إميل نخلة: أحدث محاكمة وإدانة زائفة في البحرين

2015-06-26 - 4:21 ص

إميل نخلة، موقع لوبلوغ
ترجمة: مرآة البحرين

الآن وقد نفّذ النّظام البحريني انتقامه بالحكم على الشّيخ علي سلمان، الأمين العام لجمعية الوفاق، المؤيدة للإصلاح وذات الغالبية الشّيعية، بالسّجن أربع سنوات، على أسرة آل خليفة الحاكمة أن تقرر أيًا من المسارين المُتاحين يتوجب عليها اتباعه. قد تواصل انتهاج مسار القمع وزيادة العزلة الدّولية. أو يمكنها استكشاف استراتيجيات خلّاقة وسلمية لإشراك الغالبية الشّيعية على أساس الكرامة الإنسانية والاحترام والنّزاهة. وبما أن الوفاق كانت ملتزمة دائمًا بالحوار السّلمي مع آل خليفة، لا ينبغي أن يكون البحث عن أرضية مشتركة أمرًا صعبًا.

باعتقال وإدانة الشّيخ علي سلمان، الذي كان الرّمز المعروف دوليًا للاحتجاج السّلمي، سعت الحكومة البحرينية إلى الانتقام السّياسي من جمعية الوفاق لمقاطعتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة. أُفيد أنّ الأسرة الحاكمة، وخصوصًا ولي العهد سلمان بن حمد، غضبوا جدًا من قرار الوفاق بعدم المشاركة في الانتخابات. وكتعبير عن الانتقام القبلي، اعتقل النّظام الشّيخ علي سلمان على خلفية تُهم مُلَفّقة، رافضًا السّماح لفريقه القانوني بدحض هذه الاتّهامات في المحكمة على الرّغم من وجود أدلة وافرة، وحكم عليه وفقًا لإجراء غير قانوني متسرع.

بعد اعتقال الشّيخ سلمان، عبّرت الأمم المتحدة وكثير من الدّول الغربية والمُنَظمات الدّولية لحقوق الإنسان عن "قلقها البالغ" وحثّت البحرين على الإفراج عنه، من دون جدوى. وفي بيان صدر من واشنطن، قالت الحكومة الأمريكية إنّها "قلقة للغاية" جرّاء تصرف الحكومة البحرينية.

تجاهل النّظام هذه التّوسلات وتابع محاكمته. وعلى نحو مماثل، تجاهل الانتقاد الدّولي المستمر لاعتقاله وإدانته سجناء رأي آخرين، بمن فيهم نبيل رجب، ومريم وزينب الخواجة ووالدهما عبد الهادي الخواجة، الذي يقضي حاليًا حكمًا بالسّجن مدى الحياة. هؤلاء المعارضون أدينوا لأسباب سياسية ولم يتورطوا بأي نشاطات تحريضية ضد حكم آل خليفة.

السّياق الأوسع

لفهم الموقف المتحدي للنّظام البحريني، سيكون من المفيد دراسة السّياقات المحلية والإقليمية الأوسع، المحيطة بقضية الشّيخ علي سلمان. محليًا، يجب تحليل الاعتقال والإدانة في ضوء عدد من القضايا الرّئيسية.

أولًا، الأسرة الحاكمة عارضت أي إصلاح حقيقي على الرّغم من كون المطالبة بإصلاح مماثل سلمية باستمرار.
ثانيًا، كان موقف ولي العهد، داخل التّسلسل الهرمي للأسرة، محفوفًا بازدياد بالمخاطر، خاصة في ظل الإشاعات الأخيرة بأنّه يمكن إعادة ترتيب مسألة خلافة العرش لصالح أخيه ناصر. احتمال مماثل، مترافق مع التّغييرات السّعودية في الخلافة، يجبر الأمير سلمان على أن يكون أكثر حذرًا في التّعامل مع المعارضة، وفي استخدام رفض الوفاق المشاركة في الانتخابات الأخيرة كتبرير لاضطهاد زعيمها.

ثالثًا، يعاني البحرينيون باستمرار من تعب المواجهة. يقبل المزيد، والمزيد منهم، الحجة القائلة إنّ النّظام، بمساعدة السّعوديين، سحق انتفاضة العام 2011 وإنّ المحتجين عاجزون بوجه سياسات القبضة الحديدية القمعية ضد المعارضة.

رابعًا، اعترف بعض أعضاء المعارضة علنًا بأن جماعاتهم ارتكبت بعض الأخطاء الجسيمة في العامين الماضيين، بخصوص مقاطعة الانتخابات والشّروط المُسبَقة للحوار مع الحكومة. كانت المقابلة التي أجرتها صحيفة الوسط في 19 أبريل/نيسان 2015 مع منيرة فخرو تقول الكثير عن شجاعتها وصراحتها بشأن أخطاء الماضي والاستراتيجيات المُحتَمَلة للخروج من المأزق الحالي. فخرو، وهي باحثة أكاديمية سنية ورئيسة اللّجنة المركزية لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، كانت من أشد منتقدي سجل الحكومة الوحشي في مجال حقوق الإنسان. في المقابلة، شّجعت فخرو المعارضة على إعادة النّظر في موقفها تجاه المبادئ الأساسية في وثيقة الحوار المُقَدّمة من قبل ولي العهد.

خامسًا، على عكس الملك سلمان في المملكة العربية السّعودية، الذي كان قادرًا على فرض تغييرات متتالية، لم يسبق لها مثيل، في الخلافة، لم يكن الملك البحريني حمد قادرًا على مقاومة التّكتل المحافظ، المضاد للإصلاح داخل أسرته. ويمثل هذا التّيار عمه رئيس الوزراء خليفة، والأخوان الشّابان البارزان "الخوالد" -رئيس الدّيوان الملكي وقائد القوات المُسَلّحة- وأيضًا أشقاء ولي العهد الآخرين، المُقَرّبين من بعض أولياء العهد الآخرين في الدّول المجاورة في مجلس التّعاون الخليجي.

موقف الملك حمد الضّعيف نسبيًا يمكن أن يتغير في حال حصول بعض السّيناريوهات: الخلافة السّعودية الأخيرة تغيرت، وهناك إشاعات بشأن تدهور الصّحة الضّعيفة لرئيس الوزراء، احتجاجات الشّارع في العاصمة المنامة والمدن والقرى الشّيعية تصبح أكثر عنفًا وفتكًا، والاقتصاد البحريني في هبوط عنيف، والمملكة العربية السّعودية تمارس دورًا أكثر فعالية في سياسات الأسرة الحاكمة في البحرين.

سادسًا، انتشار الأيديولوجية السّلفية الجهادية المتطرفة في البحرين في السنوات الثلاث الماضية، مع الموافقة الضّمنية للحكومة، عززت التّيار المناهض للإصلاح داخل الأسرة الحاكمة. المدافعون عن هذه الأيديولوجية، الذين قاتلوا في سوريا مع جبهة النّصرة، يعتبرون النّظام البحريني "العدو القريب". أمّا الآن، فهم يدعمون، على الرّغم من ذلك، موقف آل خليفة ضد الطّائفة الشّيعية التي يعتبرون أفرادها "رافضة" أو "مرتدين" حركة الأصالة، التي تمثل الأيديولوجية السّلفية الجهادية في البحرين، تعارض تنازلات الحكومة للغالبية الشّيعية.

عدم وجود ضغط دولي

إقليميًا ودوليًا، يشعر النّظام بتمكنّه في سلوكه الجائر ضدّ الشّيخ علي سلمان بسبب الدّعم الضّمني الذي تلقاه من المملكة العربية السّعودية ودول خليجية أخرى. الأهم من ذلك، لم توبخ كل من واشنطن ولندن آل خليفة على خلفية القمع الدّاخلي. يبدو أنّ النّظام البحريني يعتقد أنّ استضافته الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين توجب على الولايات المتحدة البقاء متسامحة مع الممارسات غير القانونية للبحرين ضد مواطنيها. وفي سعيها لبناء قاعدة عسكرية جديدة في البحرين وبيع أسلحة بريطانية لها، كانت الحكومة البريطانية بالمثل مترددة في انتقاد الممارسات الدّاخلية للبحرين. الدّبلوماسيون البريطانيون المقيمون ووزارة الخارجية البريطانية أيضًا حافظوا على علاقات وثيقة وشخصية خاصة مع ملك البحرين.

في دعوى قضائية مؤخرًا، وبموجب قانون حرية المعلومات، عارضت الحكومة البريطانية بشدة الإفراج عن وثائق ديبلوماسية بريطانية من المنامة في العام 1977. لكن محكمة المعلومات حكمت لصالح الإفراج الجزئي. سيكون للإفراج الكامل عن الوثيقة، وفقًا لحجة الحكومة والمحكمة، "تأثير سلبي على العلاقات بين المملكة المتّحدة والبحرين".

مارك أوين جونز، وهو طالب في مرحلة الدّكتوراه في جامعة درهام، قدّم الطّلب الأولي للإفراج عن وثيقة معينة، تدل ظاهريًا على أنّ الحكومة البريطانية كانت على علم بـ "الأعمال الوحشية التي ارتكبتها قوات الأمن البحرينية". في تلك الحقبة، كان ضابط بريطاني يُدعى إيان هندرسون يتولى قيادة قوات الأمن البحرينية (لقد ناقشت إرث هندرسون في التّعذيب منذ حوالي عامين على هذه المدونة)

لا يمكن لنظام آل خليفة شراء شرعية شعبه من واشنطن أو لندن. ولا يمكنه أيضًا توقع الحكم لمدة طويلة من خلال الخوف والرّعب. في حال ظلّت الأسرة الحاكمة تنتهج هذا المسار، لن تكون البحرين أكثر من "مملكة موز" يدعمها المحسنون السّعوديون والأمريكيون والبريطانيون. على الرّغم من أنّ استراتيجية مماثلة تمنح آل خليفة متنفسًا وتؤمن للملك الوقت ليتمتع بالسّباق الملكي للخيول مع الملكة البريطانية، سيدرك الملك حمد على المدى الطّويل أنّ شعبه هو المصدر الحقيقي لشرعيته وشرعية خلفائه. وفي حال لم يكن واثقًا من هذا الدّرس في التّاريخ، عليه العودة لقراءة خطابات والده من العام 1971 إلى العام 1973، عندما قرّر كأمير، إجراء الانتخابات الوطنية في موعدها ووضع دستور لشعب البحرين كلّه.

في حال أبرمت مجموعة الـ 5+1 اتفاقًا نوويًا مع إيران، وبرزت إيران كقوة إقليمية مقبولة، ستخضع العلاقات السّعودية-البحرينية لتغييرات جذرية ردًا على الأمر. ستبدأ إيران أيضًا بإيلاء المزيد من الاهتمام لإساءة معاملة شركائها في الدّين في جزيرة تبعد بضعة أميال عنها.

الحكم على الأمين العام لحركة سياسية رئيسية، ذي الـ 50 عامًا، والذي كان قد تعهد بالعمل من داخل النّظام، تحت مظلة آل خليفة، سلوك سياسي جبان، ويجب ألّا يبقى من دون تحدي. الإفراج عنه سيكون مؤشرًا على أن المنطق والمصالحة تغلبا على التّبجح والانتقام القبليين. في الوقت الحالي، الذي لم تعد فيه الدّولة إقطاعية للحاكم، على آل خليفة محاولة التّواصل مع مواطنيهم. يجب أن يقدّم مبارك وصالح والقذّافي وبن علي والأسد درسًا واقعيًا.

التّاريخ: 17 يونيو/حزيران 2015
النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus