رسالة من سجن مدينة عيسى للنساء

2013-04-01 - 6:54 ص


زينب الخواجة: هاف بوست ورلد
ترجمة: مرآة البحرين

يخلد القائد العظيم- كلماته وأفعاله يتردد صداها عبر السنين والعقود والقرون.  يتردد صداها عبر المحيطات والحدود وتصبح مصدر إلهام يمس حياة العديد من الذين هم على استعداد للتعلم. أحد هؤلاء القادة الاستثنائي مارتن لوثر كينغ. عندما أقرأ كلماته أشعر بأنه يقرأ لنا من بلد آخر ووقت آخر ليعلمنا بعض الدروس المهمة جدا. من بين تلك الدروس: لا تشعر بالمرارة، وكن على استعداد للتضحية من أجل الحرية ولا تنزل أبدًا إلى مستوى ظالمينا.

عندما بدأت زهور الأمل ومقاومة الظلم تنبثق من الأرض في العالم العربي، شهد شعب البحرين أولى بوادر فجر جديد. الفجر الذي ينهي ليلًا طويلًا من الديكتاتورية والقمع، وشتاءً طويلًا من الصمت والخوف، لنشر نور ودفء عصر جديد، عصر الحرية والديمقراطية.

بذلك الأمل وبتلك العزيمة نزل شعب البحرين إلى الشوارع في 14  شباط/فبراير 2011 للمطالبة بحقوقه بشكل سلمي. أغانيه وشعره ورسوماته وهتافاته للحرية قوبلت بالرصاص، والدبابات، والمسيلات السامة، والشوزن. فنظام آل خليفة الوحشي كان يهدف إلى إنهاء الثورة السلمية الخلاقة، باستخدام العنف ونشر الخوف.

 وفي وجه هذه الوحشية أظهرالبحرينيون ضبطًا كبيرًا للنفس، ويومًا بعد يوم كان المحتجون يقدمون الزهور للجنود والمرتزقة الذين يطلقون النار عليهم. المتظاهرون وقفوا بصدورهم العارية وقبضاتهم المرفوعة يهتفون "سلمية، سلمية" قبل أن يسقطوا إلى الأرض ملتحفين دماءهم. اعتقل الآلاف من البحرينيين وتعرضوا للتعذيب بتهمة ارتكاب جرائم مثل "التجمع غير القانوني" و "التحريض على كراهية النظام".

بعد ذلك بعامين، استمرت فظائع النظام البحريني. وما زال البحرينيين يتعرضون للقتل، والاعتقال، والإصابة، والتعذيب، بسبب المطالبة بالديمقراطية.

عندما أنظر في عيون المحتجين البحرينيين اليوم، في كثير من الأحيان أرى بأن الأمل قد استبدل بالمرارة. نفس المرارة التي وجدها مارتن لوثر كينغ في عيون مثيري الشغب في الأحياء الفقيرة في شيكاغو في عام 1966. وجد أن نفس الاشخاص الذين كانوا يقودون احتجاجات سلمية، وكانوا مستعدين بأن يُضربوا دون رد، هم الآن مقتنعون بأن العنف هو اللغة الوحيدة التي يفهمها العالم.

أنا، مثل كينغ، أجد نفسي حزينة بأن أرى بعض نفس المتظاهرين الذين واجهوا الدبابات والبنادق بصدور عارية وزهور، أسأل اليوم  "لماذا اللجوء إلى السلمية؟  إلى الأخلاق؟ ما لم يكن هناك من يستمع؟"

مارتن لوثر كينغ يوضح أن هذا اليأس طبيعي عندما لا يرى الناس الذين يضحون أي تغيير ويشعرون بأن معاناتهم لا قيمة لها.

أحد أسباب التغيير البطيء نحو الديمقراطية في البحرين هو ويا للسخرية دعم الدول الديمقراطية  للطغاة هنا. سواء كان ذلك من خلال بيع الأسلحة لهم، أو تقديم الدعم الاقتصادي والسياسي، وقد أثبتت الولايات المتحدة الأمريكية والحكومات الغربية الأخرى لشعب البحرين بأنها تقف مع النظام الملكي لآل خليفة ضد الحركة الديمقراطية.

وأنا أتصفح كلمات مارتن لوثر كينغ وجدت نفسي تتمنى لو كان على قيد الحياة. وجدت نفسي تتساءل ماذا يود أن يقول عن دعم الإدارة الأمريكية للطغاة في البحرين. ماذا يود أن يقول عن غض الطرف عن الدم والدموع التي تراق في سعيها إلى الحرية. وكل ما كان عليّ القيام به كان فتح صفحة، وهذه المرة لا يتحدث مارتن لوثر كينغ معي، ولكن معكِ، مع أمريكا:

قال جون كينيدي: "أولئك الذين يجعلون الثورة السلمية مستحيلة سيجعلون الثورة العنيفة محتومة". وعلى نحو متزايد، بالاختيار أو بالصدفة، هذا هو الدور الذي اختارته دولتنا: دور أولئك الذين يجعلون الثورة السلمية مستحيلة برفضهم التخلي عن الامتيازات والملذات الناتجة عن الأرباح الهائلة من الاستثمارات الأجنبية. أنا مقتنع أنه إذا أردنا الوقوف في الجانب الصحيح من الثورة العالمية، نحن كأمة يجب أن نتحمل ثورة قيم جذرية. ثورة القيم الحقيقية التي ستجعلنا عما قريب نسأل عن نزاهة وعدالة العديد من سياساتنا في الماضي والحاضر.

هذا زمن الثورة... في جميع أنحاء العالم الرجال الذين يثورون ضد نظم الاستغلال القديمة وتولد نظم جديدة للعدالة والمساواة.... نحن في الغرب علينا أن ندعم هذه الثورات.

حقيقة محزنة أنه بسبب راحتها، ورضاها عن نفسها،... ووهننا في التكيف مع الظلم، الدول الغربية التي اثارت حفيظة الكثير من الروح الثورية للعالم الحديث أصبحت الآن العدو اللدود للثورات. علينا تجاوز الحيرة والعمل.  علينا إيجاد طرق جديدة تتحدث عن السلام... والعدالة في جميع أنحاء العالم، عالم حدوده على أبوابنا. إذا لم نتحرك  بالتأكيد سننجر إلى الممرات الطويلة والمظلمة والمخزية من التاريخ المخصص لأولئك الذين يملكون السلطة دون شفقة،  والقدرة دون أخلاق، والقوة دون بصيرة.

صدى كلمات مارتن لوثر كينغ سافرت عبر المحيطات، عبر الجدران والقضبان المعدنية لسجن بحريني، إلى زنزانة مكتظة وقذرة أجلس فيها. أسمع كلامات الزعيم الأمريكي العظيم. ليست الرئاسة من جعلت هذا الأميركي ذا الأصول الإفريقية عظيما، بل تفانيه الذي لا يكلّ من أجل الأخلاق والعدالة.

أتعجب من حكمته وأتساءل عما إذا كانت أمريكا تصغي له أيضا.

كوني سجينة سياسية في البحرين،أحاول إيجاد وسيلة للمحاربة من داخل قلعة العدو كما يقول مانديلا.

لم يمض وقت طويل على وضعي في زنزانة تحوي 14 سجينة – من بينهم اثنتان مدانتان بتهم القتل - أعطوني ملابس السجن البرتقالية. كنت أعرف أنه لا يمكنني ارتداؤها دون التهام القليل من كرامتي. عدم ارتداء لباس المدانين- لأنني لم أرتكب أية جريمة -- كان على وشك أن يكون نهجي الصغير من العصيان. كان عقابهم عدم السماح لي برؤية عائلتي وابنتي البالغة من العمر ثلاث سنوات. هذا هو سبب إضرابي عن الطعام.

مديرو السجن سألوا لماذا أضرب عن الطعام؟ فأجبت: "لأنني أريد أن أرى طفلتي"، فأجابوا "أطيعي الأوامر وسترينها". ولكن إذا أطعت، فجود الصغيرة لن ترى والدتها، بل سترى نسخة محطمة منها. كتبت إلى إدارة السجن أنني لن أرتدي ملابس المحكوم عليهم لأنه" لا يوجد إنسان يتمتع بالاخلاق يمكنه بصبر أن يتكيف مع الظلم". (ثوريو)

ما يجعل السجن صعبا هو أنك تعيش مع عدوك. حتى في الأوضاع الأكثر أساسية، إذا كنت تريد تناول الطعام فإنك تقف أمامه حاملًا صينية بلاستيكية. كل يوم يواجه المرء احتمال تعرضه للسخرية، للصياح في وجهه، أو إذلاله لأي سبب من الأسباب.

ولكن تركت كلام الرجال العظماء يساعدني خلال هذه الأوقات.
عندما هددت "متخصصة" بضربي لقولي لسجينة بأن لديها الحق في الاتصال بمحاميها، لم أصرخ ردًا عليها، كررت كلمات كينغ في رأسي "مهما كانت انفعالات خصومكم، يجب أن تكونوا هادئين".

وعندما أخبرني الكثيرون بأنني أحصل على كامل حقوقي ورفض ذلك هو رفض لتحمل مسؤولياتي، بعد سماع هذه الجملة مرات كافية، غضبت.  وما هو أسوأ من ذلك، شعرت بالإحباط لدرجة أنني رددت بالصراخ.

ولكن بعد ذلك ألم يكن لدينا رجل عظيم قال، في كفاح العدالة  "علينا ألا نشعر بالمرارة"، و "لا ننزل إلى مستوى ظالمينا."

جاء طبيب لرؤيتي وقال " قد تذهبين في غيبوبة؛ أجهزتك الحيوية قد تتوقف عن العمل؛ مستويات السكر في دمك منخفضة للغاية؛ وهذا كله  من أجل ماذا... زي"

أجبته: "أنا سعيدة لأنك لم تكن مع روزا باركس في تلك الحافلة، لأقول للمرأة التي أثارت حركة الحقوق المدنية بأن كل شيء كان من أجل لا شيء بل من أجل كرسي ". عندما بدأ الطبيب يسألني عن الحركة الأفريقية  الأمريكية  قدمت له كتاب مارتن لوثر كينغ - إذا كنت تعرفني فعليك ان تعلم بأنني نادرًا ما أتخلى عن كتبي.

بعض الأحيان، في كلماته، كان مارتن لوثر كينغ رفيقا، رفيق الزنزانة أكثر من معلم.

يقول: "لا أحد يمكنه فهم صراعي ما لم ينظر في العيون التي يحبها، ويعلم أنه لا يوجد لديه بديل سوى اتخاذ موقف يتركهم معذبين فيها". أفهم. كتب كما لو كان يجلس بجانبي. "تجربة السجن... هي حياة بدون غناء الطيور، دون رؤية الشمس والقمر، والنجوم، دون الشعور بالهواء النقي. وباختصار،  هي حياة دون جمال الحياة، هي وجود مجرد – بارد قاس، وفاسد".

والدي، بطلي وصديقي، حكم عليه بالسجن مدى الحياة للعمل في مجال حقوق الإنسان ورفض أيضا ارتداء زي السجن الرمادي. وكالعادة تحاول الحكومة أن "تضعنا في مواضعنا" بأخذ ما هو أكثر أهمية بالنسبة لنا. لم يسمحوا لوالدي بزيارة من عائلته. وليسخروا منه أيضا، وللمرة الأولى، قالوا إنه لا يمكنه زيارتي في السجن إلا إذا ارتدى الزي.

القسوة هي العلامة التجارية لنظام آل خليفة، ولكن الشجاعة التي لا تتزعزع والصبر هما علامة والدي.  الضغط العاطفي لا يمكن أن يحطمه.
زيارة العائلة هي الشيء الوحيد التي يتطلع إليها المرء في السجن. والدي وأنا لا يمكننا رؤية عوائلنا أو بعضنا البعض، ولكن نضالنا من أجل حقوقنا سوف يستمر.

وحتى نرى أسرنا بعد ذلك، سنضعهم في قلوبنا.

أمس حلمت وأنا أنظر إلى باب زنزانتي بقضبانها الحديدية. ولكن هذه المرة كان حلمًا صغيرًا وبسيطًا، ليس بالديمقراطية أو الحرية. رأيت فقط أمي المبتسمة، تمسك بيد ابنتي، تقف على باب زنزانتي. رأيتهما يمشيان من خلال هذا المعدن، أمي جلست على سرير سجني، وابنتي وأنا استلقينا جنبا إلى جنب، رأسانا في حجرها. أدغدغ جود وهي تضحك : فيمتلئ قلبي فرحًا. وفجأة أشعر بأننا في ظل واق وبارد، أنظر فأرى والدي واقفا إلى جانب سريري، ينظر إلينا نحن الثلاثة ويبتسم. أحلم بأولئك الذين أحبهم، حبهم الذي يعطيني القوة للكفاح من أجل أحلام بلدنا.

24 آذار/مارس 2013 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus