لوموند ديبلوماتيك: البحرين الديكاتاتورية «المعذورة»

2013-04-12 - 8:00 ص


جريدة لوموند ديبلوماتيك الشهرية، مارك بيلاّس*
ترجمة: مرآة البحرين

إنّ الحكومات الغربية التي لم تحرك ساكنًا إزاء التدخل العسكري للملكة العربية السعودية في البحرين الذي حدث في شهر آذار/مارس من العام 2011، تحاول القضاء على الثورة البحرينية: كما لو أنّ القيم الديموقراطية التي شرعنت الاحتجاجات بل حتى الثورات المسلحة في ليبيا وسوريا لا يصح اعتمادها في حركة احتجاجية سلمية قامت بها أغلبية الشعب البحريني! ولكن من ذا الذي يجرؤ على وضع إحدى سلالات الحكم في شبه الجزيرة العربية موضع الاتهام؟!

لقد أفسحت العائلة الحاكمة خلال السنوات العشر الأخيرة في البحرين بصيصا من أمل  بالعبور إلى الساحة السياسية البحرينية إلّا أنّ القاتل المطلق في البحرين ما لبث ووضع السدود أمامهما.

ففي شهر شباط/فبراير من العام 2001 صوّت الشعب البحريني بنسبة تزيد عن 98% على ميثاق العمل الوطني االذي احتوى بنود عدة تضفي الطابع الديموقراطي على النظام السياسي في البحرين من قبيل مبدأ فصل السلطات وتعزيز السلطة الشعبية في الحكم، إذ إن الحاكم الذي وصل في ذلك الوقت وهو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة أبدى رغبته في طي صفحة الماضي التي تخللتها 25 سنة من سياسة الرصاص والنفي والتعذيب والقتل التي تعرّض لها الشعب البحريني.

بدت الطرق معبدّة إثر هذا الانفتاح أمام انتخابات برلمانية لمجلس ينبثق عن الشعب البحريني وأمام حركة لإنجاز مصالحة على الصعيد الوطني. إلّا أنّ أمير البحرين خيّب الظنون عندما أعلن نفسه ملكًا واستخدم أساليب غير دستورية في اعتماد "دستور جديد" للبلاد يحدد صلاحيات البرلمان ويعطيه الحق في تسمية 80 عضوًا فيه. إثر هذه الإعلانات تحولت البحرين إلى مكان يخضع للرقابة السياسية والاجتماعية والمهنية والإعلامية والكهربائية وأصبح الوضع يزيد اختناقًا مع مرور السنوات.

هذا ووضعت الحكومة الملكية موضع الاتهام من قبل أغلبية الشعب بتشجيع الفساد والتساهل مع المجرمين، وبتعزيز العنصرية ضد أغلبية الشعب من الطائفة الشيعية. كما اتهمت الحكومة بمنح الجنسية البحرينية لباكستانيين ويمنيين وأردنيين بأعداد كبيرة وإعطائهم وظائف أمنية في الشرطة والجيش والقضاء.

لم ترفع المعارضة "الشرعية" سقف مطالبها فوق اعتماد نظام "الملكية الدستورية" على مدى سنوات من سيطرة حكومة ديموقراطية أغلب أعضائها بل والوزراء الأساسيين فيها هم من آل خليفة: إنّ انتهاج آل خليفة لهذه السياسة أنتج من المعارضة الأولى معارضة أخرى أكثر راديكالية تطالب باعتماد الحكم الجمهوري. 

لكن هذا الاستقطاب الثنائي أضعف المعارضة إذ إنه وسّع من دائرة مناورات السلطة التي اقنعت سنة البحرين بأن مصلحتهم تقتضي استمرار التمييز الطائفي لا الوفاق الوطني، بيد أنه سلط الضوء على نظام الأقلية المتطرفة الذي يحكم البحرين إذ إنّ حزب المعارضة وهو "الوفاق البحريني" فاز في انتخابات العام 2013 بنسبة 63% من أصوات الشعب البحريني وذلك على الرغم من السماح للمجنسين الجدد بالمشاركة في التصويت. ولكن هذا الانتصار الساحق لم   يمنح الحزب أكثر من 18 مقعدا نيابيا من أصل أربعين مقعدا وذلك لاعتماد نظام الدوائرالانتخابية الذي يفرض عدداً من الأصوات لانتخاب مرشّحٍ من مرشّحي المعارضة يصل إلى ستّ مرّات أكثر من تلك المطلوبة لانتخاب ممثِّل عن المناطق السنيّة في جنوب البلاد، كما يشير حزب "الوفاق". 

بعد مرور أقل من 4 أشهر على الانتخابات أي اليوم الواقع في 14 شباط/ فبراير من العام 2011 وخلال إحيائها للذكرى العاشرة لإقرار الميثاق الوطني، أعلنت جمعية الوفاق سيرها في ركب الثورات العربية.

أمّا رد فعل السلطات على هذا الإعلان فكان رهيبًا  إذ أوعزت إلى الشرطة والمرتزقة بإطلاق  الرصاص الحي على المتظاهرين فضلا عن عمليات اعتقال وتعذيب.  وبعد مقتل سبعة متظاهرين علا سقف الشعارات إلى المطالبة باعتماد نظام جمهوري في البحرين. ثم أصبح دوار اللؤلؤة مقرًا ورمزًا للثورة. وقد عبّرت صحيفة نيويورك تايمز عن دهشتها من أعداد المتظاهرين التي بلغت ال100000 في شعب لا يزيد عدد سكانه عن ال500000 نسمة.

إثر الأحداث المتسارعة أعلن الملك حمد إطلاق سراح بعض المتظاهرين المعتقلين وأسف لمقتل "أبناء أعزاء" من الشعب البحريني، ثم أوكل إلى ولي العهد الأمير سلمان مهمة الخوض في الحوار مع المعارضة البحرينية. 

وعليه وافق أبناء القصور و"ممثلي المجتمع المدني" على فتح حوار مع المعارضة التي اشترطت الوصول إلى نتائج واضحة مدعمة بضمانات دولية. وفي الثالث عشر من شهر آذار/مارس أعلن الأمير سلمان "جدول أعمال الحوار"  الذي يتضمن قيام برلمان وحكومة يعبران عن الإرادة الشعبية، ومحاربة الفساد، وإعادة ترسيم الدوائر الانتخابية بشكل عادل، وقضية التجنيس، وقضية استخدام ممتلكات الدولة والبحث  في إخماد التوترات الطائفية. وكانت المعارضة حاسمة في مطالبها الأساسية بقيام حكومة مؤقتة وانتخاب جمعية تأسيسية فضلا عن  صياغة وإقرار دستور ديموقراطي.

هنا غضبت المملكة العربية السعودية إذ إن مطلب الديموقراطية قرع أبوابها كما رفض النخبة من السنة أي طلب يؤثر في سيطرتهم على حكم البلاد، إذ سرعان ما تحولت القضية إلى "أمن دولة" وتدخلت قوات "درع الجزيرة" السعودية- الإيماراتية في الرابع عشر من شهر آذار/مارس وأكثر من 4000 جندي كي يواجهوا ما أسموه بالمؤامرة الإيرانية.

ثم أخذت انتهاكات حقوق الإنسان بالتزايد إذ بلغ أعداد قتلى المعارضة في منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر 80 قتيلًا من بينهم تسعة أطفال، أمّا أسباب الوفاة هي: إطلاق النار على المتظاهرين وضربهم وتعذيبهم هذا فضلا عن حالات الاختناق التي نتجت عن الهجمات الليلية على بيوت المتظاهرين.

وقد وُجِّهت اتّهاماتٌ خطيرة في حقّ الابنَين الرابع والخامس للملك حمد، وهما السيّدان ناصر وخالد خليفة. الأوّل هو رئيس اللجنة الأولمبيّة الوطنيّة وقد عُيِّن، وهو لم يكمل الرابعة والعشرين من عمره، عقيداً وقائداً للحرس الملكيّ؛ وكان قد حذّر الرياضيّين والمعارضين على التلفاز: "إنّ البحرين جزيرة، ولا يمكن لأحد أن يهرب منها. وعلى كلّ واحد أن يتحمّل مسؤوليّاته". وهو متَّهم بارتكاب عمليّات شنق من الأرجُل، واغتصاب بأدوات صلبة، وتعذيب بالكهرباء طالَتْ ثلاث شخصيّاتٍ من المعارضة على الأقلّ.

وهذا ولم تسلم النسوة من الاعتقال والتعذيب والاعتداء الجنسي أيضا. كما وجّهت اتهامات خطيرة بالاعتقال والتعذيب والاعتداء الجنسي والتعذيب الكهربائي لناصر وخالد آل خليفة.

ثم تم اعتقال عبد الهادي الخواجة، ناشط حقوقي بحريني دنماركي والرئيس السابق لمركز البحرين لحقوق الإنسان وأحد مؤسسي المركز: إنه واحد من الرموز الدولية الرائدة في الدفاع عن مطالب الثورة ضد الاستبداد. وقد رأى السيد شريف بسيوني وهو الذي عيّنه الملك على رأس لجنة تحقيق مستقّلة (CEIB) أّنّ خواجة "سجين رأي".

أمّا السيد نبيل رجب رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان ونائب الأمين العام للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان الذي يحظى باحترام كبير فقد تم اعتقاله والحكم عليه بالسجن لسنتين.

هذا وقد أنجزت لجنة بسيوني – المنتقدة من قبل المعارضة- تقريرا مفصلا للأحداث تحدثت فيها عن اعتقال المتظاهرين وضربهم وتعذيبهم والتهديد بالاغتصاب والاغتصاب كما تحدثت عن إجبار المعتقلين على الاعتراف تحت وسائل التعذيب منها التعذيب الكهربائي والتهديد، هذا فضلا عن تهديم ثلاثين مسجدا يعود للطائفة الشيعية ونددت اللجنة بمقتل خمسة أشخاص على الأقل تحت التعذيب. أخيرًا صرحت اللجنة بأنها لم تجد أي أدلة تشير إلى التدخل الإيراني.

إثر إعلان اللجنة لنتائج تحقيقاتها، أعلن ملك البحرين التازمه بتوصياتها كاملة. إلّا أن مرصد البحرين لحقوق الإنسان ومشروع الديموقراطية في الشرق الأوسط ومنظمات غير حكومية أعلنت أنّ الحكومة لم تطبق إلا ثلاث توصيات من أصل 26 توصية للجنة بسيوني.

ثم جاء رفض محكمة الاستئناف في البحرين في النظر بقضايا 13 متظاهرًا تم اعتقالهم من بينهم السيد عبد الهادي خواجة والسيد إبراهيم شريف وهو الأمين العام السني لحزب اليسار القانوني (وعد) بعد أن تم الحكم عليه بالسجن لمدة 25 سنة لانتمائه إلى "منظمات إرهابية تهدف للإطاحة بالحكومة".
وقد أشاعت الحكومة كما منظمات (غير حكومية) حجج لإقناع الراي العام أن النظام الحالي ليس قمعيا وأنه لا يرفض عمليات التغييرفي البلاد وإن كانت تجري بشكل بطيء.

بيد أن الخيارات التي أتاحتها الحكومة للأغلبية المعارضة تنحصر بالقبول بالوضع الراهن لإعادة إنتاج السطلة القمعية ذاتها، وب "الحوار"  غير الهادف، وب"الأمن" الذي يتلخص بمنع الاحتجاجات خارج الأحياء الشيعية الفقيرة كي " لا تشوه صورة البلاد"، و"احترام المساواة" التي ضربت بها الحكومة عرض الحائط، و"الاستقرار" الذي يتخذ ذريعة لقمع أي ثورة وللدفاع عن الاستبداد.

لقد ضرب نظام الحكم في البحرين ببرود تام 176 بندا من ميثاق حقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة مع اطمئنانه أنّ مجلس الأمن لن يصدر أي قرار إدانة بحقه. كيف لا! والسياسية الحكومية تستفيد من تسامح استثنائي يمنحه لها الأعضاء الثلاثة دائمي العضوية في مجلس الأمن: فالمملكة المتحدة حيّت بحرارة الجهود التي يقوم بها ملك البحرين في التحول الديموقراطي بمساعدة ابنه ناصر، وباريس التي رحبت سرا بشراء العائلة المالكة في البحرين للمنزل الأثمن في العاصمة باريس  واستمرت في النهج "الفرنسي اللبق" الذي بات معروفا لضمان استمرارية التعاون بينها وبين أصدقائها من البلدان.

أمّا الولايات المتحدة الأمريكية فتراوح موقفها بين السخونة والبرودة من خلال التناوب بين الإدلاء بتصاريح مؤيّدة للنشاط الديمقراطيّ تارةُ ودعمٍ كامل للنظام الذي يستضيف مركز القيادة المنطقة المركزيّة للجيش الأمريكي (Centcom) فضلاً عن قيادة أركان الأسطول الخامس تارةً أخرى، ثم حيّت إعلانات مبادىء اللاعنف التي أقرتها ست منظمات سياسة وقضائية  أساسية في السابع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2012 وذلك بعد أن تمنت من المعارضة البحرينية الدخول في دوامة الحوار الفارغة، إذ تكمل هذه المبادىء وثيقة المنامة الذي باشرت باعتمادها قبل عام خمسٌ من هذه المنظّمات، وهذه الوثيقة شكلٌ أوّلي لمنصّة سياسيّة قائمة على المبادئ الديمقراطيّة التي تمّ التصويت عليها في الشُّرعة الوطنيّة لعام 2001. إنّها مبادئ تفرض فصلاً قاطعاً للسلطات، فضلاً عن وضع حدّ للتمييز الطائفيّ، وإعطاء ضمانات لدولة القانون (الحقّ في التظاهر، حريّة التعبير والصحافة)، وتوزيع انتخابيّ عادل يكون من نتيجته حكومة وبرلمان موحَّد.

هذا وتحاول السلطة في البحرين إدراج هذه الاحتجاجات في أتون صراع مذهبي وهذا ما روجت له بشكل كبير المملكة العربية السعودية وإمارات الخليج: إذ اعتبر الشيخ عبد اللطيف المحمود، أمين عام تجمع الوحدة الوطنية بالبحرين المعروف بتطرفه أن المطالب التي تعلو في البحرين تندرج في إطار مؤامرة شيعية تهدف إلى قلب الحكم في البحرين. كما اعتبر أن شيعة البحرين ينقسمون إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى تسعى لانتزاع الحكم من السنة واغتصاب مواطنتهم بعد إضعافهم، والفئة الثانية هي الاستغلالية التي تسعى لتحقيق مصالحها، أمّا الفئة الثالثة وهي لا تشكل إلا نسبة 20% من الشيعة فتكن وفاءًا للوطن والملك على حدّ قوله.

إنّ التوترات في البحرين أقلقت فئة من الشعب خشيت على مصالحها فبدأت للتحرك لدعم السلم الأهلي وتجنب الفوضى.
إنّ السياسة التي ينتهجها أغلب أفراد العائلة المالكة ومن ينتمون إلى الطبقة الاجتماعية القريبة منها في البحرين تنحو نحو التطرف والتعميم، أمّا السياسية الدولية فتتمثل في خنق الثورة في البحرين، الثورة التي لا يمكن إلا أن تعكس حجم التوترات السياسية التي تعم ممالك الخليج.

*متخصص في قضايا الأمن في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية.

14 شباط/فبراير 2013


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus