بعض الأفكار عن محاسن ومساوئ فيديوات عنف الدولة

2013-05-21 - 8:44 ص

مارك أوين جونز: مدونة مارك أوين جونز
ترجمة: مرآة البحرين

في عام 2011، كتبت مقالا بعنوان "وسائل الإعلام الاجتماعي، المراقبة والضبط الاجتماعي في انتفاضة البحرين"  للصحيفة الدورية المتخصصة في الاتصالات والثقافة (Westminster Papers in Communication and Culture). وأخيرًا قد تم نشر المقال الشهر الماضي. وبالطبع المقال قديم بعض الشيء، وعلى الرغم من ان اهتماماتي البحثية تحولت إلى حد ما  لدراسة عمليات أكثر عمومية للسيطرة على المعارضة، فإني لا زلت أحافظ على اهتمامي بوسائل الإعلام الاجتماعي.

السؤال الذي يشغلني دائما هو: ما هو تأثير الفيديوات التي تحتوي على العنف، وخاصة فيديوات عنف الدولة، على إطالة عمر الصراع. وكيف تؤثر الفيديوات هذه على ديناميات الصراع؟  وقد ظهر لي أن أوصاف العنف هذه تؤدي عملًا مفيدًا في الرقابة الاجتماعية. وكما كتبت في مدونة "بحرين ووتش" قبل بضعة أشهر:

... من المثير للاهتمام النظر في مدى تأثير وجود مثل هكذا فيديوات، وخصوصًا عندما لا يتم محاسبة مرتكببها. هل تعمل ببساطة على زيادة الغضب الشعبي تجاه الشرطة والحكومة، أم  لديها تأثير على توليد خوف السلطة -  أو الاثنين معا؟ في كلتا الحالتين، فإن وظيفة الرقابة الاجتماعية مفيد. فإن هي عملت على توليد خوف السلطة، فالفوائد التي تعود على النظام غنية عن التفسير. وإذا زادت غضب الجمهور، ويحتمل أن تزيد التطرف الذي يؤدي إلى مزيد من العنف،  فسوف تبقى حركة المعارضة مجزأة –  وهو الشيء الذي يسهل على النظام تطبيق سياسة فرق تسد.

تصوير العنف الذي تمارسه الدولة على أشرطة الفيديو أو الصور التي تعمم على وسائل الإعلام الاجتماعي تؤدي وظيفة مماثلة لقانون العقاب الجسدي الذي كان موجودا قبل إلغائه. وفي البحرين، اتخذت هذه شكلًا من أشكال الجلد في الأسواق. فالموقع مهم بقدر العقوبة نفسها، وقد اختيرت الأسواق من أجل كسب أكبر عدد من الناس لمشاهدة هذا الحدث. والفرق الوحيد الآن هو أن الموقع المادي لا يحتاج إلى تقييد عدد أولئك الذين يشاهدون العنف الذي تمارسه الدولة. فيديوات العنف تتجاوز الحدود الزمانية والمكانية، وهي بمثابة تذكير دائم بوحشية الدولة.

في الوقت الذي يمكن لفيديوات عنف الدولة على وسائل الإعلام الاجتماعية أن تثير الغضب أيضًا، فإنها لا تزال تعمل على تذكير الناس بكلفة المشاركة في الاحتجاج أو المعارضة. في الواقع، في أوقات الاضطرابات السياسية، تستفيد السلطات من تذكير الجمهور بضعفه من خلال إظهار ما يحدث لأولئك الذين كسروا القواعد. وكما ينص تورك  (1982): التكتيك الأقل همجية هو العرض العلني للجثث المشوهة، أو أشخاص شوهوا بسبب تعذيبهم على أيدي الشرطة. وبإخفاء هذه الانتهاكات، يكون النظام أقل قدرة على استخدام العنف لردع مثيري الشغب المحتملين من الانخراط في مثل هكذا أعمال. نظام شمولي مثل بول بوت، ببساطة يقضي على أي منافس محتمل، ولكن الأنظمة الاستبدادية، الأقل تطرفًا في مقياس الطغيان، سوف تستهدف المعارضين بشكل أكثر تحديدًا، والاستفادة من هذه الحالات من أجل ردع وترهيب بقية السكان.

على الرغم من أن السلطات تحاول الحد من أو منع الناس من تداول صور أو فيديوات وحشية الشرطة أو عنف الدولة، فإن التذكير المتكرر للعواقب الوحشية من الانخراط في المعارضة مفيد. على كل حال، إذا لم يصدق الناس  أن ثمن الانخراط في المعارضة يمكن أن يؤدي إلى التعذيب أو الموت، فإنهم سيكونون أكثر جرأة على تحدي الدولة.

بعض أبحاثي السابقة حول البحرين، التي حللت تعليقات يوتيوب بشأن فيديوات العنف السياسي، أيضا ذات صلة.  فيديوات هكذا نوع من العنف أثارت عموما ردود افعال استقطابية حيث عبر العديد عن موقفهم السياسي والديني. في الواقع، يمكن القول إن فيديوات العنف السياسي هذه قد تسهم في زيادة استقطاب التشرذم بين السنة والشيعة، أو أولئك الذين "يدعمون" و "يعارضون" الحكومة الحالية.  زرع الانقسامات هذا، رغم أنه سيئ بالنسبة للمجتمع، يساعد النظام على تطبيق سياسة فرق تسد. في الانتفاضة الأخيرة، استخدم أنصار الحكومة فيديوات للمحتجين وهم يلقون المولوتوف دفاعًا عن سلوك الدولة، بينما أولئك الذين يريدون الإصلاح يستخدمون فيديوات وحشية الشرطة للفت الانتباه إلى قضيتهم. بهذا المعنى، غالبا ما يكون الموقف السياسي لدى الناس هو من يحدد كيف يفسرون أو يختارون أشرطة الفيديو هذه. وفي كلتا الحالتين، الاستهلاك يظهر  كشكل من أشكال الفاعلية بدلًا من أن يكون تحديًا لنظام يؤمن به المرء.

بعد كل هذا،  فيديوات عنف الدولة تضر بمعنى أنها كارثة علاقات عامة. الاستخدام المستمر للأساليب القهرية قد يكون مفيدًا على المدى القصير، ولكن الإكراه "يزيد التنفير "، ويجعل من الصعب على أي نظام تحقيق أي شرعية ( دالين، و بروسيلاور، 1970، 3). هذه المفارقة المتأصلة يمكن أن تحل جزئيًا عن طريق إبعاد عمل وكلاء الدولة من النخب الذين يستفيدون من هذا النوع من العنف. أي أن الحكومة يمكنها أن تقول إن عنف الدولة المصور على وسائل الإعلام الاجتماعي هو عمل بضعة عناصر فاسدة، بعض رجال الشرطة الذين لم يسيطر عليهم النظام. وبالتالي، سيكون هناك بعض المحاكمات الصورية حيث سيدان عدد قليل من رجال الشرطة، أو في حالة البحرين، تتم إدانتهم ولكن ربما أطلق سراحهم بعد عملية شاقة من المحاكمات والاستئنافات المتكررة. وكما ينص تورك (1982) : المحكمة والقرارات الإدارية التي تبرئ موظفي الضبط القانوني يمكن توقعها في أي دولة.

بطبيعة الحال، كلما كثرت أشرطة الفيديو التي تظهر عنف الدولة ووحشية الشرطة، كلما كان من الصعب على السلطات إقناع الناس بأن هذه الأعمال هي أعمال بضع عناصر فاسدة. وبالتالي فإن تنظيم كمية صور أو أشرطة فيديو حول وحشية الشرطة ربما تكون أكثر حول التحكم في تدفق المعلومات، وتحديد متى ينبغي تذكير الناس بوحشية الدولة، بدلا من أي اعتراض حقيقي لمن يشاهد تلك الأفعال.

ملاحظات ختامية

على الرغم من وجود فائدة من تذكير الناس من العواقب العنيفة للانخراط في المعارضة، فإن الاعتماد على الأساليب القصيرة المدى للقوة القهرية على حساب العمليات السياسية التي تسترضي السكان يمكن تفسيرها بحقيقة أن هذه العمليات تتطلب المزيد من تقاسم السلطة والثروة. وكما ينص تورك (1982) مرة اخرى:

بدائل التخويف قد يكون ببساطة غير مقبول لأنه ينظر إليها على أنها تنطوي على تغييرات لا تطاق في تخصيص الموارد بين المجموعات المتنافسة، حتى إلى درجة تفكيك الهياكل الحالية للسلطة والمكانة.

لذلك وكما أنه ينظر للعنف على أنه خطر سياسي ضروري، الشيء الذي يزيد في أهمية فوائد الحماية المستمرة للموارد مع أولئك الذين يتقاسمون تلك الموارد، فإن تأثير العنف غير المباشر يشكل معضلة أخرى. هل إن فوائد تخويف السكان من خلال تصوير عنف الدولة يفوق السلبيات؟ على كل حال، كيف يمكنك تهدئة السكان دون أن تفعل ما يلي : (أ) تضحية  كبيرة بالسلطة والثروة و(ب)  ترويعهم و (ج) إقناعهم (بغسيل الدماغ) أن النظام الاجتماعي الحالي  معصوم وصادق.

15 أيار/مايو 2013 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus