البحرين راعية التعذيب وعاصمته: قضاء مستخف بدعاوى التعذيب، ونيابة عامة خصم للضحايا

2013-05-22 - 6:07 ص

مرآة البحرين (خاص): حين يكون القضاء استخفافاً، والنيابة العامة خصماً، فإن جريمة التعذيب لن تكون إلا إفلاتاً من العقاب، وسبباً لشراء امتيازات الرضى رفيعة المستوى. 

لم يعد التعذيب في البحرين محل اختلاف في الرؤى أو تعدد لوجهات نظر. المنظمات الدولية والعالمية التي زارت البحرين، أوجع التعذيب قلب تقاريرها، وتقرير لجنة تقصي الحقائق الذي أتى به الملك ليبرئ ساحته، ورّطه أكثر بفضح حجم الانتهاكات والتعذيب في أجهزته التي لا يزال يحميها ويمتدح عملها. 

لا تختلف جهة حقوقية عالمية الآن، أن الدولة التي يقوم دستورها على رفض التعذيب بكل أشكاله، وتقوم قوانينها على معاقبة كل من يقوم بفعل التعذيب، ولديها توقيعاتها على المعاهدات الدولية المناهضة للتعذيب، هي دولة راعية للتعذيب، ومُفرِّخة له.

دستور ضد التعذيب..

تنص المادة 19 من الدستور في الفقرة (د) على أنه: "لا يعرض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي أو للإغراء أو المعاملة الحاطة بالكرامة ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك ويبطل كل قول أو اعتراف نسبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو بالإغراء أو لتلك المعاملة أو التهذيب بأي منها".

معاهدات دولية ضد التعذيب

 
وفي الإطار الدولي فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة (5) على أنه : "لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة".
وينص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت البحرين عليه وأصدرت قانوناً بسريانه وأصبح جزءاً من التشريع الوطني في المادة (7) على أنه: " لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو للإساءة أو الحاطة بالكرامة وعلى وجه الخصوص، لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر".

وحكومة تنفي التعذيب

ظل موضوع جرائم التعذيب منفياً عند النظام وممثليه من الأجهزة الأمنية والقضائية والإعلامية، حتى بعد صدور تقرير بسيوني، لم يصدر اعتراف رسمي من السلطة بارتكابها لجرائم التعذيب، ولا زالت قضايا التعذيب المرفوعة ضد المعذبين شكلية فقط. 

وبالرغم من وجود هذه النصوص فإن ممارسة التعذيب الذي أدى إلى موت العديد تحت التعذيب أو القتل خارج نطاق القانون خلال أكثر من 35 عاماً، لم تتوقف، ولم يقدم أحد للمحاكمة بتلك التهمة إلا بعد الأحداث الاخيره في عام 2011 وبعد تقرير لجنة تقصي الحقائق التي أوصت بذلك. ولم يصدر القضاء حتى تاريخه إلا حكم وحيد بإدانة أحد رجال الشرطة الذين تسببوا في قتل مواطن ومعاقبته بالسجن سبع سنوات، في حين برأت المحاكم آخرين. كما لم تباشر النيابة العامة متابعة الدعاوى المتعلقة بقتل الشرطة بعض المواطنين بحجة أن رجال الشرطة كانوا في حالة دفاع عن النفس وما زال القضاء ينظر قضايا مقتل مواطنين أثناء احتجازهم بمراكز الشرطة.

قضية الرموز نموذجاً..

سنتعرض بهذا الصدد لقضية الـ(21) أو ما تعرف بقضية (الرموز)، كونها مثالاً صارخاً في فضح ادعاءات كل من القضاء والنيابة العامة بـ"النزاهة والاستقلالية وصون العدالة".

أحد أعضاء هيئة الدفاع في هذه القضية، يتحفظ عن نشر اسمه، يقول لمرآة البحرين: "محاكمة قادة المعارضة، تمت دون إجراء أي تحقيق من قبل جهة مستقلة في شكاوي التعذيب، وهو ما ثبت وقوعه بأدلة شملها ملف قضيتهم، ومن المضحك أن تشكل النيابة العامة بعد صدور الأحكام، هيئة تحقيق، تدعي استقلاليتها للنظر في قضايا التعذيب، وهي الجهة المشاركة في نفس الجرم مع القضاء والمحققين داخل المعتقلات وأقبية التعذيب".

لجنة تقصي الحقائق أوضحت في   الفقرات 1694 حتى 1697 و1702 وكذلك الفقرة 1230 ما تعرّض له قادة المعارضة والنشطاء من تعذيب، بهدف الانتقام وانتزاع الاعتراف بالإكراه. وأن ما تعرض له هؤلاء هو ذاته ما تعرض له الكادر الطبي الذي تنازلت النيابة عن "اعترافاتهم" باعتبارها أُخذت تحت التعذيب، وأكدت أمام محكمة الاستئناف عدم التعويل عليها كدليل إثبات ضدهم.

يوضح محامي هيئة الدفاع "أن تقارير خبراء الطب الشرعي التابعين للجنة تقصي الحقائق (لجنة بسيوني)، وكذلك التقارير الطبية للعديد منهم، أثبتت تزامن الإصابات مع وقت اعتقالهم وبعده، يشمل ذلك إفادات قادة المعارضة والنشطاء، التي تضمنت طريقة الاعتقال والتوقيف ومنعهم من الاتصال بأهاليهم ومحاميهم لفترة طويلة وحجزهم في زنازين انفرادية. كما أكد تقرير بسيوني تماثل وسائل التعذيب وتطابقها من حيث المنهج والكيفية".

التحقيق في شكاوى التعذيب.. 

 
هيئة الدفاع تمسكت أمام المحكمة بعدم صلاحية النيابة العامة للتحقيق في شكاوى التعذيب، وذلك لتمسكها بالاعترافات التي يُشتبه (على أقل تقدير) في كونها منتزعة تحت التعذيب. وأنه لابد من التحقيق في قضية التعذيب من قبل قاضٍ مستقل تنتدبه المحكمة خصيصاً لهذا الغرض، وذلك ممكن طبقاً لقانون الإجراءات الجنائية، إلا أن ذلك لم يتم رغم تكرار هيئة الدفاع عن المتهمين له.

كما تمسكت هيئة الدفاع أيضاً، بكون محاكمة (الرموز) تمت تحت نير مخالفات جسيمة لأهم مبادئ المحاكمة العادلة، وتمثلت أهم تلك المخالفات في عدم استجابة المحكمة للعديد من الطلبات الجوهرية للدفاع عن المتهمين، وبعضها يتعلق بأدلة جوهرية لنفي التهم الموجهة لهم. 

أهم الطلبات التي لم تستجب المحكمة لها هي:

1ـ طلب استبعاد الاعترافات المأخوذة تحت التعذيب، أسوة بما تم في قضية الكادر الطبي.

2ـ طلب استبعاد إفادات ومحاضر التحقيق والتحريات المعدة من قبل المتورطين في التعذيب، من أفراد جهاز الأمن الوطني وغيرهم من الجهات الأمنية والعسكرية.

3ـ طلب تعيين لجنة من خبراء محايدين ومستقلين في الطب الشرعي، لفحص (الرموز) وتحديد وقت وسبب إصاباتهم. 

4ـ طلب أن يقوم قاض من المحكمة بالتحقيق في شكاوي التعذيب، بدلاً من النيابة العامة التي تمسكت باعترافات أخذت تحت التعذيب. 

5ـ لم تبت المحكمة في طلب استرداد المقتنيات التي أخذت من منازل (الرموز) أثناء عمليات القبض عليهم دون إذت قضائي بالتفتيش.

بعد صدور قرار محكمة الاستئناف العليا الجنائية، بتأييد حكم محكمة استئناف السلامة الوطنية، أعربت هيئة الدفاع عن أسفها الشديد لما رافق جلسات المحكمة من خروقات قانونية، تجلت أبلغ صورها في عدم الالتزام بحقوق الدفاع، بما فيها حق سماع شهود النفي في جلسة علنية، والتحقيق فيما تعرضوا له من تعذيب، وما واكب إجراءات القبض عليهم من بطلان. الأمر الذي جعل المتابعين يؤكدون على عدم توافر معايير المحكمة العادلة التي تتطلب مراعاة الإطار القانوني المحلي والدولي الحاكم للموقف من التعذيب.

الانفراد بالشهود

يقوم المرسوم رقم 7 لسنة 1976 بتشكيل وإجراءات المحكمة المنصوص عليها في المادة 185 من قانون العقوبات، أي المحكمة الخاصة للجرائم السياسية، حيث يستشف من المواد 2 و6 بأن تقديم الشهود ينفرد به الإدعاء العام فقط وليس للمتهم إلا طلب ضم "أية أوراق أخرى يراها" لملف الدعوى.

هذا الانفراد يحرم المتهم من تقديم البيانات النافية للتهم الموجهة له. وكذلك، فإن حضور الشهود للإدلاء بإفاداتهم ليس ضرورياً، فقد أجاز المرسوم لمحكمة الاستئناف العليا إصدار حكمها، إن أرادت، اعتماداً فقط على أقوال الشهود الواردة في إفادات الشرطة أو الإدعاء العام أو في تحقيقاته. يقول نص المادة رقم 5 من المرسوم رقم 7: "اعتراف المتهم يقع لتقدير المحكمة، سواء اعترف المتهم على نفسه أو على متهمين آخرين، وسواء تم هذا الاعتراف أمام قاضي التحقيق أو أمام المحكمة أثناء نظر الدعوى، أو ورد فقط في تحقيقات الادعاء العام أو في إفادات الادعاء العام أو الشرطة. ويجوز للمحكمة الاستناد في حكمها إلى هذا الاعتراف".

في محاكمة الرموز، غضت المحكمة النظر عن التحقيق في ادعاءات المتهمين بالتعرض للتعذيب لاجبارهم على الاعتراف. ادعت أنها لم تعول على الاعترافات، وأنها اطمأنت إلى أدلة أخرى مستندة إلى شهادات رجال الأمن المبنية على تحرياتهم، والتي غالباً ما تكون مصادرها سرية. 

تجاهل جريمة التعذيب..

لقد نص المرسوم بقانون الإجراءات الجنائية في المادتين 185 و 186 على أن المحكمة الجنائية، تختص بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى المرفوعة أمامها، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. وأنه إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على الفصل في دعوى جنائية أخرى، وجب وقف الدعوى الأولى حتى يتم الفصل في الدعوى الجنائية الثانية.

كما تقرر المادة 16 من ذات القانون أن المحكمة إذا رأت في دعوى منظورة أمامها، أن هناك جناية أو جنحة مرتبطة بالتهمة المعروضه عليها، أن تقيم الدعوى على هؤلاء الاشخاص، أو بالنسبة لهذه الوقائع وتحيلها إلى النيابة العامة لتحقيقها والتصرف فيها، وللمحكمة أن تنتدب أحد أعضائها للقيام باجراءات التحقيق.

لم تمارس المحكمة مثل تلك الصلاحيات لمواجهة شبهة التعذيب الذي ارتكب بحق المتهمين، وهو جريمة مرتبطة بالتهم التي تمت محاكمة المتهمين عليها، ويترتب على ثبوت التعذيب بحق المتهمين بطلان الأدلة، أو ما يسمى بالاعترافات التي انتزعت بهذا الأسلوب سواء بحق المتهم ذاته أو بحق غيره من المتهمين.

قضاء مستخف بالتعذيب..

 
استقلال القضاء في إصدار الأحكام يكون محل نظر وشك، عندما تكون تصريحات كبار المسؤولين ووسائل الإعلام وسرعة إجراء المحاكمات تتجه (أو تكشف عن التوجه) إلى الإدانة مسبقاً، وكذلك ممارسات النيابة العامة وبياناتها المسايره لتوجهات وزارة الداخلية، فضلاً عن تأثر القضاه (أو بعضهم) بإمكانية التأثير في ترقيتهم وتجديد عقود عمل غير البحرينيين منهم.

ومما يحمل على الاعتقاد بعدم توافر إجراءات المحاكمات العادلة، ما جاء في أحد أحكام محكمة الاستئناف العليا في دعوى خاصة بالمتهم محمد حبيب الصفاف (المقداد)، الذي وصلت جملة الاحكام الصادرة ضده بالسجن إلى 96 عاماً، بما فيها الحكم بالمؤبد عليه في قضية (الرموز) المشاراليها. 

القضاء بدلاً من إسقاط الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، فإنه يمارس ما يُعد استخفافاً بالمُعذَّب (أي الذي وقع عليه التعذيب)، وتشكيكاً في أصل التعذيب الذي تعرض له. جاء في بيان الحكم الصادر: "التعذيب الذي تعرض له المتهم محمد حبيب منصور، والذي اطنب في سرده في مذكرته آنفة البيان بما يفوق كل تصور وخيال - ومع التسليم بصحته - فإن المحكمة تستخلص من تعدد وسائل التعذيب واستمراريتها وقسوتها على نحو ممنهج على الفرض بصدق وصحة ما جاء بالمذكرة - إن الغرض منها كان الانتقام والتشفي وليس حمل المذكور على الاعتراف بتلك الجريمة. ومتى خلصت المحكمة إلى ما تقدم فإنها لا تعول على ما قرره المتهم المذكور بمذكرته المرفقة من أنه تعرض للتعذيب والإكراه لحمله على الاعتراف".

النيابة العامة الخصم

ما تقدم يوضح ملابسات نظرة القضاء المتراخية تجاه ظاهرة التعذيب، أما النيابة العامة فإن دورها واستقلالية عملها (فعلاً لا قولاً) عن السلطة التنفيذية وقناعة العاملين في النيابة بدورهم في مناهضة التعذيب يؤثر إيجابيا في تحقيق المحاكمات العادلة.

في مؤتمر الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في الفترة من 27 أغسطس حتى 7 سبتمبر 1990 في هافانا، جاء في البند 12: "على أعضاء النيابة العامة أن يؤدوا واجباتهم وفقاً للقانون بإنصاف واتساق وسرعة، وأن يحترموا كرامة الإنسان ويحموها ويساندوا حقوق الإنسان، بحيث يسهموا في تأمين سلامة الإجراءات وسلامة سير أعمال نظام العدالة، كما يتعين عليهم حماية المصلحة العامة والتصرف بموضوعية   والمراعاة الواجبة لموقف كل من المتهم والضحية والإهتمام بكافة الظروف ذات الصلة سواء كانت لصالح المتهم أو ضده".

غالباً ما يتم تدوين عبارات في محاضر استجواب المتهمين: "أنه تم سؤال المتهم عن ما اذا كان معه محام فأجاب بالنفي وناظرناه ووجدناه سليماً ولا توجد عليه آثار إصابات وأنه قد تم إفهامه بالتهم الموجه إليه ".

لكن ما عايشه المحامون من خلال مشاهداتهم، أو من خلال التقارير الطبية، أثبتت وجود إصابات في العديد من المتهمين لدى تولي النيابة التحقيق. فضلاً عن السماح بنشر صور المتهمين وتفاصيل الاعترافات قبل الانتهاء من المحاكمة، ما يخرج النيابة العامة عن الحياد وجعلها خصماً للمتهمين، وهو ما اشتركت فيه وزارة العدل، الأمر الذي أخرجهما عن الحياد وحولهما إلى خصوم للمتهمين. كما عمل كل منهما على كيل الاتهامات في وسائل الإعلام والقطع بحصولها مستبقين حكم القضاء كما حصل في قضية الكادر الطبي التي ثبت كذبها وزيفها، وكذلك قضية نشطاء وقادة المعارضة.

خلاصة..

حين يكون القضاء استخفافاً، والنيابة العامة خصماً، فإن جريمة التعذيب لن تكون إلا إفلاتاً من العقاب، ووسيلة لشراء امتيازات الرضى والهبات والعطايا الخاصة.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus