لو موند: البحرين، ثورة الخليج المحبطة

2013-04-15 - 6:40 ص



موقع لو هوفنجتون بوست التابع لصحيفة لو موند: بونوا مورغو
مستشار جيوستراتيجي في قضايا الشرق الأوسط
ترجمة: مرآة البحرين

البحرين- تنشّق البحرينيون نسمات الحرية  التي عبقت في أجواء تونس ومصر، وخرجوا إلى الشوارع في الرابع عشر من شهر شباط/فبراير من العام 2011 ينادون بالتحرر السياسي في إحدى ممالك الخليج.

سنتان مرتّا على انطلاقة الثورة البحرينية وسياسة القمع هي السائدة وذلك على الرغم من استمرار الحوار.

ما هي خصوصية الاحتجاجات الشعبية في البحرين؟

لكل دولة من دول الربيع العربي حالة خاصة:  إنّ ل"ثورة" البحرين ثقلا سياسيا كبيرا لا يتناسب ومساحتها فهي الدولة الأصغر مساحة بن الدول العربية (يبلغ عدد سكانها مليون ونصف مليون نسمة).

نوضح بداية أن  البحرين بخلاف مصر وليبيا أو حتى سوريا هي مملكة تقع على ساحل الخليج العربي أي في المنطقة التي لم تعتد على الاضطرابات الشعبية.

ثم إنّ مملكة البحرين هي كجاراتها من بين الدول المصنعة للنفط، بل هي الإمارة الأولى التي اكتشفت النفط من بين دول الخليج وذلك قبل80 عامًا. إلّا أنها أيضًا الدولة الأولى التي كان عليها أن تواجه انخفاض نسبة الاحتياط النفطي فيها. لذلك اتجهت مملكة البحرين تدريجيا  منذ سنوات عديدة نحو التنوع الاقتصادي فطورت قطاع المصارف، وإنتاج الالمنيوم، وقطاع السياحة.

لقد شكّل التراجع في نسبة إنتاج النفط تحديا كبير للسطلة القائمة في البحرين إذ تراجعت الحالة الاقتصادية ممّا أثار استياء شعب تواق للحرية.

لا بد من الإشارة أخيرًا إلى أن أغلب الشعب البحريني هو من الشيعة، إلّا انهم محكومين من  قبل سلالة تنتمي الى المذهب السني وهي سلالة آل خليفة والحاكم الحالي هو حمد بن عيسى آل خليفة. لكنّ الشيعة يشكون التهميش تحت ظل حكم يتهمونه بأنه يقوم بتجنيس مكثف لأشخاص ينتمون إلى المذهب نفسه التي تنتمي إليه وذلك كي تحقق التوازن الديموجرافي في البلاد.

إنّ  المعارضة التي تشكلت من الشيعة في أغلبيتها والسنة في أقليتها، تطالب منذ العام 2011  بقيام ملكية دستورية في البحرين إلاّ أن بعض الأصوات التي تنتمي إلى معارضة أكثر تشددا تطالب بالحكم الجمهوري.

ما هو الدور الذي تلعبه بقية الدول؟

سرعان ما يلفتنا موقع البحرين في الخريطة عندما ننظر إليها إذ إنّها تقع بين دولتين كبيرتين هما: 

- المملكة العربية السعودية، أي المحرك الأساسي لسياسية إمارات الخليج ذات الاغلبية السنية.

- إيران التي تمثل القوة الشيعية الأكبر في العالم: إنّ موقع البحرين بالقرب من إيران يفسر تمركز الأسطول الامريكي الخامس فيها.

وتجدر الإشارة إلى إنّ جسراً يصل البحرين بالمملكة العربية السعودية وهو الجسر الذي مرّت عليه القوات السعودية لمساعدة حليفتها بعد شهر فقط من بدء الاحتجاجات في البحرين. إنّ التدخل العسكري غير المسبوق الذي جاء تحت وصاية المجلس التعاون الخليجي جعل من الرياض العاصمة التي توجه السياسة الداخلية للسلطة البحرينية.

أمّا الولايات المتحدة الأمريكية فلم تبدُ مصدومة من الذي يجري في البحرين ولا من سياسة الحكومة القمعية بل هي تتجنب أي انتقاد للسعودية في تعاملها مع هذا الملف. بل إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لا يفوت فرصة للتعبير عن دعمه للمملكة العربية السعودية وذلك بعد أن عبّرت الرياض عن استيائها وغضبها لتخلي أوباما عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

هذا ويتهم الإيرانيون بالتدخل في البحرين غير أن هذا الاتهام لا أساس له من الصحة: إذ من المؤكد أن إيران لم تحرك الاحتجاجات في البحرين وإن كانت تحاول في الوقت الحاضر استخدامها. بيد أن اتهام إيران ليس إلّا ذريعة لتبرير التدخل السعودي في البحرين.

ما هو سبب وراء غياب الدعم الدولي للاحتجاجات الحاصلة في البحرين؟

إن سبب  الصمت الدولي المطبق إزاء القمع الحاصل في البحرين هو جيوستراتيجي بامتياز، إذ إن البحرين واقعة في منطقة تشكل العصب الحيوي للاقتصاد الدولي، فإن أي تغيير يطرأ عليها يصنف بالخطير. 

والسبب الذي دفع إيران  لإدانة القمع في البحرين هو أن التغيير الديموقراطي في البحرين لا بد أن يوصل الشيعة إلى الحكم فيها، وهذا الحكم يبعد عن المنطقة الشرقية في السعودية بضع كيلومترات حيث تكمن آبار النفط الأسياسية للمملكة فضلا عن الأقلية الشيعية المقموعة من قبل السلطات السعودية.

إنّ خطر الامتداد المذهبي بالنسبة للرياض مميت، وخصوصا إثر قيام احتجاجات كبيرة في المحافظة الشرقية في العام 2011. وعليه لا يمكن للسعودية أن تقبل بقيام حكم شيعي وديموقراطي على حد سواء في قلب دول مجلس التعاون الخليجي.

 إن المسألة تندرج نحو توجيه الممالك البترولية نحو الحكم الديموقراطي، وهي الدول الأكثر انغلاقا من بين الدول العربية باستثناء الكويت والبحرين التي تتميز عنهم بحياة سياسية أكثر حركة وبالنقاشات السياسية غير أن الأزمات الدستورية التي تتعرض لها تثبط عزيمة شعوب جاراتها عن السير في الركب الديموقراطي.

ما هي محصلة سنتين من الاحتجاجات؟

أقدمت السلطة في المنامة  في شهر آذار/مارس من العام 2011 على تدمير دوار اللؤلؤ محاولةّ منها لوضع حد رمزي للاحتجاجات  إذ إنّه للثوار بمثابة ميدان التحرير للثوار المصريين. إلّا أن منطق القمع هذا  - الذي لم يبلغ حد القمع الذي حصل في ليبيا أو ذاك الحاصل في سوريا- لم يوقف الاحتجاجات ولم تسكن وعود حسن النية من روع المحتجين.

إنّ هذا الإصرار دفع السلطة إلى فتح حوار وطني مع المعارضة  بالإضافة إلى تأليف لجان للتحقيق نتج عنها تقارير تحدثت عن "أخطاء" ارتكبتها بعض القوى الأمنية. إنّ مبادرات السلطة تأتي في إطار تجنب التحديات الاقتصادية التي تواجهها، شكلت قضية إلغاء سباق الفورمولا واحد في  العام 2011 إحدى هذه التحديات.

ثم قامت السلطة بعد محاولات عديدة بفتح مفاوضات جديدة ابتداءً من العاشر من شباط الفائت، وقد وافق الحزب الشيعي المعارض (الوفاق) على المشاركة فيها دون أن يخفي تشاؤمه من نتائجها. إنّ حزب الوفاق هو الحزب السياسي الأول المعارض في البلاد لكن من غير الدقة اعتباره ممثلا لآراء أقطاب المعارضة ومصالحها كافة.

هذا وتحاول السلطات أن توسع من دائرة عملائها من الشيعة علّهم يؤثرون بسياسة السلطة، إلا أنّ هذا التكتيك قد يكسبها المزيد من الوقت دون أن يحل أساس المشكلة.

والنار تحت الرماد نائمة.

14 شباط/فبراير 2013


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus