«حمد آل الثاني» والبحرين: من الاتصال بالشيخ الجمري في التسعينات، إلى إرسال قوات للبحرين في 2011 (1-2)

2013-06-26 - 3:07 م

مرآة البحرين (خاص): ديسبمر/كانون الأول 1995، استقبل زعيم المعارضة البحرينية الراحل الشيخ عبد الأمير الجمري مبعوثا من أمير دولة قطر المستقيل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ليتلقى عرضا مباشرا بتقديم كافة سبل الدعم للمعارضة البحرينية.

عرض المبعوث استعداد الأمير القطري شخصيا لتقديم أي خدمات أو مساعدات  للشيخ الجمري، بدءا من الدعم المالي وليس انتهاء بالدعم السياسي والإعلامي. لكن الجمري رفض ذلك العرض رفضا قاطعا، وأوصل رسالة للأمير القطري مفادها أن "قضيتنا محلية ولا تستحمل أي تدخل خارجي حتى وإن كان قطريا"، كما لفت إلى أن العلاقات بين البلدين تمر بظروف سيئة، وهو ما لا يخدم مصالح المعارضة وأهداف تحركها.

تحيل هذه المعلومات، التي تنشر عبر "مرآة البحرين" لأول مرة، إلى الوقوف على سياسة دولة قطر (أحد أهم اللاعبين العرب في المسرح الدولي) تجاه قضية البحرين منذ انتفاضة التسعينات وحتى اليوم، وخصوصا بعد استقالة أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني يوم أمس، وتسليمه مقاليد الحكم لنجله تميم آل ثاني، في خطوة لا بد أن تؤثر كثيرا في رسم الموقف القطري من قضية البحرين، على غرار مواقفها الأخرى من قضايا الشرق الأوسط.

وبحسب تحليل لوكالة الأنباء الفرنسية فقد كان يصعب على كثيرين فهم التوجهات المتعددة والتي تبدو أحياناً متناقضة في السياسة القطرية تحت قيادة الشيخ حمد، لكن التحليل ذاته يؤكد أن حمد حوّل الدوحة إلى عاصمة سياسية للخليج، وربما للعالم العربي، في ظل ضمور دور القوى الإقليمية التقليدية مثل مصر وسوريا وحتى السعودية.

قطر، التي كانت يوما ما تحت حكم أسرة آل خليفة، أولت البحرين جزءا هاما وحساسا من سياستها المثيرة للجدل، حيث تناوبت المواقف القطرية حيال أزمات البحرين السياسية بشكل مثير منذ منتصف التسعينات وحتى اليوم!

البحرين مركز "المؤامرة" ضد قطر

 
العلاقات المضطربة بين الحكومتين القطرية والبحرينية خلال التسعينات، والتي كانت على خلفية مطالبة قطر بـ"جزر حوار" ورفع الخلاف إلى المحكمة الدولية، استغلّت فيها قطر الأزمة السياسية في البحرين لزيادة الضغط على النظام البحريني، حيث وظّفت الاضطرابات السياسية الداخلية في خلافها مع البحرين بشكل فاقع.

لم يتكلم الشيخ الجمري سوى لأفراد قلائل عن هذه الحادثة، ولم يعط أي معلومات تفصيلية أبعد من ذلك، وقبيل جلسة النطق بالحكم في الخلاف البحريني- القطري، أرادت صحيفة أخبار الخليج أخذ تصريح من الشيخ حول ذلك، وقامت بإجراء اللقاء الصحافي فعلا، والذي قال فيه الجمري إنه يأمل أن يكون الحكم في صالح بلاده، كما أمل أن تتوطد العلاقات ويقل التوتر بين البلدين الشقيقين، لكن حديث الشيخ عن الوضع الداخلي حال دون نشر المقابلة!

الكثير من المهاترات السياسية العلنية بين البلدين خرجت إلى العلن في ذلك الوقت، ليشن كل منهما حملات إعلامية شرسة ضد الآخر. في 1997، وخلال مؤتمر صحفي أقيم في ختام قمة مجلس التعاون، اتهم وزير الخارجية القطري (الذي خرج من الحكومة اليوم) حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني البحرين بالتآمر على قطر، وأنها مركز المؤامرة التي "حيكت" ضد قطر وأدخلت أسلحة ومتفجرات إليها بعد انقلاب الأمير المستقيل على والده في 1995.

ويعتبر حمد بن جاسم آل ثاني الذراع الأيمن للأمير القطري وأحد أهم المؤثرين في سياساته الخارجية وإدارته للبلاد، حيث شغل منصب وزير الخارجية منذ 1992 وعين رئيسا للوزراء في قطر منذ 2007، قبل أن يقال ويخرج من الحكومة اليوم 26 يونيو/حزيران 2013، في أول قرار يصدر عن أمير قطر الجديد تميم آل ثاني.

وأضاف حمد بن جاسم في ذلك المؤتمر الصحفي إن هناك غرفة عمليات لهذه المؤامرة كان يرأسها ولي العهد البحريني وقتئذ (الملك الحالي حمد بن عيسى آل خليفة)، وهزأ الوزير من موضوع الإعلان عن جواسيس قطريين في البحرين واعتبرها فبركة هزيلة، وهدد بأن قطر لو أرادت التدخل في الشأن البحريني فإنها تستطيع استقطاب كل المعارضة البحرينية في دمشق وغيرها، للقدوم إلى قطر ومضايقة البحرين من قريب.

في فبراير/شباط 1996 اتصلت جريدة الوطن القطرية بمنزل الشيخ الجمري وأخذت تصريحا صحافيا من زوجته "أم جميل"، ليتصدر عنوانه بالبنط العريض الصفحة الأولى من الجريدة في اليوم التالي. وفي 1997 استضاف الإعلامي الدكتور محمد المسفر في برنامج على تلفزيون قطر معارضين بحرينيين في الخارج هما الشيخ علي سلمان (أمين عام جمعية الوفاق حاليا) والدكتور منصور الجمري (الناطق باسم حركة أحرار البحرين وقتها ورئيس صحيفة الوسط البحرينية حاليا)، وذلك في أول ظهور تلفزيوني للمعارضة على قناة خليجية خلال انتفاضة التسعينات. 

إلى جانب التلفزيون الرسمي، والعديد من الصحف القطرية، غطّت قناة الجزيرة الممولة من أمير قطر بعد تأسيسها في 1996 الكثير من الأحداث في البحرين في نشراتها الإخبارية خلال تلك الفترة، وقامت بعمل العديد من المقابلات مع رموز المعارضة خارج البحرين، كان أهمها استضافة منصور الجمري على برنامج "الاتجاه المعاكس" عشية التصويت على ميثاق العمل الوطني في 2001.

ولم تتوقف تغطيات قناة الجزيرة عن البحرين فيما بعد مرحلة الميثاق، ومن بين أهم تلك التغطيات البرنامج الذي تحدث عن "الفقر في البحرين، الدولة الخليجية النفطية" والذي أغلق بعد بثه مكتب الجزيرة في البحرين بأوامر حكومية، رغم أن وزيرة الشئون الاجتماعية فاطمة البلوشي كانت بين ضيوفه.

2011: محاولة التدخل في المفاوضات بين النظام والمعارضة

 
خلال التظاهرات المركزية في دوار اللؤلؤة التزمت حكومة دولة قطر الصمت، لكن تقرير لجنة تقصي الحقائق برئاسة البروفيسور بسيوني كشف أن قطر حولت أن تلعب دورا في الأزمة السياسية في البحرين، وإن بالسر.

وأكد التقرير وفقا لبعض المصادر من المعارضة أن الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء القطري (وقتها) اقترح أن يكون الراعي لمبادرة سياسية طرحتها الإدارة الأمريكية على الحكومة والمعارضة بعد دخول قوات درع الجزيرة.

كما أفادت مصادر في المعارضة للجنة بسيوني أن أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قد حاول التوسط بين حكومة البحرين وأحزاب المعارضة في اﻷيام التالية وأنه تم قبول هذه المبادرة من قبل المعارضة لكنها رفضت من قبل الحكومة. (فقرة 527 من تقرير لجنة تقصي الحقائق)

قطر في مواجهة "ثورة 14 فبراير"

وفي 14 مارس/آذار 2011، وبشكل مفاجئ، زار رئيس الوزراء القطري (المقال) حمد بن جاسم آل ثاني، يصحبه وزير الخارجية السعودي، ملك البحرين وولي عهده دون حضور رئيس الوزراء البحريني. الزيارة "الليلية" التي لم تخل من "غرابة" جاءت بعد الإعلان المفاجئ عن دخول قوات درع الجزيرة للبحرين، وقد نقلت وكالة أنباء البحرين وقتها عن آل ثاني تأكيده "وقوف قطر إلى جانب مملكة البحرين في مواجهة أي خطر يهدد أمنها واستقرارها".

مع دخول قوات "درع الجزيرة" للبحرين، أكد مسؤول عسكري قطري هو العقيد الركن عبدالله الهاجري مشاركة بلاده في الانتشار العسكري الخليجي في البحرين إلى جانب السعودية والإمارات بهدف ما أسماه "المساهمة في حفظ الأمن والنظام". كما أكد تقرير لجنة تقصي الحقائق دخول قوات قطرية إلى البحرين ضمن "درع الجزيرة".

وفي تصريح لقناة الجزيرة أكد حمد بن جاسم آل ثاني أن دخول قوات خليجية إلى البحرين تم وفقا للمعاهدات الأمنية الخليجية لكنه قال إن المعارضة البحرينية "هي جزء من الشعب البحريني" ودعاها للحوار وترك الاعتصام.

وقال الشيخ حمد "إن المعارضة البحرينية جزء من الشعب البحريني وهم يعزون علينا مثل باقي شعب البحرين". وأضاف "أنا أنصح الإخوة المحتجين بأن ينسحبوا من أماكنهم، وهذه دعوة صادقة، وليبدأوا حوارا جادا من قبل الحكومة للوصول إلى النتائج المرجوة في البحرين".

وفي حين وصف الداعية القطري (المصري الأصل) يوسف القرضاوي ثورة البحرين بالطائفية في إحدى خطب الجمعة، دافعت افتتاحيات الصحف القطرية جمعيا عن دخول قوات درع الجزيرة، لتحصل على إشادة وكالة أنباء البحرين بهذه التغطيات.

وبعد بضعة أيام من دخول قوات درع الجزيرة، وردت أنباء بأن قطر سحبت قواتها من البحرين بعد جهود إيرانية وتركية. 

ثورة البحرين تفرض نفسها على قطر

ولأن القضية البحرينية استمرت في فرض نفسها على المسرح السياسي الإقليمي والدولي بشكل مستمر، طوال أكثر من عامين، لم يكن هناك بد لقطر من التطرق إليها بين الحين والآخر، سواء بالتملص أو بالمراوغة، خصوصا وأن قطر من أهم اللاعبين في مسرح ثورات الربيع العربي، حيث أرسلت طائرات مقاتلة إلى ليبيا لإسقاط نظام القذافي، وقادت التدخل العربي في الملف السوري برعاية غربية.

وخلال مؤتمر على هامش اجتماع لجامعة الدول العربية، وصف رئيس الوزراء القطري (المقال) سؤالا صحافيا وجّه له حول عدم الاهتمام بأحداث البحرين، بأنه "كلام حق أريد به باطل"، وزعم أنه ليس هناك سوى 3 أو 4 قتلى في البحرين، كما امتدح تشكيل لجنة تقصي الحقائق، واستجابة الملك البحريني لتقريرها حسبما قال، ودافع مجددا عن دخول قوات درع الجزيرة للبحرين وقال إنها لم تقمع الشعب

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2011 قال حمد بن جاسم آل ثاني في مقابلة مع صحيفة "المصري اليوم" إن "الموضوع في البحرين لن يحل إلا بالحوار بين الطرفين وأن يتنازل كل طرف بالمعقول وبالمنطق"، وقال أيضا إنه يتألم من عدم إكمال الحوار بين ولي عهد البحرين والمعارضة، ورأى أنه "لا تستطيع المعارضة ولا الحكومة أن تنفذ كل ما تريده، لأن البحرين حالة خاصة، والمجتمع فيها من فئتين أو طائفتين وهذا موضوع حساس واستقرار البحرين حساس ليس لها فقط وإنما للمنطقة ككل" فيما اعتبر أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست محصنة من الثورات.

قطر تساند البحرين في مجلس حقوق الإنسان

وخلال جلسة المراجعة الدورية الشاملة لسجل حقوق الإنسان في البحرين، والتي عقدت بمجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة بجنيف في سبتمبر/أيلول 2012، قال مندوب دولة قطر إلى المجلس "نرحب بالتعديلات المقدمة من قبل حكومة البحرين لقوانينها من أجل أن تتوافق مع اتفاقية باريس"، واعتبر بأن "كلمة البحرين أمام المجلس التزام من الدولة بحقوق الإنسان"، كما رحب بما دعاه "جهود حكومة البحرين من أجل تنفيذ التوصيات".

هوامش


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus