مأساة عائلة حسين السنابسي في أروقة الشرطة: «يلا يلا يا البحرانية»!

2013-04-02 - 8:17 ص


مرآة البحرين (خاص): قصة من قصص الانتهاكات الفظيعة الموثقة بالصوت والصورة، والتي تُحكى كل يوم كفيلة بإقالة حكومة ما زالت تكابر بأنها الأفضل في سجلات حقوق الإنسان والأفضل بين الحكومات الديمقراطية العريقة، على الرغم من أنها غير منتخبة، ولم تضحّ بشرطي مرتزق يخطئها على إنها قامت بفعل مشين.

قضية حسين السنابسي (18 عاماً) من بلدة الدير التي تناوتها "مرآة البحرين" منذ بدئها في 14 مارس/آذار الماضي لم تحظَ بالاهتمام حتى الوقت الحالي، حيث بدأت فصول مأساته منذ فجر ذلك اليوم حيث كان بصحبة أصدقائه يتجوّلون في أزقة البلدة ليل الأربعاء ـ الخميس، الذي صادف يوم تنفيذ "إضراب الكرامة ـ 2"، وبينما كانت المرتزقة تنصب كمائن لاعتقال المارة بعد اقتحام البلدة وتتجول على البيوت لاقتحامها دخل حسين وأصدقاؤه إحدى المنازل، وبحسب روايات الأهالي فإن المرتزقة مروا بجانب المنزل وسُمع صوت أحد المرتزقة يقول "ريحة شيشة" وكرر العبارة مرتين. وعندما شعر أحد الشبان بأن الحركه غير طبيعية من حولهم تفقد المكان فوجد المرتزقة تحيط بالمنزل الذي هم داخله فأخبر أصدقاءه الذين تمكن بعضهم من الفرار بينما أمسكت المرتزقة بآخرين بينهم السنابسي. وقد أبلغ أحد المعتقلين "مرآة البحرين" في تلك الليلة أن حسين كان معه في مركز الاعتقال ثم اختفى.

في صبيحة 14 من مارس/آذار أعلنت وزارة الداخلية على حسابها على "تويتر" أن شاباً "أصيب لسقوطه من سطح إحدى المنازل في منطقة الدير"، من دون أن أحد يعلم ماذا حدث بالتحديد للسنابسي: فهل "سقط" كما تدعي الداخلية أم إنهم أسقطوه، أو ألقى بنفسه حتى لا تقبض عليه الشرطة أم أوسعوه ضرباً، أو تم دهسه، أو ضربه ضرباً مبرحاً أفضى إلى كسور في كل أنحاء جسمه. وأشار أحد القاطنين في مكان فقدان السنابسي إلى أنه "كنا نسمع صوت صراخ وركض، لكننا لم نستطيع رفع الستائر حيث كانت الكشافات موجهة صوبنا".

وقد وصل خبر اعتقال السنابسي إلى عائلته في صباح 14 مارس/آذار ولم يكن لديهم علم بعد بأنه مصاب بجروح، وأشيع أن صديقه الذي اعتقل معه فجر ذلك اليوم بأنه هو مصاب بجروح. وكانت التوتر سائداً في البلدة ذلك اليوم فلم تستطع العائلة الذهاب إلى مركز شرطة سماهيج. وبعدما هدأت الأوضاع، توجهت أم المعتقل وخاله وأخته إلى المركز فمنعهم الحارس من الدخول، فقالت له والدة المصاب "جايين نسأل عن ولدنا" فقال الحارس "بنادي ليكم واحد من داخل".

في هذه الأثناء، جاء أحد الموظفين في المركز فسألته أخت المعتقل عن أخيها، فطلب منهم معرفة وقت اعتقاله فأجابته بأنه اعتقل عند الواحدة أو الثانية بعد منتصف الليل، فدخل إلى المركز للاستفسار ثم عاد وسمح لهم بالدخول، وأحالهم على شخص آخر لم يكن لديه جواب أيضاً وطلب من أهل المعتقل الانتظار حتى يأتي الضابط المدعو يوسف الملا ، الذي عاجلته والدة المعتقل عند قدومه بالسؤال عن ولدها فقال لها "هذا مصاب"، فأضافت أم المعتقل "ويش صايبنه ويش سويتون فيه خلني أشوف ولدي، أنت متأكد هم يقولون إن المصاب صديقه هو الي اعتقل معه في نفس الفجريه".

فأجاب الملا "لا ولدك هو المصاب حسين علي رضا أحمد علي السنابسي، و ما حصل خلط بالأسماء". هنا، لم تعد والدة المصاب تحتمل كل ذلك فطلبت رؤية ولدها فأجابها بأنه في المستشفى العسكري "وسنعطيكم تصريحاً لزيارته عصراً". وبعد ذلك جاء بالبطاقة الذكية التي تحتوي على معلوماته الشخصية وصورته للتأكد من هويته فأجابت والدته بأنه هو حسين، فأكد لها مجددا أنه على وعده بإعطائها تصريحا عصراً، قائلاً إن حسين "يعاني من كسر في اليد والرجل والفك وأن من قام بدفعه من فوق سطح المنزل هو صديقه"، حينها استنكرت والدة المصاب ذلك بقول "معقولة صديقه بدزه في تلك الحالة بدل لا يشرد".

لكن الملا قال "المصاب لا توجد عليه أي تهمة أو قضية"، فأخذت والد المعتقل تصب لعناتها على الضابط ومرتزقته "حرام عليكم لكم جان سويتون في ولدي شيء حسبي الله ونعم الوكيل فيكم".

بعدها طلب الضابط بإزدراء من العائلة المغادرة والعودة عصرا لتسلّم التصريح، وبعد ساعات قليلة تلقى والد المصاب اتصالاً من مستشفى العسكري يطلب منع التوقيع على ورقة لإجراء عملية جراحية لابنه، فسارعت عائلة المصاب إلى قسم الطوارى في المستشفى وسألوا عن ابنهم فطلب منهم أحد المرتزقة المدنيين الانتظار، إلى أن جاء شخص آخر بلباس مدني أيضاً وسأل عن والد ووالدة المصاب وسمح لهم برؤيته والتوقيع على إجراء عملية في الورك. وما إن شاهدت والدة المصاب ابنها الذي تغيرت ملامحه حتى خرجت من غرفة العناية باكية وهي تقول "كسروه"، وتشبه وجهه بأنه "مثل الطابوقه" من شده الكسور. وحينما خرج أهل المعتقل أبلغهم المرتزق بضرورة الذهاب إلى مركز سماهيج فوراً للحصول على تصريح لزيارته.

وبالفعل توجه أهل المعتقل على الفور إلى المركز على أمل الحصول على تصريح، وهناك قابلوا (محمد بدر الشيراوي) الذي قال لهم بنبرة متغطرسة وهو ينفخ الدخان على أهل المصاب "إحنا ما قلنا تعالوا العصر"، فأجابته أم المصاب "لو سمحت اطفىء السيجارة"، فرد بتعالي "حجيه أنت روحي قعدي هناك بنتفاهم ويا لرجال"، فقال له خال المصاب "الحين استجد الموضوع والمستشفى قالوا لينا روحوا إخذوا التصريح أول ما تطلعون من المستشفى"، فرد المرتزق بما معناه "إحنا من نقرر المستشفى مالهم شغل"، فقالت له أم المصاب "كل واحد يقول لينا شيء". وبعد النقاش العقيم، انصرف أهل المصاب من المركز بلا نتيجة.

عند الرابعة والنصف عصراً قصد الجمع المركز فرفض الحارس إدخال الأم وخالته فبقيتا في السياره، ونتيجة لتأخر والد المصاب في الداخل توجهت خالة المصاب إلى المركز للاطمئنان عليه، لكن الحارس منعها مرة أخرى من الدخول. أما الوالد فخرج خائباً حيث رفضوا إعطاءه تصريحا بحجة أن الضابط المناوب غير موجود، فصرخت الوالدة بالحارس قائلة "قلتم تعالوا العصر وجئنا على الموعد"، فقال الحارس إن "الضابط خرج للتو"، فأضافت الخالة "لم يخرج أحد وأننا هنا منذ مدة". وللتهرب من هذا النقاش قام الشرطة كالعادة بإطلاق الغازات السامة على أهل المصاب ودخلوا للمركز وأغلقوا الباب.

وصباح يوم الجمعة، توجه أهل المعتقل مجددا لزيارته، برفقة جدته الكبيرة بالسن، حيث كان لا يزال في العناية المركزة وتحت الحراسة. وعندما شاهدهم الحارس أمرهم بالابتعاد ومنعهم من الدخول.  وما إن حاولت أم المصاب الدخول نهرها ولم يسمح لها، وبدورها حاولت خالة المصاب الحدث إلى الحارس لكنه لم يكن يتقن التحدث باللغة المحلية. وخرج أحد الزوار من العناية فحاولت والدة المصاب التمسك بباب العناية فقام المرتزق بسحب يد أم المصاب من فوق عباءتها فصرخت "حرام عليك لا يجوز لك مسك يدي اتركني، دعني أرى ولدي ولمدة ربع ساعه"، فاتصل الحارس بشخص يلبس اللباس المدني فسمح لأم المصاب برؤيته لدقائق معدودة وانتهت الزيارة مردداً عبارات طائفية "يلا يلا يالبحرانية"، فيما قامت الشرطة النسائية بالمشي وراء أهل المصاب إلى حين وصولهم إلى باب المستشفى.

ويوم السبت، وهو ثالث أيام الحادثة، أعاد الجمع الكرة وتوجهوا إلى مركز سماهيج لطلب تصريح فقال لهم الشرطي محمد علي كاظم إن القضية تحولت يوم أمس الجمعة الساعة الواحدة ظهراً إلى التحقيقات الجنائية وأن المركز لا سلطة له لإعطائهم أي تصريح، "لذا اذهبوا إلى التحقيقات الجنائية". قفقالت له أم المصاب "أين الحقيقة كل يوم لكم رأي، وهكذا كل شخص يقول هنا التصريح وهناك التصريح". ثم توجه الجمع إلى المستشفى لزيارة ابنهم وكالعاده تم منعهم من الدخول وتركهم عند باب العناية. وفجاءة، فتح الباب وأذن بخروج أحد الزوار فمسكت أم المصاب باب العنايه بقلب الأم الملتهف لرؤية فلذة كبدها، فتمكن الجمع من رؤية المعتقل ولكن لأقل من 5 دقائق من خلف السرير، وقد كان مخدراً ووجهه منتفخ بشدة من الكسور المتعددة ولديه جرح مخيط في شفتيه وعيناه مغلقة بشاش. ولم يسمح لهم الحارس بالاقتراب منه وكان يقول "هيا هيا أخرجوا أخرجوا".

ويوم الاثنين، ذهب أهل المصاب إلى مركز التحقيقات الجنائية في العدلية حيث أخبرهم الموظفون بأنه لم يصل إليهم شيء وأن عليهم الذهاب إلى النيابة العامة. تحمل الأهل كل ذلك وقصدوا للنيابة العامة وقاموا أخيراً بأخذ الأرقام الشخصية إلى أفراد العائلة لعمل تصريح لزيارة المعتقل، إلا إن الموظفين اتصلوا بخال المصاب وأبلغوه بأن قضيته غير موجودة في النيابة وأن "عليكم الذهاب إلى مركز سماهيج". ومرة أخرى، عادت العائلة إلى نقطة الصفر أي إلى سماهيج، حيث نفى الموظفون بدورهم مسؤليتهم عن القضية وزعموا أنها "في يد التحقيقات الجنائية". عندها صرخت بهم أم المصاب "لا يجوز لكم ذلك كل شخص يقول لا يوجد لا يوجد، أين الحقيقة و الصدق؟.

عقب التوقيع على أوراق العملية الاولى، تلقى والد المصاب مساء يوم الاثنين اتصالا يطلب منه الحضور إلى المستشفى للتوقيع على إجراء عملية أخرى، فطلب منهم رؤية ابنه أولاً فلم يسمحوا له بذلك، فقال لهم والد المصاب: "لن أوقع قبل أن أرى ولدي"، فسمحوا له برؤيته عبر النافذة وكانت العملية الثانيه لليد والركبة، وقد تفاجأ والد المصاب بذلك عندما أخبره الطبيب إذ إن موظفي المركز لم يخبروه من قبل بشأن ركبته. وبعد عمليه اليد والركبة اتصلوا مرة أخرى بالوالد يوم الثلاثاء للتوقيع على عملية أخرى إغلاق فتحة في البلعوم للتنفس، حيث قال الطبيب إن بقاء جهاز التنفس في فمه يعيقهم لعمل العملية في فكه. وقد أجريت يوم الاربعاء العملية له، وأيضا أجريت يوم الخميس عملية إضافية في فكه، وكانت والدة المعتقل تطمأن إليه عبر الهاتف وتذهب برفقة والده لزيارته بعد كل عملية ولكنهم يُقابلون بالمنع. ويوم الجمعة 22 مارس/آذار الماضي سمحوا أخيراً لوالد المعتقل ووالدته بزيارة ابنهما. كما أجريت للمعتقل يوم السبت عملية أخرى في أنفه. وبعد 11 يوما من المنع والعديد من العمليات سمحوا لإخوة المعتقل بزيارته لوقت قصير جداً، وكان حسين لا يقوى على التحدث حيث أن أسنانه كلها مكسرة وتم تخييط شفته السفلى و تخييط أسفل ذقنة، في حين تحيط بعيناه هالة سوداء كبيرة، وتحول بياض عيناه إلى جمر من شدة الإحمرار.

وكانت هذه الزيارات تتم تحت الحراسة المشددة تخوفا من قيام أهل المعتقل بأن يتم تصوير ابنهم ونشر أية صورة على مواقع التواصل الاجتماعي.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus