هندرسون والقمع في البحرين: إرث أربعين عامًا

2013-04-20 - 5:39 م


إميل نخلة: آي بي أس، واشنطن
ترجمة: مرآة البحرين

إعلان وفاة إيان هندرسون في 15 نيسان/أبريل في البحرين يُنهي حياة المغترب البريطاني والمهندس والمشرف على سياسات الأمن الداخلي القاسية التابعة لعائلة آل خليفة الحاكمة منذ الأيام الأولى بعد الاستقلال قبل ما يزيد عن 40 عامًا. 

العمل في حياة هندرسون ارتبط بشكل حميمي بآل خليفة، خاصةً مع الأكثر قوة المعمر في العائلة رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، أخ الحاكم. 

سياسات التمييز، والإقصاء، والتعصب التي تُمارس من قبل العائلة الحاكمة المنتمية للأقلية السنية ضد الأغلبية الشيعية كانت تُصمم وتُنفذ بواسطة هندرسون ومرؤوسيه ويُبارَك على ذلك من قبل رئيس الوزراء. ارتكزت هذه السياسات على التخويف والقمع والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان، والتعذيب في بعض الحالات. 

هذا هو الإرث الذي تركه هندرسون لشعب البحرين. 

كان هندرسون مواطنًا بريطانيًا وضابطًا استعماريًا معروفًا باستخدامه لأساليب عنيفة لإخضاع حركة (الماو ماو) المعارضة لبريطانيا في كينيا. بعد الاستقلال، الحكومة البريطانية في عام 1968 انتزعته من كينيا لتضعه في البحرين كمشرف للأمن تابع لآل خليفة. 

بعد مرور ثلاث سنين، عندما طالبت البحرين باستقلالها من بريطانيا، احتفظ رئيس الوزراء البحريني بهندرسون كمشرف للأمن ورئيس أمن البحرين وجهاز المخابرات.

وظّف قسمه بريطانيين، وبحرينيين، وعمانيين، وأردنيين، وسودانيين، وباكستانيين وغيرهم. كان مسؤولًا مباشرًا أمام رئيس الوزراء ويتصرف باسمه. المهمة الرئيسية لجهاز المخابرات التابع للأمن البحريني لهندرسون كانت اختراق المنشقين والمجموعات المطالبة بالديمقراطية - من السنة والشيعة - وهزيمتهم. 

جهاز الأمن تحت إشراف وسيطرة هندرسون مارس بطبيعته التخويف، والتهديد، و"أساليب الاستجواب المعززة". مثل رئيس الوزراء، في بداية السبعينات، كان هندرسون يرى دعاة حقوق الإنسان وأنصار الدستور والبرلمان المنتخب على أنهم ”رايديكاليون“، و”متطرفون“، و”إرهابيون“. تم القبض على الكثيرين دون محاكمة عادلة أو تهم واضحة وفي كثير من الأحيان كانوا يُضربون ويُعذبون. 

قضيت فترة 1972إلى 1973 في البحرين كدارس أمريكي ببرنامج فولبرايت لأجري بحوثًا ميدانيةً حول إقامة دولة البحرين الجديدة. قمت بالاتصال بهندرسون لإجراء مقابلة معه حول الأمن المحلي. رفض هندرسون وأخبرني بأنه سيكون من الواجب عليه أن يأخذ الإذن من رئيس الوزراء أولًا لإجراء مثل هذه المقابلة لأنه يعمل لديه مباشرة. 

لم يتم إجراء المقابلة أبدًا. ولكن عندما قابلت هندرسون في إحدى المهمات الرسمية وعرّفت بنفسي، قال لي، ”أعرف من أنت، نحن نراقب كل من يعيش هنا“. 

في مناسبة أخرى، أردت الاتصال به من مكتب أحد الوزراء، الوزير، الذي أصبح هائجًا وخائفًا بشكل واضح، لم يكن يريد لهندرسون أن يعرف أنني اتصلت به مستخدمًا رقم هاتف الوزير. الوزير أخبرني، ”الجميع يخافون من سيد هندرسون. لديه سلطة مطلقة في البحرين لأنه يتصرف بالنيابة عن رئيس الوزراء الشيخ خليفة، ولا يتجرأ أحد على مخالفته“.

غرس هندرسون الخوف لدى السكان، عزّز من قوة رئيس الوزراء، وخنق كل الأصوات المعارضة. في إحدى المرات في نهاية السبعينات، قما بزيارة منزل أحد الصحفيين البارزين الذي كان يعمل في الصحيفة المحلية "الأضواء". ابنه، الذي كان قد أُطلق سراحه من المعتقل حديثًا بعد تلفيق تهمة التحريض له، كان قد ضُرب بشدة بواسطة ضباط الأمن التابعين لهندرسون. علامات الضرب كانت لا تزال واضحة على جسده. 

في رحلة خروجي من البحرين، سألت ضابط أمن بريطاني كان جالسًا بجانبي بشأن الضرب على جسد ابن الصحفي، وبما أنه كان قد تناول بضعة كؤوس أخبرني مسترسلاً، "أجل، نحن نقوم بالاستجواب ولكن لا نقوم بالتعذيب، المرتزقة العرب يقومون بذلك!" بكلمة "مرتزقة" كان يقصد العمالة العربية الوافدة الذين كانوا يعملون في قسمه. 

السنتان الماضيتان أظهرتا بوضوح أن أساليب النظام في التخويف والترهيب فشلت في إسكات المطالب بالإصلاح، والمساواة، والديمقراطية في البحرين. وبالتساوي، إرث هندرسون جعل البحرين أقل أمنًا وشرعية العائلة الحاكمة وسيطرتها الطويلة المدى على البلاد أصبحتا أكثر اهتزازًا. 

الكثير من البحرينيين، الذين عانوا من سياسات الأمن الخارجة عن القانون التابعة لهندرسون، عادة ما يطلقون عليه لقب "جزار البحرين". من المثير للاهتمام التنبيه إلى أن سياسات التخويف ساعدت في زيادة سيطرة رئيس الوزراء على الحياة الاقتصادية والسياسية في البلاد، ولكنها لم تعزز من شرعية الحكم الفردي المطلق. كذلك لم تُسكت المطالبة بالعدالة والمشاركة الشعبية في صنع القرار. 

العقلية الاستعمارية في القرنين الماضيين، والتي جاءت عن طريق عائلة آل خليفة لدعم حكمهم لم يعد لها دور أو فائدة في القرن الواحد والعشرين. كنظرائهم العرب، الشباب البحريني وأنصار المطالبة بالديمقراطية استخدموا الإعلام الاجتماعي وإصرارهم المطلق على مواجهة النظام. 

من المفترض أن ينظر رئيس الوزراء والعائلة الحاكمة لموت إيان هندرسون بعد أكثر من سنتين من بدء الثورة الشعبية على أنه رمز واضح وتشبيه قوي على ما أصبحت عليه البحرين. 

لمدة 40 عاماً فشلت القوة في إسكات الأصوات المطالبة بالكرامة والديمقراطية. إذا لم تحقق هذه المطالب في سنة 2013، ميراث هندرسون الذي بدأ قبل 40 عام سيبقى ملطخًا. 

* إيميل نخلة، ضابط جهاز مخابرات أول سابق، بروفيسور أبحاث في جامعة نيو مكسيكو ومؤلف كتاب "البحرين: التنمية السياسية في مجتمع حديث".

18 نيسان/أبريل  2013


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus