النظام العاري: لهذا استهدفت ريحانة الموسوي
2013-07-13 - 2:22 م
مرآة البحرين (خاص): لأنها لا تنكسر ولا تخاف ولا تخبئ وجهها عندما تواجه قوات المرتزقة أثناء مشاركتها في المسيرات التي تزعج النظام في العاصمة المنامة وفي المناطق المختلفة. لأن لديها من الجرأة ما يجعلها تتقدم وحدها نحو مدرعة تواجه المحتجين في منطقة سترة، لتلصق عليها صورة الشهيد محمد يعقوب. لأن لديها من الصمود ما يجعلها تجلس على ركبتيها أمام أرتال من صفوف المرتزقة في منطقة الديه رافعة علامة الصمود والنصر، فيما كاميرا فيديو الداخلية تحاول إرعابها بتركيز عدستها عليها، فلا تهتز ولا تتحرك. لأنها واحدة من الناشطات الميدانيات والمسعفات اللآتي يعالجن المصابين والجرحى في كل مكان. لأنها لا تكل من العمل ولا تستسلم للتعب في ساحات الخطر المعرض كل شيء فيها للموت أو الإصابة. لأنها تعرضت أكثر من مرة لإصابات بطلقات الشوزن فيما هي تمارس حقها الطبيعي في الاحتجاج السلمي، لهذا والكثير الذي سنورده داخل هذا التقرير، استهدفت ريحانة..
مع الفورمولا..
لم تكن هي المرة الأولى التي تذهب فيها ريحانة إلى ساحة الفورمولا، ففي العام الماضي ذهبت مع 6 فتيات إلى الفورمولا في العام الماضي تم اعتقالهن أمام المدرجات، العالم كله شهد هتافاتهن الاحتجاجية السلمية قبل أن يشهد اعتقالهن، لهذا اضطر النظام محرجاً للإفراج عنهن لاحقاً. ومنذ ذلك اليوم صار وجه (ريحانة) ومن معها من الفتيات مألوفاً ومعروفاً عند وزارة الداخلية، كذلك أسماءهن.
تعلم (ريحانة) بإجراءات الدخول إلى الحلبة، وتعلم من خبرة العام الماضي أن التفتيش سيتضمن تمريرُ شنط اليد على أجهزة، ثُمَّ فتح الشنط وتفتيش داخلِها، ثُم المرور عبرَ جهاز xry ، ثُم تمرير آلةٍ حول الجسم كاملاً، كان هذا ما حدث معهن في العام الماضي، ومن المؤكد أن مثله، إن لم يكن أشد، سيحدث هذا العام أيضاً، لذلك لا يعقل أن تحمل معها ريحانة ما يمكن أن يثير الشكوك، لم يكن معها غير صوتها وإرادتها في النضال السلمي.
أيضاً، لم تكن هي المرة الأولى التي تذهب فيها ريحانة إلى الحلبة هذا العام، فقد ذهبت وحدها منذ اليوم الأول بتاريخ 19 ابريل 2013. هناك أوقفوها وسألوها عن سبب حضورها: "لأشاهد الفورمولا" أجابت. قالوا لها: شكلك لا يوحي بأنك من المهتمات بالفورمولا. أجابت: أنا من يحدد إن كنت من المتابعات أم لا. أعطتهم البطاقة، وسمح لها بالدخول.
وقبلها بيوم واحد في 18 إبريل، قامت (ريحانة) ومعها (نفيسة العصفور) بالاعتصام عند بحر كرباباد، وقد قيدتا يديهما بالـ(هفكري)، وارتدتا (تي شيرت) عليها صور ناشطين معتقلين، وقد انتشرت الصورة التي يرفعن فيها علامة الصمود.
تخطيط آخر..
هي تعرف جيداً أنهم يعرفونها، وأنهم يتحينون لها، لهذا لن تجازف بحمل ما هو مشبوه عندما ذهبت في اليوم الثالث والأخير، لكنهم كانوا يخططون لشيء آخر.
لن يُسمح هذه المرة بوصول (ريحانة) و(نفيسة) إلى داخل الحلبة، كي لا تحرّك هتافاتهما الاحتجاجية، واعتقالهما غير المبرر، الصحافة والإعلام الغربي كما حدث في العام الماضي، مما يضطر السلطة للإفراج عنهما، هذه المرة كان لا بد من كمشهما من الخارج، كي لا يراهما أحد، ثم تلفيق تهمة وفق سيناريو مختلق لا يمكن لأحد إثباته أو نفيه، وهذا ما حدث.
عند البوابة الخارجية، تم إيقاف كل من (ريحانة) و(نفيسة)، طُلبت بطاقة الهوية، ومنها أُدخلتا إلى غرفة الأمن وتم تفتيشهما. أعلنت الداخلية بعد ساعات: القبض على فتاتين لنيتهما تدبير "عمل إرهابي" في الفورمولا.
في مركز الزلاق..
أوقفت كل من (ريحانة) و(نفيسة) في أمن الفورمولا لبعض الوقت، ثم نقلتا إلى مركز شرطة (الزلاق) حيث تعرضت المعتقلتان إلى الشتم والإهانات والتهديد والكلام البذيء والحاط بالكرامة.
(سيد طلال علوي) زوج ريحانة يروي لمرآة البحرين نقلاً عن زوجته: " عند البوابة وقبل أن يتم اعتقالهما تلقت (ريحانة) و(نفيسة) اتصالاً يفيد بأن هناك مصابين في منطقة (دار كليب) وكانتا بصدد التراجع من أجل الذهاب لإسعاف المصابين، لكن الأمن سبقهما بالاعتقال. وقبل انتشار الخبر، اتصل المسعف (محمد شاكر) بهاتف (نفيسة). شرطة المركز أمروا (نفيسة) أن ترد على (شاكر) أمامهم، وأن تضع الصوت على (speaker ) ليسمع الجميع، وكان (شاكر) الذي لم يكن يعلم باعتقالهما بعد، يسألهما عن سبب تأخرهما في الوصول وأين موقعهما ويتحدث عن حالات المصابين، اعتقل (شاكر) بعدها بأيام وألبس قضية جنائية".
في مركز الرفاع..
قضت (ريحانة) و(نفيسة) في مركز الزلاق ساعات قبل أن يتم نقلهما إلى مركز الرفاع الغربي، وهناك لاقتا الإهانات والتعذيب على يد الضابط محمد المناعي وضابطة تدعى سارة (ربما تكون هي نفسها سارة موسى معذبة نزيهة سعيد).
في المركز تم التحقيق مع المعتقلتين وتم تعذيبها من أجل الاعتراف. "الاعتراف بماذا؟" كانتا تصرخان، فيأتيهما الجواب المزيد من الضرب والشتم والتهديد.
الضابط (محمد المناعي) أثناء التحقيق يصرخ بصوت عالٍ طوال الوقت، ويسأل (ريحانة) عن علاقتها بابن أختها وابن خالتها المطلوبين وعلاقتها بالوفاق والائتلاف، وهنا ارتفعت حدة صوت (ريحانة) معه، فزاد من ضربه وتهديده ووعيده، وقام بسرد تفاصيل كاملة عن تحركاتها وتحركات صديقاتها أيضاً: نحن نعرف أن صديقتك (...) التي تعرضت سيارتها للتلف في منطقة (....) قد أصلحت سيارتها في كراج (....). نحن نعرف كل شيء عنكم. ثم سألها: لماذا تذهبون إلى البحر كثيراً؟ ما الذي تنتظرونه أن يصل إليكم؟ اعترفي. أجابت: أنا من منطقة سفالة، وهذا البحر قريب من بيتنا، وأذهب له باستمرار مع صديقاتي.
تذكر ريحانة لزوجها أن صراخ (المناعي) كان يضج في كل المركز، حتى إن أحد المسؤولين كما يبدو، وكان يرتدي ثوباً وغترة، جاء له وقال له: "ليش تصارخ، إذا عليهم قضية ودهم الجهات المختصة، وإذا ما عليهم شي مهم خلاص، لا تقعد تصارخ".
المعذبة سارة..
الضابطة سارة، أرادت لتعذيبها أن يكون أكثر انسلاخاً من الحياء، فضلاً عن الأنوثة. فالمرأة حين تتجرد من إحساسها تتجرد من كل شيء، وتصير تفاخر بما يخدش الحياء وبما يجردها من إنسانيتها.
هذه المعذبة أجبرت ريحانة على التعري تماماً، ثم الوقوف لمدة نصف ساعة في غرفة (أو حمام)، مباشرة أمام الباب الذي تم فتحه بزاوية معينة، بحيث يمكن لمن يمر أن يلمح (ريحانة) عارية، ومنعت أن تقوم بأية حركة تحاول فيها مواراة نفسها عندما يمر أحد. تكرر هذا المشهد القذر مرتين.
كانت الأمور تسير باتجاه الإفراج عن (ريحانة) و(نفيسة) فـ"النية" التي أطلقتها الداخلية في تصريحها "بتدبير عمل إرهابي" ليست تثبت شيئا ولم يكن مع أي منهما دليل مادي يثبت هذه "النية". (سيد طلال علوي) زوج ريحانة يقول لمرآة البحرين: "اتصلوا بي من المركز وقالوا لي تعال سنفرج عن زوجتك، وأحضر معك لها عباءة كتف أخرى. فهمت أن عباءة (ريحانة) قد تم تمزيقها أثناء القبض عليها أو بسبب التعذيب، لا يهم، المهم أنها ستخرج". لكن يبدو أن ثمة نية أخرى دخلت على الخط، وقلبته. يكمل (سيد طلال علوي): "ذهبت صباحاً وقدمت نفسي لأحد رجال الأمن هناك، ذهب وعاد لي آخر، وعندما تأكد أنني زوج (ريحانة) أخذ هاتفي مباشرة وأخذني للتحقيق. طوال 3 ساعات وهو يفتش في هاتفي ويحقق معي عن علاقتي بريحانة (؟!!) وعن تحركاتها وعلاقاتها ومشاركاتها ثم اخرجوني بدونها".
في التحقيقات..
من مركز الرفاع تم نقل (ريحانة) و(نفيسة) إلى التحقيقات، وهناك قضتا أكثر من 24 ساعة، بمجرد وصولهما تم وضع كل منهما في غرفة منفصلة وتمّ تعصيب أعينهما بشدة، تصف (ريحانة) الألم الشديد الذي تسببت فيه العصابة وبقاءها لأكثر من يوم وسط برودة شديدة كادت أن تجمد أطرافها. كانت (ريحانة) تشعر بأصوات المحققين في أذنها من مسافة قريبة جداً وكان صراخهم يصم آذانها. بلهجات درع الجزيرة:اماراتية وسعودية وبحرينية، وعندما تجيب على أي من أسئلتهم بإجابة لا أعرف كان صراخهم يعلو في إذنها ويقوم أحدهم بفرك حذائه على قدمها، أو يدفعها بقوة ليصطدم رأسها بالجدار، أو يركلها عند وركها برفسه قوية توقعها أرضاً حتى أغمي عليها.
قام المعذبون بتوثيق يدي (ريحانة) باسلاك موصلة بالكهرباء، وبدأ التعذيب النفسي. أحدهم يقول: ها أشغل؟ الآخر يجيبه: لا لا ما تشد بتموت. الأول بعد فترة: خلاص مافي فايدة أنا با شغل. الثاني: بس إذا ماتت أنا مالي شغل إنت تتحمل المسؤولية. شعرت (ريحانة) أنها وصلت إلى حافة موت حقيقي.
في التحقيقات كان عليها أن تعترف بالرواية الأولى التي حيكت لها. التخطيط للقيام بعمل تفجيري في الفورمولا. تم تلقينها الرواية التي عليها أن تقولها في النيابة العامة، وأمرت بأن تكررها مرات مع الضرب على رأسها في حال الخطأ. تم تهديدها أنه سيتم إحضار ابنها حسين (16 عاما) وتعذيبه أمامها في حال لم تعترف. وكانوا يقولون لها: الآن الآن سنحضره ونريك ماذا نفعل به. هو عندنا الآن، ثم يسمعونها صوت أقدام يتم إدخالها، فتنهار بالكامل.
يكمل المحقق تهديده ووعيده: إذا غيرت اعترافك في النيابة عما قلناه هنا، سنرجعك إلى هنا، وستلاقين تعذيب غير، ولن تخرجي من هنا إلا وأنت حامل".
في النيابة..
تؤخذ (نفيسة) إلى النيابة العامة في حالة انهيار كامل بعد أكثر من 24 ساعة قضتها في التحقيقات بلا نوم ولا غذاء ووسط تعذيب مهلك. في النيابة يحقق معها (فهد البوعينين) 3 ساعات كاملة قبل دخول المحامي، تحاول (ريحانة) أن تشرح له ما تعرضت له في مركز الشرطة والتحقيقات. تجده لا يختلف قسوة عمن سبقوه في التحقيق معها. تستسلم، لم تعد (ريحانة) تبدي أية مقاومة، ولم تكن لديها القوة الجسدية لذلك أصلاً. وصفها المحامي بأنها "في حالة يرثى لها من التعب والانهيار".أخذت تتلو ما أرادوه من اعترافات.
بعد الانتهاء من النيابة، يُسمح لها بالاتصال لأهلها لتقول لهم: سأخرج من النيابة العامة الآن وسأُنقل إلى مركز مدينة عيسي. تنتهي المكالمة.
التحقيقات مرة أخرى..
لم ينته الأمر عند أخذ الاعترافات في النيابة، ثمة طبخ جديد أُريد به تغيير السيناريو وإدخال أسماء جديدة. لم تعد المسألة "التخطيط للقيام بعمل إرهابي في الفورمولا"، لقد أُريد للدائرة أن تتسع لتشمل أكبر عدد من الأسماء. بعد أسبوعين يتم أخذ (ريحانة) مرة أخرى إلى التحقيقات. هذه المرة لوحدها بدون (نفيسة). تُسأل عن علاقتها بكل من (هشام الصباغ) و(ناجي فتيل) ومعتقلي مهزة، تنفي أن تكون لها علاقة، تُسأل عن علاقتها ب14 فبراير والوفاق والإئتلاف. تنفي. تُسأل عن علاقتها ببعض الناشطين مثل سيد هادي الموسوي، تنفي. يتم فك العصابة من عينها، لتشاهد أمامها 7 مقنعين يعرضون عليها صوراً لمطلوبين: هل تعرفين هذا؟ هذا؟ وهذا... وكانت كل إجابة نفي تعني المزيد من الإهانات والضرب. صرخوا فيها: ما تعرفينهم؟ هذلين مال السرايا، ما تعرفين السرايا؟ لم تكن (ريحانة) قد سمعت عن هذا الشيء من قبل فأجابت ببراءة: أعرف (سرايا) سار فقط. استشاط أحدهم وركلها في بطنها معتبرا ردها استهزاء. يسألونها ماذا تعطيكم الوفاق؟ ومن أين تحصلون على الأدوية؟
يتم مواجهة (ريحانة) بمعلومات عن تواريخ سفرها إلى إيران والعراق. وقالوا لها إنك من هناك تزحفين إلى لبنان لتتدربي على المتفجرات والسلاح. يملي عليها اعترافا جديد هذه المرة، تنصعق (ريحانة) بتهمة الخلية، تنقل لزوجها: "كنت أعلم أنهم سيعتقلوني من الفورمولا كما فعلوا العام الماضي، لم أتوقع أن يتجاوز الأمر ساعات ويفرج عنا، كيف حولوا ذهابنا إلى الفورمولا إلى كل هذا؟ كيف حولوها إلى قضية إرهاب وتفجير، والآن خلية ارهابية!!!"
النيابة مرة أخرى..
في المرة الثانية التي أخذت فيها (ريحانة) للنيابة، تجد المحقق أكثر إنسانية من السابق، يسألها فتقول له: تريد أن تسمع الحقيقة أم ما يريدونه مني؟ يقول لها: ما تريدين أنت أن تقوليه. فتقول كل شيء. يُكتب المحضر. ينتهي التحقيق. تُعاد إلى مركز شرطة مدينة عيسى.
أسابيع وتعلن وزارة الداخلية عما يسمى بخلية (بوناصر) الإرهابية، وتتفاجأ (ريحانة) بزج اسمها في الخلية، (ريحانة) هي المرأة الوحيدة المتهمة بالتورط فيما يسمى يالخلية الإرهابية، التي جمعت في سلّة واحدة تصانيف وأسماء من الناشطين المختلفين الذين تم اعتقالهم مؤخراً.
في المحكمة..
في جلسة المحاكمة الأولى لمتهمي الخلية، يمنع أهالي المتهمين من الدخول إلى قاعة المحكمة، وتمنع الصحافة والإعلام ومنظمات حقوق الإنسان، لا يُسمح لغير المحامين بالدخول. القاضي (علي الظهراني) الذي سبق وحاكم المتهمين في محاكم السلامة الوطنية، كما تولى الحكم على الرموز، ظل طوال جلسة المحاكمة يستهزئ بالمحامين والمتهمين في قاعة المحكمة، ولم يؤثر فيه ما كشف عنه الحقوقي (ناجي فتيل) من فضيحة آثار التعذيب المخبوءة تحت قميصه، ولم تحرك رجولته ولا مشاعره (ريحانة) وهي تروي أمام الجميع قصة تعريتها في مركز شرطة الرفاع، وضحك حين بكى جميع الحضور تأثراً.