البحرين: لبنان جديد
عادل مرزوق - 2011-05-15 - 10:16 ص
عادل مرزوق
البحرين أصبحت لبناناً جديداً، نتيجة جديدة يجب الإلتفات لها والإقرار بها، اليوم فصاعداً.
لم تعد المنامة تملك قرارها، فقد أصبحت للرياض والدوحة وأبو ظبي والكويت وبغداد وطهران وواشنطن ولندن وبيروت ودمشق قراءات ومصالح بالغة الدقة في المنامة. والنتيجة، أن الداخل البحريني أصبح خارجياً بامتياز.
لم تلتفت سياسات الحكومة البحرينية في إدارة ملف ثورة اللؤلؤة إلى خطورة مثل هذه النتيحة، فوقعت فيها – وهكذا أُرِيدَ لها – عن طيب خاطر ودون ادنى ممانعة. ولا يرتبط تدويل ملف البحرين بإفرازات ثورة اللؤلؤة، ويومياتها، أو حتى تطلعاتها - كما تريد الدولة أن تقول - أبداً. فالدولة – ورغم ما تدعيه – تدرك تمام الإدراك أن ثورة اللؤلؤة لم تكن طائفية، وأن مبادرة ولي العهد بما احتوته من نقاط كانت قادرة على احتواء الموقف.
لكن الدولة وبغباء، لم تتنبه إلى أن البحرين قد تكون بالنسبة لبعض العواصم التي صدرت الحكومة ملفها لها، لن تكون أكثر من ورقة لعب جيدة في صراع المسرح الإقليمي الكبير من إيران إلى تل أبيب.
وإذا سلمنا بأن مخاوف الرياض خصوصاً من الإصلاح السياسي في البحرين ترتبط بالداخل السعودي والخوف من الامتداد المتوقع للتنين الشيعي في الخليج، فإن كثيراً من الشك قد يكون صحياً في قراءة مواقف عواصم أخرى، ليست أولها الولايات المتحدة الأميركية التي وجدت في البحرين ورقة جاهزة للضغط على إيران.
وفق معادلة تقول: مكاسب محتملة تقدمها إيران في العراق أو سوريا أو لبنان ثمنها تسوية ما تفرضها الإدارة الأمريكية في البحرين لاحقاً.
العواصم كلها كانت مستعدة للعب بالورقة البحرينية التي تسلمتها جاهزة، واستقبلتها سريعاً وبدأت اللعب فيها.
وليست تسريبات اللقاءات السرية في بغداد مع الوسيط التركي بعيدة، فلقد حاول الأتراك التلميح للعراقيين الشيعة الممسكين بالحكم هناك بصفقة كبرى تربط حقوق الشيعة في البحرين بحقوق السنة في العراق، لكن الرد الإيراني من تحت عباءة العراقيين كان واضحاً، أعطوا شيعة البحرين ما أعطيناه سنة العراق، وهكذا نتعادل!
الدبلوماسية الإيرانية – كعادتها - امتصت الصدمة في البحرين، زيارات مكوكية وتصريحات صحافية يومية ولعب بسيط حول استهداف القوات الأمريكية في العراق بهدف إثارة الانتباه.
لم تقدم إيران تنازلات حقيقية في الملف البحريني، ذلك أنها تدرك أن الملف هو في حقيقته ملف رابح لا محالة، فالأميركيون سيفرضون تسوية ما في البحرين اليوم أو غداً، وأدركوا منذ البدء أن امتصاص الصدمة وتحملها هو وصفة الإنجاز وتحقيق المكاسب في الملف، لا أكثر.
وهو ما حدث بالفعل خلال الأيام الماضية عندما تحركت المكنة الإعلامية الأمريكية عبر سلسلة المقالات اليومية في الصحف والقنوات الأميركية، إضافة إلى اللقاءات التي عقدها الكونجرس حول البحرين.
القيادة السياسية في البحرين لم تتنبه إلى أن اللعب في هذا الأفق هو أكبر منها، وإن خساراتها اليوم وغداً هي أكبر من كم المكاسب المتوقعة.
فالداخل البحريني ورغم عديد تعقيداته كان في يد الدولة، تلعب فيه كما تشاء. لكنها اليوم محكومة بأطراف أخرى لن تقبل بأي تسوية.
وخلاف ذلك، قد يرتد الملف الطائفي بخساراته على الدولة أيضاً، فليست الجمعيات السياسية وحدها من تعاني من وجود قوى شيعية متشددة، بل الدولة أيضا، وعبر ما قدمته للقوى الإسلامية السنية من عطايا وتمكين سياسي واقتصادي، قد صنعت لها بعبعاً داخلياً لا يقل خطورة عما تفرضه القوى الشيعية المتشددة في المعارضة.
الخلاصة، ثمة متغيرات ستشهدها المنطقة، وبما أن الداخل البحريني أصبح خارجياً، فلا يمكن قراءة المشهد البحريني بعيداً عما يحدث في دمشق وفي العواصم كلها مجتمعة. وهنا تقع بالتحديد، صعوبة التوقع. الثابت الوحيد، هو أن المنامة لم تعد تملك قرارها.