النخبة لن تتقاسم السلطة والثروة

2013-03-30 - 9:21 ص


مارك بيلاس: لي موند ديبلوماتيك
ترجمة: مرآة البحرين

سعت أسرة آل خليفة الحاكمة في البحرين إلى تقديم الأمل بالديمقراطية للشعب، لكنها فشلت مرارا وتكرارا في القيام بذلك، وكثفت ديكتاتوريتها، وأيقنت بأنها لن تلام على الصعيد الدولي.

وكانت أسرة آل خليفة الحاكمة في البحرين، ولمرتين في عقد واحد،  قد أعطت الدولة الجزيرة الصغيرة أملا ضئيلا في التغيير الديمقراطي، ولكن تلك الآمال تحطمت بالعودة إلى الاستبدادية. أكثر من 98 بالمئة من السكان صادقوا على ميثاق العمل الوطني في شباط/فبراير 2001، الذي يحدد شروط (بعضها قابل للتفاوض) إنشاء إطار ديمقراطي للنظام السياسي، والفصل بين السلطات وهيمنة السيادة الشعبية. وبدا أن الامير الجديد، الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، قد أنهى 25 سنة قاتمة من النفي السياسي والتعذيب والقمع.

الطريقة بدت واضحة في انتخاب برلمان ممثل بكامل الصلاحيات.  ولكن بعد مرور عام، سحق الأمير تلك الآمال بإعلان نفسه ملكا وفرض ( بطريقة غير دستورية) دستورًا جديدًا، والذي بموجبه لم يكن تقريبا للبرلمان أية صلاحيات ونصف أعضائه الـ 80 تم تعيينهم من قبل الملك.

وتدريجيا بدأ البحرينيون يواجهون ضوابط سياسية واجتماعية ومهنية، وإعلامية وإنترنتية أكثر من أي وقت مضى. المزيد والمزيد من الشعب لم يستحسن الحكومة، التي تبقي المعذبين المعروفين بلا عقاب؛ وتشجع على التمييز ضد الأغلبية الشيعية، وتُسرع في تجنيس الباكستانيين واليمنيين والأردنيين – الذين كلهم من السنة، مثل العائلة الحاكمة - والعديد منهم مجندون في الشرطة وجهاز المخابرات والجيش والقضاء الخانع.

المعارضة المنقسمة

مع مرور الوقت، وبعد الرفض المتعاقب للديمقراطية من قبل الحكومة التي معظم وزرائها من عائلة آل خليفة، تنامت معارضة بديلة أكثر راديكالية بأجندة جمهورية إلى جانب المعارضة "القانونية"، الذي يسمح لأنشطتها بأن تكون في إطار النظام الملكي الدستوري.

هذا الانقسام يضعف المعارضة من خلال إعطاء مساحة مناورة أكبر لعائلة آل خليفة والطائفة السنية، التي لا تزال تعتقد بأنها ستربح من خلال الامتياز الدفاعي والتمييز الطائفي أكثر من تبني الحل الوسط. ولكنه يسلط الضوء أيضا على الأقلية الصغيرة التي يمثلها النظام، فمنذ أن فازت المعارضة الرئيسية " القانونية"، الوفاق، بـ 64 بالمئة من الأصوات الشعبية في الانتخابات الأخيرة في تشرين الأول/أكتوبر 2010، على الرغم من تسجيل مواطنين مجنسين حديثا و سنة سعوديين  اكتشفوا جذورهم البحرينية. هذا الانتصار الساحق تمت ترجمته  فقط بـ 18 مقعد من أصل 40  بسبب التلاعب الطائفي، الذي تقول الوفاق بأنه يلزم مرشحيها الحصول على أصوات أكثر بستة أضعاف من ممثلي المناطق السنية الجنوبية.

في 14 شباط/فبراير2011، احتفلت الحركة المؤيدة للديمقراطية  بالذكرى العاشرة للميثاق الوطني من خلال الانضمام إلى الربيع العربي. الرد كان وحشيا: الشرطة والمرتزقة أطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين واستؤنف التعذيب. وفاة سبعة متظاهرين، زيادة في الشعارات الجمهورية، نقاط تجمع دائمة شكلها المتظاهرون في ميدان اللؤلؤة، وصحيفة نيويورك تايمز ألقت اللوم على كل من الظالمين والمظلومين. لقد وفرت تسلسلا زمنيا مفيدا للأحداث ووصف كيف تم تقنيع المعتقلين، وجلدهم وضربهم واغتصابهم (وتهديدهم بالاغتصاب)، وتعذيبهم بالكهرباء وإجبارهم على التوقيع على الاعترافات. وأدانت هدم 30 مسجدا شيعيا وجامعا، وحددت "على الأقل" خمس حالات وفاة نتيجة التعذيب. وخلصت أيضا انه لا يوجد أي دليل على التدخل الايراني.

بعد ان قدمت اللجنة نتائجها في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، تعهد الملك حمد متابعة توصياتها. وبعد ذلك بعام، وجد تقييمٌ لمركز البحرين لحقوق الإنسان ومشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط ( منظمة غير حكومية) أنه قد تم إكمال فقط ثلاثة من أصل 26.

وفي كانون الثاني/يناير، رفضت محكمة الاستئناف استئناف حكم سجن 13 متظاهر، بما في ذلك عبدالهادي الخواجة وإبراهيم شريف، الأمين العام السني لحزب وعد اليساري القانوني، والذي كان قد حُكم من قبل محاكم عسكرية  ما بين خمسة إلى 25 عاما بتهمة "الانتماء إلى الجماعات الإرهابية التي تهدف إلى إسقاط نظام الحكم.

الحوار دون تفاوض

بيانات صحفية أرسلت إلى وسائل الإعلام والسفارات الأجنبية من قبل الحكومة وممثليها زعمت أن النظام الحالي هو أقل شرا ولا يعارض التغيير، حتى وإن كان يتحرك ببطء. ولكن كل خيار مطروح على الأغلبية المعارضة  يبقي على الوضع الراهن القمعي : فعروض "حوار" لا يحصل فيها تفاوض؛ و "السلام"، يفهم على أنه يعني فرض حظر على جميع المظاهرات السلمية إلا في المناطق الشيعية الفقيرة، حتى لا " تشوه صورة البلاد في الخارج". و"الاستقرار"، الذي زُعم بأنه شرط أساسي لتحقيق التقدم، يبقى القناع الدائم الذي يختبئ خلفه الحكم المطلق.

النظام الملكي في البحرين قادر على تجاهل توصيات حقوق الانسان الـ 176 التي قدمتها الأمم المتحدة في جنيف في  أيلول/سبتمبر الماضي دون القلق من فرض مجلس الأمن لأي قرارات ملزمة. حكام البحرين يتمتعون بتساهل استثنائي بين الأعضاء الغربيين الثلاثة الدائمين في مجلس الأمن. فالمملكة المتحدة تشيد بجهود الملك لإضفاء الطابع الديمقراطي (فقد دعته إلى يوبيل الملكة)؛ وفرنسا تلتقيه سرا (فهو قد اشترى أغلى منزل خاص في باريس) وتبدو مترددة في وضع حد لسياسة التعاون التي تشمل "اللباقة الفرنسية" في الحفاظ على النظام العام. وفي عهد أوباما، تتناوب الإدارة الأمريكية بين الدعم لعملية التحول الديمقراطي والمساندة وبكل إخلاص للنظام الذي يستضيف مقر القيادة المركزية الأمريكية وهيئة الأركان العامة للأسطول الخامس. وزارة الخارجية، التي تصر على مشاركة المعارضة في "الحوار"، قد رحبت ايضا بإعلان مبادئ اللاعنف الذي وقعتها المنظمات الست الرئيسية السياسية والقانونية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

هذا الإعلان الذي ينبني على وثيقة المنامة، والذي اعتمد قبل عام، يرسم برنامجا سياسيا يقوم على المبادئ الديمقراطية في الميثاق الوطني لعام 2001. وهذا يفرض فصلا صارما بين السلطات، وينهي التفرفة الدينية، ويسعى لضمان سيادة القانون (بما في ذلك حق التظاهر، وحرية التعبير وحرية الصحافة)، وكذلك التوزيعات الانتخابية النزيهة التي من شأنها أن تنشئ حكومة وبرلمانًا واحدًا.

السلطات تصور الصراع على أنه صراع بين الشيعة والسنة، وهو تصور روجت له إلى حد كبير المملكة العربية السعودية والإمارات الخليجية. وفي البحرين، الشيخ عبد اللطيف المحمود، زعيم كتلة الوحدة الوطنية السنية، يعتبر أن الدعوات الديمقراطية هي مؤامرة شيعية تحمل "مقترحات هستيرية" تتجاوز المطالب المادية في الوصول إلى "الدستور، وتنظيم الدولة والمجالات السياسية الأخرى"، وأن الطموحات بمثابة انقلاب. ويعتقد أنه يمكن تقسيم الشيعة في البحرين إلى عدائيين "يريدون تدمير، أو على الأقل إضعاف أهل السنة من أجل اغتصاب مواطنيتهم"؛  ومجموعة مهمشة صغيرة من الانتهازيين الذين ينتظرون معرفة من سيفوز، والباقي 20 بالمئة "مواليين للملك". وهذا اعتاد أن يبرر إنشاء جمعيات المواطنين الذين "يخافون على ثرواتهم وشرفهم"، والذين تعبأوا لـ "نشر السلم الأهلي والتعاون وتجنب الفوضى".

فالسياسات المتشددة التي هي ردة فعل معظم الأسر الحاكمة في البحرين (والطبقات الغنية التي تدعمها) وصولا إلى نشر وتطرف المطالب من أجل الديمقراطية، يمكنها فقط أن تفاقم التوترات السياسية داخل دول الخليج.

في 3 آذار/مارس  وافق القصر و"ممثلي المجتمع المدني" على الحوار، الذي تريد المعارضة إخضاع  إجراءاته ونتائجه لضمانات دولية. وكان الأمير سلمان قد نشر "أجندة حوار" في 13  آذار/مارس، بما في ذلك برلمان منتخب بكامل الصلاحيات، وحكومة تمثل إرادة الشعب، ودوائر انتخابية عادلة، ومكافحة الفساد، وإجراء إصلاح كامل لسياسة التجنيس واستخدام اصول الدولة، والبحث عن سبل تخفيف التوترات الطائفية. ولكن القضية الحاسمة أبقت أمنية المعارضة بأن يؤدي الحوار إلى تعيين حكومة مؤقتة، وانتخاب جمعية تأسيسية ودستور ديمقراطي.

وعند هذه النقطة، التقى أمر المملكة العربية السعودية، التي وصلت الاضطرابات الديمقراطية إلى عتباتها، مع الرفض الصريح للنخبة السنية لأي تحد لموقعهم المهيمن.  وتم  فجأة إعلان حالة الطوارئ، وفي 14 آذار/مارس عُززت الشرطة والقوات العسكرية بأرتال طويلة من المركبات السعودية والإماراتية المدرعة و4 آلاف جندي،  ليكونوا قوات تدخل "درع الخليج" ضد  ما يسمى "مؤامرة إيرانية".

ومنذ ذلك الحين، زادت انتهاكات حقوق الإنسان : في تشرين الثاني/ نوفمبر ذكرت المعارضة 82 حالة وفاة، بينهم تسعة أطفال، نتيجة لاطلاق النار والضرب والتعذيب. وأفادت أيضا عن اختناق متظاهرين في منازلهم اثناء الغارات الليلية. وللمرة الأولى، تعرضت النساء للاعتقال، والتعذيب، والأدانة، والاعتداء الجنسي وحتى القتل.

مزاعم التعذيب الخطيرة كانت ضد الولدين الرابع والخامس للملك حمد، ناصر وخالد آل خليفة. ناصر هو رئيس اللجنة الأولمبية البحرينية وكان قد عين قائدا للحرس الملكي في عمر الـ 24. وقد حذر من على شاشة التلفاز أن : "البحرين جزيرة. ولا يوجد مكان للهرب. وسيتم استدعاء الجميع للمحاسبة". وهو متهم بتعليق السجناء من أقدامهم، وتعذيب ثلاث شخصيات معارضة  على الأقل.

عبد الهادي الخواجة، مدير منظمة مدافعي الخط الأمامي في الشرق الاوسط، وهو رمز دولي بارز لمقاومة الاستبداد في البحرين. وقد صنفه شريف بسيوني، رئيس لجنة البحرين لتقصي الحقائق المعين من قبل الملك، كسجين رأي. وكذلك ألقي القبض على نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، في تموز/يوليو 2012، وحكم عليه بالسجن لمدة عامين في 12 كانون الاول/ديسمبر.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus