية.

أكبر من الأعداد المعلنة

البحرين وراعيها المملكة العربية السعودية هما حليفان قديمان للولايات المتحدة، كما تستضيف البحرين مقر الاسطول الأميركي الخامس.

 بعض أعضاء المعارضة الشيعية وضعوا قائمة تضم 27 مسجداً ومركزاً دينياً  هدمتها السلطات أو تضررت جراء هذه الحملة، لكن الزيارة التي قامت بها صحيفة ماكلاتشي كشفت عن أن عدد المباني التي دمرت أكبر من ذلك بكثير.

يقول زعماء شيعة بأن عمليات الهدم تنفذ بشكل يومي، وتعمل فرق الهدم غالباً في جوف الليل، يرافقها رجال الشرطة والقوات العسكرية. في الكثير من الحالات، يزيل العمال الأنقاض، دون ترك أي أثر، قبل استيقاظ سكان المنطقة.

وفي تبريره لعلميات الهدم يقول وزير العدل والشؤون الإسلامية البحريني الشيخ خالد بن علي بن عبد الله آل خليفة بأن "جميع المساجد التي هدمت مبنية بشكل غير قانوني، في الآونة الأخيرة، ودون الحصول على ترخيص".

ويضيف الوزير "هذه ليست مساجد، هذه مبان غير قانونية".

لكن هذا الادعاء يمكن الطعن فيه بسهولة، ففي عالي، على سبيل المثال، يقول سكان القرية بأن الحكومة قامت قبل سنوات بإعادة تحويل طريق سريع كان مخططاً لإقامته وذلك للحفاظ على مسجد الأمير محمد البربغي.

ماكلاتشي زارت مواقع لثلاثة مساجد أخرى حيث أشارت صور قديمة للمساجد المهدمة إلى أن هذه المساجد كانت بحالة جيدة، وإنها شيدت منذ عقود.

في مسجد الشيخ عابد في قرية سترة، الذي كان مبنى آيلاً للسقوط يقول السكان إنه شيد منذ قرن من الزمان، تغطي سجادات الصلاة وبعض المتعلقات الدينية أرضية المسجد.

 في يوم الأربعاء، أخبرت وزارة الخارجية الأميركية صحيفة ماكلاتشي بأنها "قلقة بسبب تدمير المواقع الدينية". وأشار بيان الخارجية الأميركية إلى أن الحكومة البحرينية ملتزمة دولياً بالحفاظ على أماكن التراث الثقافي.

بعيدا عن الحديث العلني، يبدو المسئولون الأمريكيون أكثر حدة. أحدهم، وهو غير متواجد في البحرين، قال إن الحكومة بهدمها المساجد الشيعية ومعاقبتها للمعارضة السياسية، تعامل شعبها على أنهم "أسرى".

مسؤول اميركي آخر يزور المنطقة وصف القيادة السنية بأنها "انتقامية"، وأشار إلى أن حكومة أوباما تشعر بقلق بالغ إزاء دوامة الإنحدار السريع في البحرين. كلا المسؤولين طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب حساسية الموضوع.

التخلص من النمل الأبيض

لطالما اشتكى الشيعة من التحيز والتمييز هنا، على رغم تفوقهم في العدد في المملكة الخليفية، التي بقي الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، 75 عاما، رئيسا لوزرائها على مدى السنوات ال 40 الماضية، وهو رقم قياسي عالمي.

في منتصف آذار/ مارس، قامت الحكومة، بعد شهر من الاحتجاجات، بالتخلي عن خيار الحوار مع المعتدلين من الشيعة والسنة، وطلبت من المملكة العربية السعودية إرسال 1500 جنديا للمساعدة في إخماد الاضطرابات. فرضت الحكومة حالة الطوارئ وبدأت حملة ضد المعارضين. ومن بين إجراءات الحكومة الأولية بعد وصول القوات السعودية كان إزالة دوار اللؤلؤة، الذي اعتصم فيه المتظاهرون لأسابيع. كذلك قامت الحكومة بسحب عملة النصف الدينار التي كانت تصور الدوار.

الأكثر سوءاً هو الخطاب المحرض على الكراهية الذي يشبه ذلك الخطاب الذي سبق حملة الإبادة الجماعية في رواندا في عام 1994 والذي يسمح به الآن علناً. في عددها الصادر في يوم الأحد الماضي قامت صحيفة الغلف ديلي نيوز الناطقة باللغة الإنجليزية الموالية للحكومة بإبراز رسالة لقارئ قارن فيها الشيعة بالنمل الأبيض الذين ينبغي إبادتهم. 

الفكرة هي: "التخلص من النمل الأبيض حتى لا يعودوا ثانية" والرسالة موقعة بإسم سناء بي اس.
 
تلفزيون البحرين قال بأن المذهب الشيعي يسمح لأتباعه بالكذب، وهو ما يعني أن ما يقولونه لا يمكن الوثوق به. وهددت الحملة أيضا بتحويل ما كان صراعاً داخلياً إلى آخر دولي.

إيران ذات القيادة الشيعية، التي تقع في منطقة الخليج، تتنافس على تحقيق نفوذ في هذه الدولة ذات الأغلبية الشيعية وقد أدانت التدمير المنظم للثقافة الشيعية. كذلك أثارت الاضطرابات مشاعر العراق ذات الحكم الشيعي. لكن القنوات التلفزيونية العربية، بما في ذلك قناة الجزيرة، التي يملكها أمير دولة قطر، والعربية، التي تملكها السعودية، بقيت صامتة عن هذا التدمير المتعمد.

وفي لقاء أجري معه يوم الاثنين، استعرض الشيخ خالد، وزير العدل، جداول باللغة العربية، توضح أسباب التدمير كما استعرض قائمة مرفقة بصور توضح المساجد التي تم تدميرها. لكن الوزير لم يتمكن من تحديد صورة لمسجد مؤمن في قائمته الموجزة، التي تسرد كافة المباني بالأرقام وليس الاسم.

كذلك امتنع الوزير عن تقديم نسخة من القائمة أو الجدول إلى الصحيفة، مشيرا إلى أنها "مراسلات داخلية"، كما طلب عدم التقاط أي صورة له وهو يحمل القائمة.

وحين سئل عما إذا يمكن اعتبار هدم دور العبادة المبنية منذ زمن طويلة جريمة جنائية في البحرين، بدا الشيخ خالد متفاجئاً .

لكنه أضاف في وقت لاحق "إذا كان هناك خطأ ويمكن (لهم) إثباته، فسوف يتم إعادة بناء ما هدم في نفس المكان وبشكل أفضل بكثير".

وإذا كانت عمليات الهدم قانونية، فلماذا تتم بعد حلول الظلام، وفي الوقت الذي لا يمكن فيه تصوير هذه العمليات؟

ويرد الشيخ خالد "من الصعب جدا القيام بذلك في الصباح، إنه نوع من الاحترام لمشاعر الناس. إننا نحاول أن نقوم بهذا الأمر بطريقة لا تجرح الناس. على الأقل لن يشاهدوا عملية التدمير".

 ولأن القائمة التي قدمها لا تتضمن أسماء المساجد، بل أرقامها، لم يكن وزير العدل واثقاً ما إذا كانت بعض المباني الدينية التي زارتها الصحيفة مباني قديمة أو جديدة وفيما إذا كانت قانونية أم لا أو أنها مبنية على أراضي خاصة  أو عامة.

وقال بأن هناك 41 "إجراءا" ضد المباني الدينية في العاصمة البحرينية، المنامة، ولكن في كثير من الحالات، فإن المباني التي تم هدمها كانت مباني مؤقتة فقط. ولم يتمكن الوزير من الإشارة إلا إلى مبنيين سنيين تم هدمهما.

وكان الشيخ خالد نفسه قد صرح علناً في وقت سابق بأنه يوجد في البحرين حوالي 600 مبنى ديني، وإن 10 في المئة من هذه المباني قد هدم فقط. لكنه امتنع عن تأكيد هذا الرقم.

وعلى رغم أن كل الأجانب المقيمين ومعظم البحرينيين الذين اتصلت بهم ماكلاتشي بدوا غير متفائلين بمستقبل العلاقات بين الطائفتين في هذه الجزيرة التي كانت واعدة في يوما ما، إلا أن وزير العدل خالد لا يتفق معهم.

وأضاف "أعتقد اننا وصلنا لأقصى القاع الذي يمكن أن نصل إليه. قناعتي هي أن الأمور لن تزداد سوءا" لكنه بعد ذلك بيوم واحد ترأس مؤتمرا صحفيا أعلن فيه عن خطط لمحاكمة 47 طبيباً ومعالجاً.

 وفي رده على سؤال حول م إذا كانت المحاكمة سوف تذكر الكثيرين في الخارج بالمحاكمات الصورية كتلك التي أجراها الديكتاتور جوزيف ستالين، قال الشيخ خالد بهدوء "كانت هناك محاكمات لأطباء في نورمبرغ أيضاً"، وذلك في إشارة إلى محاكمة 21 طبيباً شاركوا في البرنامج النازي للقتل البطيئ للمرضى والمتخلفين عقلياً وللمعاقين جسديا أو في التجارب الطبية على المرضى دون إذن منهم.

8 مايو/ أيار 2011

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus