تاريخ البحرين في الاضطهاد السياسي

2013-04-07 - 6:21 ص


مارك أوين جونز، يور ميدل إيست
ترجمة: مرآة البحرين


تاريخيا، في البحرين، تم منح أعضاء عائلة آل الخليفة الحاكمة، أو أولئك المسؤولون عن حماية مصالحهم (أي قوات الأمن) درجة كبيرة من الإفلات من العقاب. هذا على الرغم من الدليل الذي يشير إلى مشاركتهم في أعمال القمع الفظيعة. ففي الانتفاضة الأخيرة، لم يتم العثور على أي عنصر في قوات أمن الدولة  قام بارتكاب التعذيب أو القتل، كما أنه لم يتم استجواب أي مسؤول حكومي رفيع المستوى لتورطه في أعمال القمع.

بعد الإصلاحات "الديمقراطية" في سنة 2001، برأ المرسوم الملكي 56  قوات أمن الدولة من ارتكاب الجرائم خلال القمع الوحشي لانتفاضة عام 1990. وبالفعل، النخبة الحاكمة في البحرين كانت دائما تجد أسلوبا للتخطيط لوسائل الهرب من المساءلة.  فسُنة الإفلات من العقاب متجذرة في تاريخ البحرين، حتى في المنح الدراسية الأكاديمية الممتازة تُبقى على الحقائق الخاطئة التي تقلل من درجة الإفلات من العقاب التي تتمتع بها العائلة الحاكمة.

هذا صحيح وبشكل خاص فيما يتعلق بمحاكمة خالد بن علي آل خليفة وأبنائه علي وسلمان، الذين أدينا بالتحريض وتنفيذ هجومين على قرية سترة عام 1923 (خالد بن علي كان ابن شقيقة الحاكم السابق، عيسى بن علي آل خليفة (الصحيح أنه شقيق الحاكم). وقد أسفر الهجوم عن سقوط العديد من القتلى القرويين الشيعة، بمن فيهم النساء والأطفال. وكانت محاكمة خالد وأبنائه، (الذين يشار إليهم أحيانا بالخوالد )، قد ظهرت مؤخرا في مقال لصحيفة وول ستريت جورنال في صفحتها الأولى:

عندما طالب الشيعة في أوائل عام 1920 بالمزيد من الحقوق، قاد خالد بن علي الحملة. وبتحريض بريطاني، حوكم بتهمة القتل وحكم عليه بالسجن. المحاكمة تركت جروحا تقرحت لعدة عقود.

قد يكون كاتب المقال، تشارلز ليفنسون، متحمسا قليلا في تأكيده على أن سجن الخوالد قد ترك جرحا نازفا استمر لعدة عقود. ولكن في الواقع، لم يسجن خالد بن علي أبدا، بل تم تغريمه ومصادرة ممتلكاته. ونًفي أبناؤه علي وسلمان إلى الهند. ولكن، قبل أن يتم ترحيلهما، هربا إلى السعودية.

بعد ذلك  عادا إلى البحرين ونفذا هجوما انتقاميا على قرية سترة، وأطلقا النار على تسعة أشخاص. وكان هناك أربعة وثلاثون شاهدا على إطلاق النار، وعلى مضض حكم الشيخ حمد على الجناة بالنفي، تحت طائلة الموت في حال عودتهما. ولكن على الرغم من الحسم الظاهر لهذا الحكم، عاد علي بن خالد إلى البحرين بعد حوالي ستة أشهر دون الحصول على الإذن البريطاني، وهو الأمر الذي تجاهله حتى الباحث (فؤاد خوري) عندما يؤكد كيف أن محاكمة الخوالد كانت ترمز إلى توطيد القانون العام على الخاص في البحرين.

عودة علي أغضبت تشارلز بلغريف، المستشار المالي البريطاني للشيخ، الذي كتب رسالة إلى سيريل باريت، المعتمد السياسي البريطاني، يشكو فيها هذا التطور الفاضح. ولسوء حظ بلغريف، كان باريت قد سمح للشيخ حمد إصدار قرار بإعادة محاكمة علي وسلمان ابني خالد. فأعيدت محاكمتهما من قبل المحكمة الشرعية السنية، القرار الذي أغضب بلغريف، الذي قال: " بالطبع سوف يفران ولكن من الجيد أن يحاكما ليرى الجمهور أنه يمكن محاكمتهما مثل الناس العاديين. (القضاة في المحكمة الشرعية السنية غالبا ما يصدرون الأحكام التي تكون في صالح المتهمين السنة في حالات العنف السني ضد الشيعية).

أسعد احتمال إعادة المحاكمة الشيخ حمد الذي شرع بعد ذلك في إقناع الشهود الـ 34 في سترة على عدم تقديم الأدلة. (وليس من الواضح كيف تحقق هذا "الإقناع"، فلربما احتوى على التهديدات، أو الابتزاز، أو الرشاوى). بعد ذلك، في شباط/فبراير 1928، كتب شخص يدعى سيد عدنان رسالة إلى حمد يقول فيها بأنه تمكن وبنجاح من تقديم الرشاوى إلى الشهود في قضية سترة.

ولمزيد من استياء بلغريف، لم يتم سجن ابني خالد بعد إعادة محاكمتهما، وهي إشارة إلى أن البريطانيين كانوا ينظرون إلى هذه العدالة كخطوة هامة لضمان سلطة المحاكم والنظام القانوني. وسواء كانت الرعية في البحرين في ذلك الوقت ترى هذا كقضية، بطبيعة الحال، من الصعب تحديدها أم لا. فإن عودة ابني خالد سلط الضوء على حدود قدرة بريطانيا في الضغط لمساءلة ذوي المستويات الرفيعة. ولكن بدلا من ذلك كان عليهم الاعتراف بأن تخفيف الصراع داخل الاسرة الحاكمة كان له الأولوية أكثر من تنفيذ العدالة الأساسية.

وعلى الرغم من أن البريطانيين قد كفلوا الإصلاحات في المحاكم في عام 1920، والتي أجريت في المقام الأول لضمان أن الشيخ المسؤول لم يكن متساهلا كثيرا في القضايا التي تخص الناس ذوي المناصب، فإن القضايا المهمة التي تشتمل على أهل السنة فيما يخص العنف ضد الشيعة لا تزال تخضع للانحياز الشديد.

بعد مضي ما يقرب من مائة عام، لم يتغير الشيء الكثير، فالعدالة الجنائية الحديثة في البحرين لا تزال تعطي الأولوية للتحكم على الدور الوظيفي للحكومة – وخصوصا عندما يًهدد النظام. وفي الواقع، الظلم التاريخي في البحرين أصبح حتى أكثر أهمية نظرا لاستمرار الافتقار إلى المساءلة فيما يتعلق بجريمة النخبة. وفي حين أن "المساءلة" تسمح بقدر من الإغلاق،  فإن الإفلات التاريخي من العقاب يديم ويضفي الشرعية على خطاب المقهورين، ويضع النضال الحالي في سياق اضطهاد أوسع مما كان عليه في الماضي.

العدالة والمساءلة ووضع حد للتمييز يسمح للناس للتصالح مع الماضي، ويمكنهم من التقدم بسهولة أكبر والمساهمة في تقدم الدولة، سواء ثقافيا أو سياسيا أو اقتصاديا. وأما الإفلات من العقاب، من جهة أخرى، يعمل على تمكين النظام في الاستمرار بالقمع دون الخوف من العقوبة.


1 نيسان/أبريل 2013 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus