إيان هندرسون: Go to hell

2013-04-14 - 9:33 ص


مرآة البحرين (خاص): مات إيان هندرسون. البريطاني مهندس التعذيب في البحرين سلم أقداره أخيراً إلى صمت الأبدية. بلا شرف، استثناء حزمة من النياشين التي منحه إياها، من كان يعتاش على سماع أنين ضحاياه في الغرف المظلمة، انطفأ. 

لكن بقيت صورته الدموية التي حفرت أطرافها فوق جزء مؤلم من تاريخنا السياسي الحديث، ماثلة. أو كواحدة من صور الخطايا التي تركت بريطانيا العظمى لها حرية تسيير الأقدار الخاطئة في البحرين، وعفّت عن مساءلتها، فصارت جزءاً من أزمتنا. تماماً، كما هي تعفّ اليوم عن مساءلة أو كبح جماح سفيرها المغمور في المنامة (إيان أيضاً!)، صديق الملك، ومرافقه في لعبة «الغولف» المكلفة فوق المراعي الخضراء. 

زفّ الخبر، باديء بدء، شريكه المجرم عادل فليفل. ثم تُرك العنان لإحدى الصحف الموالية لرئيس الوزراء خليفة بن سلمان، أكثر رجال العائلة الخليفية الحاكمة اعتماداً - كان - على قبضة هندرسون الحديدية، أن تؤكد النبأ اليوم. لنفاجأ جميعاً: أن إيان هندرسون مات بيننا هنا، في البحرين، وليس في موطنه بريطانيا!

على خلاف ما كان يجري إيهام البحرينيين به: أنه في أفريقيا أو أنه في آسيا أو أنه أحيل على التقاعد في العام (1998). وهو ما همس به مرّة الملك حمد نفسه في أذن الناطق باسم حركة أحرار البحرين سعيد الشهادي: «فنشنا هندرسون، خلاص ما نبيه»، إيهاماً بأنه يدشن عهداً بدون هندرسون. 

لنكتشف - بالمصادفة المرّة - أنه هنا، عاش ومات، محميّاً بامتيازات الدولة الأمنية التي هندس عملية بنائها. ثم توارى «المهندس» خلف الستار، ليس بعيداً تماماً، لكن بقيت «الهندسة».

بوسعنا أن نتصوّر، ولا نغرق كثيراً في الريبة، أن الجلاد فليفل الذي زف النبأ الأوّل لوفاته، قبل أيّ أحد وقبل أي مسئول أو صحيفة، هو واحدٌ ممن كانوا يواظبون على اللقاء به، حتى الساعة الأخيرة التي لفظ فيها أنفاسه. 

وبوسعنا أن نتصوّر أيضاً، لقاءاً افتراضياً بين إيان هندرسون وجون ييتس، الضابط البريطاني الذي حلّ محله مستشاراً للشرطة، محاضراً أمامه عن خبرته البحرينية (منذ مجيئه في العام 1966) في ضرب حراكات السبعينات والثمانينات والتسعينات، ومساعداً إياه في تطوير نموذجه (Kettling) لمواجهة الاحتجاجات: محاصرة المتظاهرين وضربهم مع إتاحة طريق واحد فقط للهروب. 

لم يكن هندرسون حاضراً  في المشهد بشكل كامل. لكنه أيضاً لم يكن غائباً بشكل كامل. في زاوية ما خلف المسرح، كان ثمّة رجل  ظل بريطانيّ يواصل تحريك الدمى. إن لم يكن بقوّة القرار الذي جُرّد صورياً منه، فبالبرمجة العصبية.

على ذلك، سنعرف الدور المظلم الذي لعبه تلميذه فليفل الذي سبق له وصفه بـ«الطيب»، خلال ثورة 14 فبراير/ شباط، عبر ما عرف بـ«ساحة الشرفاء» في المحرق. وقد كانت ورشة لإنتاج أكثر الخطابات طائفية وكراهية. تماماً، كما عرفنا عن هندرسون في خلال الانتفاضة التسعينية توجيهاته الصارمة لضباطه: «كائناً ما كان، تحت أي ظرف، لاتعتقلوا أيّ أحد من السنّة». فلتكن شيعيّة خالصة! 

مات هندرسون من دون أن يبدي أي شكل من الندم على دوره الكالح في «هندسة» سياسات التعذيب في السجون البحرينية. وفي البلد الذي مارس فيه «الهندسة» الجهنمية. وهذا واحد من الأدلة المادية على أن الموت الذي يجري الحديث عنه عضوي فقط، ولم يكن موتا لمرحلة. 

معظم الروايات التي نعرفها عن هندرسون نقلها معارضون شاءت الظروف أن يحتكّوا به أو يتعرّضوا للانتقام بسببه. وقد تكون وفاته مناسبة لظهور مذكراته، على ما فعل سلفه مستشار حكومة البحرين السابق تشارلز بلجريف، حيث يمكن لها أن تعرّفنا على الجانب الآخر للصورة. أو رأيه نفسه فيما سمعنا وقرأنا عنه، نقلاً عن معارضين. لكنها صورة مظلمة من دون شك!


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus