جون تيمَني ومملكة البحرين: تبييض انتهاكات حقوق الإنسان وقمع ثورة شعبية

2013-06-10 - 3:03 م

كريس هيرميس، هاف بوست ورلد
ترجمة: مرآة البحرين 

على مدى عقود، وشعب البحرين لم يزل يحتج على الملكية التي ناهز عمرها الـ 200 عام، الملكية التي حكمت منذ عام 1783 المملكة الجزيرة الصغيرة في الخليج والمكونة من مليون نسمة. وقد كانت التوترات قائمة منذ فترة طويلة بين النخب السنية الحاكمة والأغلبية الشيعية من السكان، الذين كثير منهم من يقول إنهم يواجهون التمييز الممنهج في العمل والسكن والتعليم والحكومة.

إلا أن المظاهرات التي اندلعت في البحرين خلال الربيع العربي قبل عامين تمثل حركة ناشطة متجددة، رغم أنها قوبلت بالقمع الكثيف والواسع النطاق من قبل الملك حمد بن عيسى آل خليفة. رد فعل الحكومة العنيف تجاه الانتفاضة الشعبية في البحرين قاد إلى صدور تقرير مستقل لاذع في عام 2011، والذي بدوره أجبر المملكة على توظيف شركات ساحر العلاقات العامة ورئيس الشرطة السابق جون تيمَني، المعروف بأساليبه البوليسية القمعية  التي استخدمت ضد المعارضين السياسيين في الولايات المتحدة.

والآن، وبعد أكثر من عامين على الانتفاضة، شارف عقد تيمَني على الانتهاء وتقييم الوضع في البحرين قاتم.  وانتهاكات حقوق الإنسان مستمرة بلا هوادة، وبكل الدلائل، فإن جهود الحكومة في استخدام تيمَني لتبييض القمع السياسي قد فشل فشلا ذريعا.

البحرينيون ينضمون إلى الربيع العربي، ولكن الولايات المتحدة تتجاهل القمع العنيف الذي تمارسه المملكة.

مع زخم الثورات الشعبية في تونس ومصر، وباستخدام نفس أساليب التنظيم عبر الإنترنت، أجرى النشطاء البحرينيون مظاهرات ضخمة في 14 شباط/فبراير 2011، تطالب بإصلاحات اقتصادية وسياسية. خرج الآلاف من الناس في جميع أنحاء الدولة الجزيرة إلى الشوارع وراحوا يهتفون ويلوحون باللافتات. طالب المحتجون بوظائف وفرص حياة أفضل، وكذلك بدستور جديد وتغييرات ديمقراطية وصولا إلى برلمان وحكومة أكثر تمثيلية وفعّالة.  "نريد إصلاحات حقيقية وبرلمان حقيقي منتخب من قبل الشعب وبسلطة تشريعية حقيقية"، قالت مريم الخواجة من مركز البحرين لحقوق الإنسان. واضافت : "نريد دستورًا مكتوبًا من قبل الشعب".

وفي نهاية المطاف التقت المظاهرات في ذلك اليوم عند نصب اللؤلؤة، أو دوار اللؤلؤة، في العاصمة المنامة وهو نظير ساحة التحرير في القاهرة. ولكن منذ الصباح الباكر وحتى الغسق، راحت قوات الأمن الحكومية تهاجم دون سابق إنذار أي مجموعة تتجرأ على التجمع في الشارع. وراحت تطارد الرجال والنساء والأطفال، تطلق عليهم الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع. ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز "الغاز المسيل للدموع كان كثيفًا جدًا، ويطلق بأسلوب حتى رجال الشرطة كانوا يستسلمون ويسقطون على الأرض للتقيؤ".

ولبضعة أيام، خيم المحتجون تحت نصب اللؤلؤة في وسط دوار مروري كبير، والتي جاءت لترمز إلى الثورة البحرينية، ولكن في اليوم الثالث أخلت قوات الأمن الموقع بعنف مستخدمة الغاز المسيل للدموع والهراوات والرصاص الانشطاري (الشوزن). وفي وقت لاحق هدمت الحكومة النصب لحرمان المحتجين من نقطة تجمع.

وعلى مدى ستة أسابيع، واصلت المملكة حملة القمع العنيفة ضد المعارضين. وأعلن نظام آل خليفة الأحكام العرفية في آذار/مارس 2011، تمثلت بإقرار قانون السلامة الوطنية. واستقدمت أيضا قوات من جارتها السعودية والإمارات العربية المتحدة للمساعدة في قمع الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية. وخلال هذه الفترة، قتل 35 شخصًا، وأصيب مئات آخرون، وسجن الآلاف، بما في ذلك أطباء وممرضون وممرضات بتهمة علاج الجرحى المعارضين. "البحرين الآن هي دولة تتصرف فيها الشرطة بأسلوب الإفلات التام من العقاب"، جو ستورك من هيومن رايتس ووتش أخبر الـ بي بي سي في نيسان/أبريل 2011.  وأضاف : " ليست هناك مساءلة، ولا حتى محاولة لإخفاء ما يجري".

عنف وقمع قوات الأمن كان قاسيًا جدًا، مما أجبر الملك حمد على انشاء لجنة تحقيق مستقلة في حزيران/يونيو 2011، بقيادة أستاذ القانون محمود شريف بسيوني من مصر. نشرت لجنة البحرين المستقلة لتقصي الحقائق تقريرًا يحمل انتقادات حادة في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وقد وجدت أن نظام آل خليفة الذي يهيمن عليه السنة قد استخدم شرطته، وقوات أمنه، والإجراءات القضائية لقمع الانتفاضة التي معظمها من الشيعة. ووجد التقرير أن الشرطة متورطة في استخدام القوة المفرطة،وذلك بـ " الاستخدام غير المتناسب للغاز المسيل للدموع" والتعذيب  "الواسع النطاق". فمن أصل 35 شخصا قتلوا خلال شهري شباط/فبراير و آذار/مارس 2011، قتل خمسة جراء التعذيب أثناء الاحتجاز.

قدمت لجنة تقصي الحقائق عدة توصيات للحكومة، تضمنت تشكيل هيئة تحقيق مستقلة، ومقاضاة المسؤولين عن التعذيب، وإعادة تدريب قوات الأمن.

وبعد شهر من إصدار اللجنة تقريرها، في كانون الأول/ديسمبر 2011،  عُرض على جون تيمَني عقد لمدة عامين للعمل كمستشار خاص للشرطة في وزارة الداخلية البحرينية. والجدير بالذكر، أن تيمَني قد تم تجنيده من قبل نظام  آل خليفة مع جون يايتس، مساعد المفوض السابق لشرطة العاصمة البريطانية والذي استقال في وقت سابق من ذلك العام بسبب الانتقادات التي وجهت إليه في فضيحة قرصنة المكالمات الهاتفية.

وبعد شهر، في كانون الثاتي/يناير 2012، بدأ تيمَني حملة العلاقات العامة من خلال إجراء مقابلة مع روبرت سيغل من الإذاعة الوطنية العامة لمناقشة منصبه الجديد. وفي الوقت الذي كان تيمَني يحاول فيه تبييض صورة نظام آل خليفة على الساحة الدولية،  كانت وسائل الإعلام الرئيسية في الغرب تتجاهل إلى حد كبير الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في البحرين.

لماذا جون تيمَني؟

ليس على المرء أن يطيل النظر كثيرًا ليرى لماذا قام الملك حمد باستقدام جون تيمَني. فالآن أحد كبار المديرين لدى أندروز الدولية وهي شركة أمنية دولية في لوس أنجليس، والقائد السابق لشرطة ميامي وفيلادلفيا  لطالما اعتبر "وسيطًا في أعمال غير مشروعة".

فخلال ما يقرب من 30 عامًا من العمل في شرطة نيويورك، ساعد تيمَني في تنفيذ سياسة"النوافذ المكسورة" البوليسية المثيرة للجدل للمايور رودي جولياني وأشرف على ما يسمى أعمال الشغب في تومبكينز سكوير بارك  سنة 1988، والتي اتسمت بالوحشية العشوائية للشرطة. وبالوقت الذي غادر فيه شرطة نيويورك في عام 1996، ترقى تيمَني إلى نائب المفوض.

وبعد ذلك أجبر تيمَني على منصب مفوض شرطة فيلادلفيا في عام 1998 لمعالجة الانتقادات القائلة بأن شرطة المدينة غير فعالة وفاسدة. الا أن طريقة تعامله مع الاحتجاجات المناهضة للمؤتمر الوطني الجمهوري عام 2000  ألقت بظلالها على أية تحسينات بوليسية كان يمكن ان ينفذها في سيتي أف برزرلي لاف. قبل الاحتجاجات المناهضة للمؤتمر الوطني الجمهوري،  وضع تيمَني استراتيجية مع مسؤولي الشرطة في سياتل ردت بعنف على الاحتجاجات المناهضة لمنظمة التجارة العالمية في أواخر عام 1999، وأيضا مع رئيس شرطة العاصمة تشارلز رامسي الذي أشرف على حملة القمع التي قامت بها الشرطة ضد المحتجين على صندوق النقد الدولي / البنك الدولي  في أوائل عام 2000.

من خلال التعلم من أخطاء الماضي، بدأ تيمَني تطوير نموذج بوليسي جديد للمظاهرات السياسية، والذي نفذه بشكل حاذق في فيلادلفيا. فقد كان تيمَني مسؤولًا عن: إجراء رقابة شديدة على المتظاهرين السلميين، مداهمة استباقية لمواقع الناشطين،استخدام شرطة ولاية بنسلفاينيا لتسلل الجماعات السياسية من أجل الالتفاف على مرسوم المدينة  1987 الذي يحظر هذه الأعمال، وقيل إنه تعامل بوحشية مع عشرات المتظاهرين في الشوارع  والسجن، و اعتقل ظلما أكثر من أربعمائة شخص.

انتهاكات لا حصر لها للحقوق المدنية، وناهيك عن الفصل الجماعي لجميع الحالات الجرمية، فقد أفلت تيمَني إلى حد كبير من عواقب أفعاله-  أكانت بشكل قانوني أم غير ذلك. فبعد الاحتجاجات، قال تيمَني لمحقق فيلادلفيا أن "الهدف الأسمى"  للشرطة " لم يكن رؤيتها على نشرة أخبار الساعة السادسة وهي تنهال ضربًا على المحتجين"، وقد نجح في  الهدف هذا في معظمه. وبطريقة أورويلية [نسبة إلى الروائي جورج أورويل]، فقد أثنى المايور ستريت ومسؤولون آخرون في المدينة على تيمَني لضبطه الأمور في التعامل مع الاحتجاجات المناهضة للمؤتمر الوطني الجمهوري. وهذا الاعتراف ساعد في دفع تيمَني وأساليبه في السيطرة على الحشود إلى المسرح الوطني.

وفي أواخر عام 2002، عين تيمَني ليصبح رئيس شرطة ميامي، حيث أشرف على واحدة من أعنف ردود فعل  الشرطة في التاريخ الحديث على احتجاجات مناهضة لمنطقة التجارة الحرة للأمريكتين في تشرين الثاني/نوفمبر 2003.  لم يستخدم تيمَني فقط التكتيكات البوليسية التي أظهرها في فيلادلفيا، مثل التسلل، والاقتحام الوقائي والاعتقالات الجماعية، بل استخدم أيضا كميات هائلة من الأسلحة ضد المتظاهرين السلميين، بما في ذلك الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل الحار، والرصاص المطاطي والخشبي، وعبوات من كرات الرصاص، ومسدسات الصعق الكهربائي والدروع الكهربائية، ناهيك عن اللكمات والهراوات. وقال قاضي من فلوريدا، كان قد ترأس القضايا الجنائية لمنطقة التجارة الحرة، وشهد الهجمات على المحتجين، في جلسة علنية أنه رأى 20  جناية على الأقل  ارتكبها ضباط الشرطة أثناء المظاهرات.

وعلى الرغم من العنف الموثق جيدًا والقمع السياسي في ميامي، يصف المايور ماني دياز استجابة تيمَني  للاحتجاجات المناهضة لمنطقة التجارة الحرة للأمريكتين بأنها "نموذج للدفاع عن الوطن". وهكذا، وُلد "أسلوب ميامي" في استخدام الشرطة ضد المظاهرات السياسية. في الواقع، من المرجح أن قدرة تيمَني الفريدة في قمع الاحتجاج غير المرغوب فيه، وتبرير الاستخدام المفرط للقوة والحفاظ الظاهري على الانضباط، من أقنع نظام آل خليفة في استقدامه بعد ثماني سنوات.

ازدياد القمع السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان

اليوم، وبعد عام ونصف من بدء تيمَني العمل مع وزارة الداخلية في البحرين، يبدو أنه ليس هناك أي تقدم يذكر سواء على الصعيد السياسي أو الشرطة. تيمَني ووزارة الداخلية يزعمان أنهما قد نفذا عددًا من التدابير الرامية إلى الحد من انتهاكات حقوق الإنسان، ولكن حتى الآن يبدو أنهما قد فشلا فشلًا ذريعًا. الناشطة البحريني المعروفة زينب الخواجة (أخت مريم) علقت في صحيفة نيويورك تايمز في كانون الأول/ديسمبر الماضي عن الحالة الديمقراطية في بلادها.

أن تخرج إلى الشوارع ولا تحمل سوى علم والدعوة للديمقراطية يكلفك حياتك هنا. وأن تهتف "يسقط الديكتاتور" يمكن أن يؤدي إلى تعرضك لصدمات كهربائية. وأن تلقي خطابًا حول حقوق الإنسان والديمقراطية قد يؤدي بك إلى السجن مدى الحياة.  فهناك رضع قتلوا بعد الاختناق  بالغازات السامة المستخدمة من قبل شرطة مكافحة الشغب. ومراهقون من المحتجين قتلوا بعد إطلاق النار عليهم.

اعتقلت زينب الخواجة عدة مرات منذ انتفاضة شباط/فبراير 2011 وحاليًا هي في السجن بتهمة "إهانة شرطي" والمشاركة فيما يعتبره نظام آل خليفة  "تجمع غير قانوني". ونبيل رجب، الذي كان يدير مركز البحرين لحقوق  الإنسان، ألقي القبض عليه بتهم مماثلة بعد إجراء مقابلة مع برنامج ذي جوليان أسانج على قناة آر تي في  وفي وقت لاحق حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات في آب/أغسطس 2012.
   
                               زينب الخواجة

وبعد وقت قصير من وصوله إلى البحرين، تفاخر تيمَني بما أسماه إجراء عدد من الإصلاحات، بما في ذلك إصلاح العملية التحقيقية الداخلية للشرطة، واستقدام  500 عنصر جديد، وتركيب كاميرات فيديو ذات الدوائر المغلقة في مراكز الشرطة كجزء من القانون الجديد. وفي آذار/مارس 2012، سمحت وزارة الداخلية للصحفيين القيام بجولات بصحبة مرشدين إلى مركز الشرطة في المنامة لرؤية أجهزة التسجيل الجديدة، ولكن جماعات حقوق الإنسان يقولون إن المحتجين غالبًا ما يوضعون ويعذبون في مواقع أخرى قبل جلبهم إلى مراكز الشرطة.

وفي نفس الوقت تقريبًا، قال الملك حمد لمجلة دير شبيجل الألمانية إن هناك سجناء سياسيين في البحرين. "لا يتم القبض على الناس لأنهم يعبرون عن آرائهم" وقال: "لدينا مجرمين فقط". إلا أن  هذه الادعاءات تم رفضها بشكل قاطع من قبل جماعات حقوق الإنسان والمعارضين.  ففي أوائل هذا الشهر، على سبيل المثال، حكم على ستة نشطاء   بالسجن لسنة واحدة بسبب تغريداتهم التي قيل إنها اهانت الملك حمد. وفي الأسبوع الماضي فقط، ذكرت منظمة حقوق الإنسان أولًا أن ثلاثة معارضين بارزين حكم عليهم بالسجن لمدة ستة أشهر بسبب "تجمعات غير قانونية." أحد السجناء، ناجي فتيل، كان قد اختطف من منزله وتعرض للتعذيب صعقًا بالكهرباء في غضون أيام من اعتقاله، وفقا لجمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان.

وواحدة من أكثر الأمثلة وضوحا في عدم تسامح النظام مع المعارضة هي حالة عبد الهادي الخواجة، الرئيس السابق والمؤسس المشارك لمركز البحرين لحقوق الإنسان، الذي تعرض للضرب حتى فقدان الوعي أمام أسرته قبل أن يلقى القبض عليه في نيسان/أبريل 2011. وحوكم الخواجة من قبل محكمة عسكرية في نفس العام، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة لمشاركته في مظاهرات مناهضة لنظام آل خليفة. ووفقا لابنته مريم، نائب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، فقد تعرض الخواجة للتعذيب مرارًا أثناء احتجازه. وفي العام الماضي، أضرب الخواجة  عن الطعام لمدة 110 أيام احتجاجًا على استمرار سجن المعارضين، ولكن تجربته كادت تودي به إلى التهلكة.

كلما وجهت إليه اتهامات التعذيب، يسرع نظام آل خليفة إلى رفض المزاعم. "هذه ليست ثقافتنا، وليس موقفنا أو سلوكنا"، قال وزير الدولة لشؤون الإعلام في البحرين في وقت سابق من هذا العام ردًا على تقارير التعذيب. "نحن متحضرون جدًا، ومعلمون". وتستمر هذه المزاعم حتى اليوم.

ووفقا للتقارير المقدمة إلى صحيفة وول ستريت جورنال في شهر آذار/مارس، فإن قوات الأمن البحرينية استخدمت التعذيب، بما في ذلك الضرب والصعق بالكهرباء والتعليق على الحبال من أجل انتزاع الاعترافات من الأشخاص الذين قبض عليهم في  العاصمة المنامة العام الماضي. وقالت شقيقة أحد السجناء إن شقيقها وضع  في الحبس الانفرادي لمدة سبعة أشهر، وتعرض للضرب، والحرق، قبل أن يرغم على الاعتراف. سجين آخر وهو الصحفي أحمد رضي تعرض للكم في الرأس والصدر والوجه، والضرب بالعصي لمدة 48 ساعة، قبل أن يعترف برمي قنابل المولوتوف. وينفي جميعهم  التهم الموجهة إليهم.

وفي الوقت نفسه، تبذل مملكة البحرين قصارى جهدها لمنع أي تحقيق ذي مغزى في مزاعم التعذيب. فالشهر الماضي، منع نظام آل خليفة زيارة خوان منديز، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب، بعد أكثر من عام على رفض الحكومة زيارة مماثلة من قبل منديز ومنظمة العفو الدولية.
استخدام الغاز المسيل للدموع بالقوة المميتة

كانت لجنة البحرين لتقصي الحقائق قلقة إزاء استخدام الغاز المسيل للدموع من قبل قوات الأمن في البحرين وكان قد إشير إليه في تقريرها باعتباره مشكلة خطيرة. وعلى وجه الخصوص، الطريقة التي استخدم فيها الغاز المسيل للدموع ضد المعارضين، ولا يزال، قضية مثيرة للجدل.

 تيمَني، الذي استخدمت شرطته الغاز المسيل للدموع على نطاق واسع خلال الاحتجاجات المناهضة لمنطقة التجارة الحرة للأمريكيتين في ميامي عام 2003، ما زال يخادع حول استخدامها في البحرين. ففي شباط/فبراير من العام الماضي، قال تيمَني لرويترز إنه يعتقد أن الغاز المسيل للدموع قد قل استخدامه منذ أن أصدرت اللجنة المستقلة تقريرها في تشرين الثاني/نوفمبر 2011. واليوم،تقول جماعات حقوق الإنسان إن 25 شخصًا على الأقل قد قتلوا نتيجة لاستنشاق الغاز المسيل للدموع المفرط (نحو ثلث الذين قتلوا خلال الانتفاضة لمدة سنتين)، و 18 منهم ماتوا بعد تقرير لجنة تقصي الحقائق.

كما دافع تيمَني علنا عن استخدام الغاز المسيل للدموع، مدعيا أن الشرطة حاولت "خلق مسافة بينها وبين عصابات المشاغبين"، وقال إنها أفضل من استخدام "الرصاص الحي". إلا أنه، وخلافا لادّعاء تيمَني، فإن هناك ممارسة شائعة من قبل الشرطة البحرينية وهو إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع داخل السيارات والمنازل من أجل خنق الناس (وترويعهم). وقد هوجمت منازل العديد من البحرينيين رفيعي المستوى، بما في ذلك نبيل رجب وعلي سلمان، زعيم حزب الوفاق، بمثل هذا الأسلوب.
   

وثمة نزعة أخرى تنذر بخطر الشرطة في البحرين وهو إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع مباشرة على المتظاهرين. وحسب صحيفة الوفاق، فإن خمسة أشخاص قتلوا وأكثر من اثنتي عشرة حالة إصابة خطيرة في العين والرأس بسبب قنابل الغاز المسيل للدموع على مدى العامين الماضيين. وقال تيمَني لهيئة الإذاعة البريطانية في شباط/فبراير إن قنابل الغاز المسيل للدموع يمكن أن تكون أسلحة فتّاكة، ولكنهم لم يكونوا عازمين على استخدامها بهذه الطريقة. وأكد أنه لا ينبغي للقنابل أن تطلق على مستوى الرأس، وبدلًا من ذلك يجب أن تطلق في الهواء أو تدحرج على الأرض، ولكن لعل الشرطة في البحرين لم تحصل على هذه الملاحظة. وفي مقابلة مع تيمَني في نفس الشهر في هيئة الإذاعة البريطانية، توفي محمود الجزيري (20 عاما)  بعد أن أصابته قنبلة غازية في رأسه.

تقارير حول الانتهاكات

في غياب التحقيقات الرسمية للأمم المتحدة، تحاول جماعات حقوق الإنسان فضح الانتهاكات، ولكن غالبا ما يتم تجاهل جهودها أو قمعها من قبل نظام آل خليفة. بحرين ووتش تقوم على تجميع لقطات الفيديو الكثيرة حول انتهاكات الشرطة وتحميلها إلى الإنترنت، ولكن وزارة الداخلية قد فشلت حتى الآن  حتى في الاستجابة لفيديوات  وحشية الشرطة التي يجري تعميمها على نطاق واسع في وسائل الإعلام الاجتماعي.

الصحفيون أيضا ناضلوا للحصول على كلمة. ووفقا لمريم الخواجة، فقد كان هناك "استهداف ممنهج للصحافة في البحرين"، بما في ذلك العديد من الاعتقالات والقتل والتعذيب، وخاصة الصحفيين المحليين أو المستقلين. وقد نفى نظام آل خليفة أيضا طلبات التأشيرات، بما في ذلك نيكولاس كريستوف من صحيفة نيويورك تايمز، وتم طرد الصحفيين غير المرغوب فيهم من البلاد. وإجبار طاقم كان برفقة القناة البريطانية  (آي تي أن) لمغادرة البحرين فجأة بعد الإبلاغ عن الاحتجاجات التي تجري بالقرب من المنامة في الفترة التي سبقت سباق الجائزة الكبرى الشهر الماضي.

ماذا الآن؟

مع بقاء ستة أشهر فقط لانتهاء عقد تيمَني، فإنه حان الوقت لبدء إجراء تقييم للنتائج. فرغم جهوده في كبح جماح الشرطة وتحقيق قدر أكبر من المساءلة عن أعمالهم، فإن الوحشية ضد المتظاهرين قد تفاقمت عند حراسة تيمَني. فقد قتل 87 شخصًا على الأقل على أيدي الشرطة منذ بدء الانتفاضة، وأكثر من النصف منهم قتلوا بعد وصول تيمَني إلى البحرين. وجرح واعتقل الآلاف خلال المظاهرات السياسية.

وقالت مريم الخواجة في وقت سابق من هذا الشهر لصحيفة ديمكراسي ناو : " نرى  الآن الأشياء نفسها التي رأيناها قبل عامين، وحتى أكثر من ذلك". وأضافت:  "نحن نشهد تدهورًا في حالة حقوق الإنسان."

ولكي نكون منصفين، ورغم ذلك، فإن تيمَني لا يلام كليًا. على البلد التي ينحدر منها أن تحمل على عاتقها بعضًا من تلك المسؤولية. على كل حال، البحرين حليف استراتيجي للولايات المتحدة وموطن لأسطول البحرية الخامس، القاعدة البحرية الأمريكية الأساسية في الشرق الأوسط، والتي تقوم دورياتها بالملاحة في الخليج، لمساعدة بعثاتها في أفغانستان، ورصد إيران في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات في المنطقة.

والأخطر من ذلك ربما، هو استمرار الولايات المتحدة تزويد نظام آل خليفة بالأسلحة. في تشرين الأول/أكتوبر 2011، جمدت الولايات المتحدة رمزيًا اتفاق الدفاع مع البحرين والذي يقدر بـ 53 مليون دولار إلى ان قامت المملكة بسن إصلاحات سياسية وحقوقية استنادًا إلى التوصيات الواردة في تقرير لجنة تقصي الحقائق. إلا أنه وعلى الرغم من الافتقار إلى الإصلاح،  استأنفت الولايات المتحدة مبيعات الأسلحة إلى البحرين في أيار/مايو 2012.

الشهر الماضي، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرًا ينتقد "المشاكل الخطيرة لحقوق الإنسان" في البحرين، بما في ذلك:
 المواطنون عاجزون عن تغيير حكومتهم سلميًا؛ واعتقال واحتجاز المحتجين بتهم غامضة، وتؤدي في بعض الحالات  إلى تعرضهم للتعذيب في المعتقل، وعدم مراعاة الأصول القانونية في محاكمة الناشطين السياسيين والحقوقيين.

ولكن، قد يقول البعض إن تقرير وزارة الخارجية هو تافه جدًا ومتأخر جدًا. فمطالما بقيت حكومة البحرين غير مجبرة في مواجهة أي عواقب حقيقية لأعمالها، فسوف تستمر في الاعتقاد بأن لديها حصانة دولية. في أواخر العام الماضي، قبل أن تسجن بسبب التعبير عن آرائها السياسية، كتبت زينب الخواجة هذه الكلمات الرصينة في صحيفة نيويورك تايمز:

إذا كانت الولايات المتحدة جادة بشأن حماية حقوق الإنسان في العالم العربي، فإنه ينبغي عليها وقف جميع مبيعات الأسلحة إلى البحرين، وجذب انتباه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى الانتهاكات في البحرين، ودعم جلسة استثنائية حول البحرين في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وبدء الحديث عن عقوبات اقتصادية  ودبلوماسية محتملة. يجب على إدارة أوباما أيضا المطالبة بمحاسبة المسؤولين البحرينيين رفيعي المستوى عن انتهاكات حقوق الإنسان،  والسماح للمنظمات غير الحكومية، ومحققي الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والصحفيين من دخول إلى البلاد والتحقيق في الانتهاكات.

وهكذا، ربما نهاية فترة تيمَني في البحرين تمثل نقطة تحول. فالعناصر المتصدية لحملة القمع العنيفة ضد المعارضة هم حقًا أمامنا، وفشل تيمَني يجعلها اكثر صخبًا. وما تبقى هو التمسك بمبادئ الاحترام غير المشروط لحقوق الإنسان، والسماح للثورة الشعبية في البحرين أن تزدهر وتنجح.

* كريس هيرميس  قدم الدعم للمحتجين السياسيين خلال حملة تيمَني على المعارضة في كل من فيلادلفيا (2000) وميامي (2003).

30 أيار/مايو 2013 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus