» تقارير
«حجي صمود» لمرآة البحرين: النظام حرّرني من الخوف والحس الثوري «موطني»
2013-06-14 - 4:44 م
مرآة البحرين (خاص): كان الطريق إلى منزل حجي مجيد المعروف بـ «حجي صمود» سلساً وهادئاً، خلاف منزله الذي كان صاخباً بضجيج الفرح والناس، بأصوات المهنئين، ابتسامات زوجته التي لم تستقر بمجلسها لفرط فرحتها بعودته. ازدحام الزاحفين والمهنئين، منعنا من المكوث معه بالقدر الذي أردناه من تفصيل الكلام، لكن لم يمنع (مرآة البحرين) من الاختلاء به، ولو لوقت غير طويل.
أحب شعبي وهذا يكفيني..
يبادر بالتحية والترحيب لكل من يفده، يشع بابتسامة عريضة تروّج الحب والثقة والنشاط، تشعر أن هذا الرجل يصير إلى الأقوى مع العمر، لا إلى الأضعف مع الزمن، يخبر مرآة البحرين: "أنا متفاجىء بهذا الاستقبال، لم أتوقع أن يحتفي الناس بخروجي بكل هذا القدر من الحشود".
يعرّف نفسه (لمرآة البحرين) التي تسأله عما لا يعرفه الناس عن حجي صمود: "اسمي عبدالمجيد عبدالله حسن محسن، من مواليد1950 ، لم أكمل الثانوية، متزوج ولي من الأبناء 8، أحب شعبي وهذا يكفيني"، يكمل: "أنا رجلٌ بسيط، لم أكن يوماً سياسياً، أو حتى مهتماً بالسياسة، في انتفاضة التسعينات وما تلاها وما سبقها، كنت أشارك في المسيرات والحراك الشعبي مثل عامة الناس، لكن ثورة 2011 مفصلية في حياتي، لقد غيرتني بالكامل".
العبارة الأخيرة يكرّرها الجميع تقريباً، لكنها أوقفتنا عندما سمعناها من حجي مجيد، ربما ظننّا أن التغيير أقرب إلى سنّ الشباب، أن يتحوّلوا من بسطاء إلى ثوريين مثلاً، لم نضع في حدسنا أن يتغيّر من هو في سن حجي مجيد ويصبح ثورياً، لكنه أرانا أن حدسنا لم يكن صحيحاً، وكأنه يريد أن يقول إن الحالة الثورية ليست عمراً، بل حسّاً.
ربما لن أعيش، لكنكم ستحصدون..
يكمل حجي صمود: "هذا الجلال المهيب لإصرار الشعب يجعلك مقداماً وصامداً، حراك 2011 له وهجه الخاص، رغم كثرة الانتفاضات التي مرت بها البحرين إلا أن الحراك الأخير مختلف، الحماس مختلف، الشباب مختلف، الإصرار والعزم اللذين يتمتع بهما الشعب اليوم له طعمٌ آخر". يضيف: "لم أشارك في اعتصام ميدان اللؤلؤة إلا في اليوم الخامس، كنت من المنسقين للمسرح الذي انطلقت منه جميع الخطب والهتافات، أذكر كم كنا نهتم بإنشائه كي يكون قوياً وصامداً. ومنذ ذلك اليوم صرت حاضراً في الميدان ليلاً ونهاراً، وكرجلٍ متقاعد كنت استمتع بقضاء وقتي هناك منذ الصباح وحتى ساعاتٍ متأخرة من الليل، أشعر أننا نصنع حدثاً من أجل التاريخ، أعرف أنني ربما لن أعيش هذا اليوم، لكني متأكد أنكم ستحصدونه، وهذا يكفيني لأشعر بالطاقة والقوة". يضيف "تلك الجموع لم تكن كان هناك عبثاً، تملكني هذا الأمر منذ ذلك الوقت، أستطيع القول يقيناً إني منذ اليوم الخامس في الميدان حتى اليوم لم أتخلف أبداً عن مسيرة أو تجمع عدا تلك التي وقعت أثناء فترة اعتقالي".
أحمل علمي بيدي وامضي..
لحيته البيضاء لا تشي بالاستسلام، يحاول الوقوف مستقيماً لكن آثار الزمن واضحة على رجليه، رغم ذلك لديه القوة الكافية ليقف في وجه نظام اختار أن يمارس ساديته ضد شعبٍ أعزل. يختلط الكبرياء مع الدمع في ملامحه وهو يقول:"حين ترى شعباً مظلوماً، يطالب بحقوقه المشروعة والمعترف بها دولياً، وتعلم أن مطالبه ليست صعبة أو مستحيلة، لكنها لا تبرح أن تكون مسلوبة منذ عقود، لا تستطيع أن تقف صامتاً. 2011 ليست أول سنواتنا الصعبة، منذ عقود وهذا الشعب يحاول استرداد كرامته، انتفاضات يميزها إصرار هذا الشعب على ألا يعود صفر اليدين، لم يعد للانهزام مكان بين أبناء ثورة اللؤلؤ، لأنهم صمود، هكذا وجدت نفسي مقحماً في كل ذلك".
الخوف، مفردة فقدت الكثير من هيبتها، إن لم تكن كلّها، حين يتعلق الأمر بالعلاقة بين الشعب والنظام، النظام الذي دأب على التعامل مع الشعب بالأقصى، حتى فقد الأخير الاكتراث بما يأتي من الأول، لم يعد الشعب يخاف، لم يعد يكترث. هكذا يرى حجي مجيد: "النظام ببشاعته دفعني لأفقد خوفي وتريثي، وأن أزاحم شباب الثورة في الميادين، أحمل علمي بيدي وأمضي، أريد فقط أن أقول إن هذا الشعب باقٍ لن يزول، لن يترك الساحات حتى يحصل على حقوقه، إنه الصمود الذي تعلمناه من أبناء هذه الثورة".
سعيد بلقب حجي صمود..
الصمود، المفردة الأكثر التصاقاً بالثورة، والأكثر تعبيراً عن صبر هذا الشعب وجلده وقدرته على التحمل، وأفقه الذي يحمله ليمضي به حتى النهاية، كأن الثورة أرادت أن تهدي هذه التسمية للحاج مجيد، تقديراً منها وعرفاناً، لكن من الذي أطلقها عليه ومتى؟ " لا أعرف من أطلق عليَّ هذا اللقب، ولا كيف تم اختراعه، لكني سعيدٌ به جداً، وأجده تكليفاً وليس تشريفاً، وأعتقد أن هذا اللقب سبب دخولي السجن هذه المرة".
وحول قصة اعتقاله يروي حجي مجيد: "كنت خارجاً من المقشع بعد انتهاء التجمع مساءً، حذرني بعض الشباب من وجود نقطة للتفتيش ونصحوني بتغيير مساري لكني استبعدت أن يوقفوا رجلاً كبيراً مثلي، لكن هذا ما حدث، قالوا إني مطلوب وأنهم يبحثون عني منذ فترة، أصروا على ركوبي في سيارة الشرطة لكني رفضت بشدة وقلت إني رجل أمتلك سيارة وأستطيع الذهاب منفرداً، ولست مجرماً كي أنقل بالسيارة الخاصة بالشرطة.
في مركز شرطة البديع كان باستقبالنا أحد الضباط الذي سألني فور وصولي: "أنت أهنت الملك؟ كيف تجرؤ على إهانة جلالته؟"، حاولت إقناعه أني لم أفعل ذلك لكنه قال ستبقى عندنا الليلة، في الصباح نُقلت لمركز شرطة النعيم الذين توسع خيالهم كما يبدو، وألصقوا بي تهم التجمهر والمشاركة في مسيرة غير مرخصة وحمل الملتوف وقالوا أن هناك شهوداً عليّ"، يكمل: "أنا رجل سلم، لم أحمل يوماً سوى علم بلدي، وأتحدى أحد أن يثبت خلاف ذلك".
موطني..
لم يتمكن حجي مجيد من مشاهدة فيديو كليب (موطني)، الذي أدى فيه دور البطولة، اعتقل قبل يوم واحد من نشره على موقع اليوتيوب، ورغم مرارة ذلك، إلا أنه كان مما زاد من قوة تأثير هذا العمل وأجج المشاعر أكثر. لقد وصل هذا الفيديو كليب إلى كل العالم، ووصلت معه رسالة قوية لم تكن محسوبة: انظروا لهذا الرجل الكبير في السن، هو الآن معتقل في بلدنا البحرين.
الغريب، أن تفاصيل اعتقال حجي صمود التي ظهرت في الفيديو، كانت قريبة جداً مما حدث له في الواقع، لقد اعتقل عند نقطة تفتيش بالفعل، يروي لنا حجي مجيد كيفية انضمامه لهذا العمل وتفاصيل الاعتقال: "عرض علي الأخوة في جمعية الوفاق المشاركة في الفيديو وحددوا دوري وما قد أمر به من ضرب واعتقال فأبديت موافقتي، أنا مستعد للمشاركة في أي شيء طالما يخدم قضية شعبي، وهكذا بدأنا التصوير وسط تكتيم على الأمر، أحد من أهلي لم يكن يعلم بأمر التصوير. كنت أخرج من الصباح حتى المساء دون أن يعلم أهلي بمكان تواجدي".
يكمل: "اعتقلت قبل عرض الفيديو كليب بيوم، حينها علم أهلي بأن غيابي الطويل مؤخراً كان لأجل ذلك، لم أشاهد الفيديو حتى الآن عدا مشاهد سريعة أرتني إياها ابنتي بعد الإفراج، تناقل الناس أن طريقة اعتقالي مشابهة، نعم هي خليط من مشاهد اعتقالي، جري على الأرض كان ذلك في سوق المنامة، حين سحبني العساكر ممدوداً على الأرض لمسافة طويلة، لم يحترموا شيبتي وكبر سني، جُل ما كنت أفكر به حينها أننا في 17 ديسمبر، عيد جلوس الحاكم وشعبه هكذا تنتهك كرامته، في المرة الأخيرة التي تم فيها اعتقالي تم أخذي وانزالي من سيارتي، لذا فالمشهد خليط مما مررت به بَيدَ أن اعتقالي الأخير حينها لم يتم بعد".
زفّة في الحوض الجاف..
في السجن لا يكون استقبال الجميع بالأسى، بعض الشخصيات سجنها يدخل سعادة (من نوع خاص) في قلوب بقية المعتقلين، فوجوده بينهم يشد عزمهم، ويزيدهم قوةً في الداخل، هكذا أصبح استقبال حجي مجيد في سجن الحوض الجاف مناسبةً احتفالية، بدأت بحمله على الأكتاف وانتهت بالهتافات والأهازيج، يقول:"لم أتوقع أن يكون استقبالي من قبل الشباب المعتقلين في سجن الحوض الجاف بهذه الطريقة، إنهم يرفعون معنويات كل من يدخل ويضخون فيه حياة جديدة، لقد استقبلوني بحبّ وحفاوة. جهزوا لي سرير، أحدهم تنازل لي عن سريره لأجلي وانتقل للسرير العلوي، طلبوا أن استحم وارتاح وفي المساء كانوا يجتمعون بزنزانتي للمناقشات حول الأوضاع".
يصف حجي مجيد وضع الزنازن والمعتقل: " كنت أول الأمر في الحوض الجاف ثم نقلت إلى سجن جو، لكل منهما ما يميزه عن الآخر. في الأول ورغم صغر مساحة الملعب وشدة الحراسة إلا أن الاتصال بعوائلنا كان متاحاً لأكثر من مرة في اليوم، وهو خلاف الأمر في سجن جو حيث الاتصال أسبوعي لدقائق معدودة قد لا تكفي، وهذا بسبب ضغط عدد النزلاء في السجن، لكل منهما ميزة وعيب، فالباحة المخصصة للعب في سجن جو كبيرة جداً ورجال الأمن أقل لكون السجن مجهزاً بما يكفي للحراسة وخلال فترة الاستراحة نلتقي بحوالي 500 نزيل فنتبادل الأحاديث وكان ذلك يدخل السرور على قلوبنا".
صمود أكثر..
خرج الحاج مجيد من السجن يحمل معه صموده، فالسجن مدرسة الصمود أيضاً، هكذا علّمنا معظم رجال الثورة وشبابها الذين يفاجئونا بأنهم يخرجون أكثر قوة. لهذا يغصّ النظام بالمعتقلين، ولا يقوى على إخراجهم، لأنه يائس من ترويض الخوف في داخلهم، ولأنه يعلم أنهم سيعودون أقوى، وهذا أيضاً لا علاقة له بالعمر، بل بالحسّ. وهكذا يقول حجي مجيد: "السجن ما كسرني يوماً، لقد زادني إصراراً فقط".