«التورّط» البحريني في سوريا: إلى «السياحة الجهاديّة» در!

2013-06-10 - 8:21 ص


مرآة البحرين (خاص): كان لشارل ديجول، الزعيم الفرنسي، الفضل في وضع هذه المقولة التي غدت رائجة في مجال السياسة الدولية: «إذا تحدثت في السياسة، فانظر إلى الخارطة أولاً». ما يفعل المسئولون البحرينيّون، هو العكس تماماً. إنهم يغرقون شيئاً فشيئاً في النزاعات الإقليمية التي تضيف أعباءاً على البلد الصغير الذي يفتقر إلى الموارد فيما لا تكاد تجاوز مساحته 600 كيلومتر مربعا.

منذ 14 فبراير/ شباط 2011، ارتاحت العائلة الحاكمة إلى مقاربة خارجيّة لأزمتها تتهم إيران بالتدخل في شأنها الخاص. واستدعت لذلك، قوات خليجية لسحق انتفاضة شعبية تسبب فيها الملك بانقلابه على وعود قطعها للمعارضة حين تسلمه الحكم. عوضاً عن حلّ مشكلاتها، صارت البحرين ترسل «الجهاديين» السلفيين إلى سوريا.
 
فما بدا على أنه تورّط في الإقليم عبر التوطئة لدول الجوار كي يحسموا مشكلة داخلية خالصة، اتسعت الآن دائرته، وصار «تورّطاً» في أزمات الشرق الأوسط برمّته.

مرت سنتان ونصف منذ اندلعت انتفاضة 14 فبراير/ شباط، فيما ما تزال الأزمة تراوح مكانها، معطوفة على حلّ مؤجّل. ومؤخراً ازدادت الأصوات التي ترى أن أيّ حل لن يطال البحرين إلا من خلال سلة تسويات إقليمية شاملة في المنطقة. تبعاً لذلك، يزداد غرق الحكومة البحرينية في  مكان آخر: سوريا.

حتى الآن، استطاعت العائلة الخليفية أن تحظى بأرباح «مؤقتة» من جراء مقاربة أزمتها الداخلية  بوضعها في سياق أمن منظومة مجلس التعاون الخليجي، وتوزيع التبعات عليها. يجادل محللون أن ذلك خفف عليها دفع ضريبة التملّص من ضغوط حلفائها الغربيين؛ وحتى تليينها. 

وسبق لوزير خارجيتها خالد بن أحمد آل خليفة أن أشار إلى أن الدول الخليجية واجهت الضغوط الغربية على البحرين، بمعاملتها كـ«كتلة» واحدة، منعت الاستفراد بها. فيما تقرّ تقارير كثيرة صادرة عن مراكز دراسات قريبة من تصوّرات الإدارة الأميركية الحالية بعجز  الأخيرة عن إحداث أي تأثير يذكر على مسار الأزمة في البحرين، رغم محاولاتها المتكررة بهذا الصدد. أما الأسباب فتعزوها إلى «التعنت السعودي الحاسم». 
   

إذا صحّ هذا بشأن الإدارة الأميركية، فمن المرجّح أنه يصحّ أيضاً على مقاربة الإدارة البريطانية التي تهمس دوائر المعارضة بأنها أعادت رسم مواقفها مؤخراً من الأزمة البحرينية، عبر استدارة شبه كاملة قلّصت فيها من حجم التناقض مع رؤية الحكم.

لكن إذا كانت تلك أرباحاً جناها الحكم من جراء توزيع أعباء أزمته على الجوار الخليجي، فليس معلوماً بعد، عن ماهية الأرباح التي يمكن أن يجنيها، من جراء الزج ببلده أبعد من ذلك، في الملف السوري الشائك. 

في أغسطس/ آب الماضي، تسلل وفد برلماني بحريني مخترقاً الأراضي السورية، والتقى بجهاديين من جماعة «صقور الشام». ثم علقت السلطات بنفي «أن يكون الوفد رسمياً يمثل حكومة البحرين». 

وخلال الأسبوع الماضي، قتل 4 شبان بحرينيين في الأقل في صفوف جبهة النصرة في معارك قتالية بسوريا ضد الجيش النظامي، واتضح لاحقاً أن أحدهم ينتمي إلى صفوف قوة الدفاع البحرينية. لكن السلطات اكتفت بتمرير تعليق وعظي إلى الصحف يحث الشباب البحريني على «عدم الزج بأنفسهم في النزاعات الإقليمية». فيما لم تعلن عن القيام بأية إجراءات للتحقيق في ذلك أو حتى إبراز موقف القانون البحريني. 

وسط ذلك، تغص المنتديات الإلكترونية بإعلانات عن حملات «تجهيز غازي» التي تقام في الجوامع البحرينية، بهدف إعداد الجهاديين المقاتلين في جبهات القتال العالمية. وتنشط لأجل لذلك، جولات الدعاة السلفيين الخطرين «المكوكية» الذين يزورون البحرين علانية لجمع الأموال للمجاهدين.

تميز حكومة البحرين عملها على صعيد الأزمة السورية بالتواري خلف «التورية القاتلة» المتمثلة في المساعدات الخيرية والإنسانية. فيما تترك الباب نهباً للتيارات السلفية الموالية لها، لاستخدام المقاربة التي تناسبها: «العمل الجهادي العنيف». على هذا، تأخذ الحكومة «شرف» الموقف الإنساني إزاء شعب عربي يتعرض إلى محنة، هي الأكبر في تاريخه الحديث. وهذا مفهوم إن لم يكن واجباً. فيما تترك العنان لمواليها لـ«النضال» على «شرف» الجهاد العالمي الذي يقوده تنظيم «القاعدة»، الحاضنة الأكبر لاستيعاب المجهادين العرب والأجانب.

لاتوجد أي معلومات عن تعداد الشبّان البحرينيين الذين يقاتلون في سوريا. حتى الأسابيع الماضية، كان العنوان الأبرز، هو المساعدات الإنسانية. لكن بمقتل أربعة شبّان، أخذ يبرز عنوان آخر، ظلّ مكتوماً: «السياحة الجهادية». 

ويقول الشيخ عادل الحمد، خطيب جامع «النصف» بالرفاع، جنوبي العاصمة المنامة، أن ابنه عبدالرحمن، الذي أعلن عن مقتله مؤخراً في صفوف جبهة النصرة، كان يعد بذله العسكرية في البحرين، ومخازن السلاح، وحتى يتلقّى بعض التدريبات العسكرية! وقد عُرف ذلك فقط، مع الإعلان عن مقتله!

قبال هذا الإعلان الفاقع، يُلحظ صمت السلطات المطبق الذي يقرأه محللون بأنه «تواطؤ». ويتساءل الكاتب الأميركي جستين غنيغلر  في مقال حديث: «تقارير على شبكة الإنترنت تتحدث عن وفاة مقاتل بحريني خامس في سوريا. فماذا سيحصل عندما يعود هؤلاء الرجال إلى البحرين؟». ليس واضحاً بعد ما الذي يمكن أن يحصل حين يعود هؤلاء، لكن المؤكد أن أحداً من المسئولين البحرينيين لا ينظر إلى الخارطة أولاً، كي يعي حجمه، في منطقة تموج بالصراعات!

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus