شاهد عيان على انتفاضة 14 فبراير: لم يكن يمكنني أن أكون محايداً، حلقة 3

2012-03-29 - 4:41 م


توني ميتشيل*، مدونة توني ميتشيل
ترجمة: مرآة البحرين


في أواخر شباط/فبراير، الكل في البحرين بدوا بحالة طيبة مجددا. المتظاهرون السلميون الذين تجمعوا في البداية في 14 شباط/فبراير عادوا إلى دوار اللؤلؤة من جديد، لم يكن هناك شرطة ولا جيش، ولا غاز مسيل للدموع والذي كان قد غطى مرة الدوار ووصل إلى المجمع المجاور الذي تقع فيه شقتنا، ولا أحد من أفراد الأمن كان يتسكع هنا أوهناك. نعم، كان من الصعب الدخول والخروج من المجمع لكن المحتجين تطوعوا لتسيير حركة المرور (وكذلك كعمال نظافة) مما جعل الأمور أسهل. وكنت على وشك اعتقال محتمل بعد أن رآني رجال غامضون، ربما من وزارة الداخلية،  أصور من موقف سيارات البناية الواقع في مستوى فوق الأرض، يأتون إلى شقتي، ويقفون عند رأسي ويجبرونني على محو المقاطع (والتي، لحسن الحظ، كنت قد نشرتها على الإنترنت)  الحادثة التي جعلتني أفكر كيف هو الحال مع الأسر البحرينية – التي لا تعامل بلطف كما تمت معاملتي، أنا الأسترالي الذي يعيش هنا للتدريس في الجامعة - الذين تركل أبوابهم في منتصف الليل وأمام أعينهم يتعرض رب الأسرة  للضرب الوحشي قبل اقتياده للتعذيب.

في إحدى الليالي زرت الدوار أنا وزوجتي حيث كان هناك جو مهرجاني لطيف. الآلاف من الناس يجمعهم هدف واحد أساسي - الديمقراطية في البلاد التي ما زال يحكمها ملك - كانوا يختلطون بسعادة كمجموعة واحدة. مضايف الطعام المجاني  كانت في كل مكان (وكان قد تم تركيب جهاز نفيش -فشار- جديد)، وكانت هناك مساحة صغيرة تم تخصيصها للفنانين الطموحين، وحتى حلاقة الشعر كانت متوفرة مجانا. وفي وقت لاحق سيزعم كتاب تويتر الموالون للحكومة أنها كانت "خيام جنس" لتوفر لك ما تعرفه. والتي كانت على حد سواء منافية للعقل وإهانة لعدد كبير من العائلات والنساء والأطفال الذين كانوا ضمن الحضور. مرة أخرى، لم نشعر في أي وقت من الأوقات أننا غير آمنين أو مهددون، وغني عن القول، أننا لم نرى أي دليل على وجود أسلحة معروضة هناك.

وفي النهاية عدت إلى عملي في جامعة بوليتكنك البحرين، والتي كانت بعد عطلة الفصل الدراسي الأول. شدد المدير التنفيذي، جون سكوت، في اجتماعات الموظفين على أنه يجب النظر إلى بوليتكنيك كمكان يشعر فيه كل الطلاب بالأمان وسط الاضطراب الذي يحدث في الخارج. أعداد قوات الأمن كانت في ازدياد والشرطة أرادت تفتيش سيارات الطلاب بحثا عن أسلحة، ولكن جون أراد أن يعرف الجميع أنه لا يمكننا الانحياز لطرف دون آخر -  نحن بحاجة إلى البقاء على الحياد أمام طلابنا.  اتفقت معه ولكن، بعد الذي شاهدته، وجدت أنه من الصعب أن أكون محايدا –  شعرت أن وضعي أقرب ما يكون إلى عدم الاهتمام. وعودا بأفكاري إلى الوراء، أعلم الآن أنه كان علي التحدث إلى عدد أكبر من الناس حول هذا الموضوع، ولكن لم أستطع أن أقنع نفسي بأن أخبر أحدا بأني شخص محايد. كانت في نظري مثل القول: "أوه، لا أبالي بما يحدث لأنني مغترب" أو "إنها بلدكم، لا علاقة لي بها".

مجموعة الطلاب الذين كان لي شرف تدريسهم قبل 14 شباط/فبراير كانت مجموعة رائعة من الشباب. الطلبة البحرينيون لديهم لمسة رائعة من روح الدعابة، ويمكنهم التحدث والاستماع إلى اللغة الإنجليزية بشكل جيد للغاية. لم يكن لدي أدنى فكرة أي من طلابي هم من السنة وأيهم من الشيعة (معظم البحرينيين هم من الثانية، والملك وحكومته الملكية هم من الأولى). قبل الاضطرابات،  لم يكن هناك أي اختلاف. وكان بعض طلابي قد شكلوا مجموعة خاصة  تسمى بـ "المحفزات" لإحداث تغيير سياسي والقيام بمشاريع مجتمعية وأعمال خيرية. كانوا جميعا أصدقاء وقضينا جميعا أوقاتا ممتعة. ولكن، بعد 14 شباط/فبراير، كل ذلك اختفى.

عدت إلى التدريس لأجد صفي منقسما. الطلاب كانوا يجلسون في مجموعات مختلفة والجو في الصف كان باردا. لم تكن هناك أي ابتسامات، ولا ضحك، عرفت فورا الطلاب المؤيدين للحكومة: أولئك الذين كانوا أكثر حنقا. حاولت أن أرحب بهم ووددت أن يعرفوا أننا جميعا نمر في وقت صعب وأني آمل أن نمضي فصلا دراسيا جيدا معا. وأخبرت الصف أنه قد طلب مني أن أكون محايدا بشأن الأحداث وأنني آسف، لا أستطيع. كنت أعرف أن هذا من شأنه أن ينفر الكثيرين في الصف كنت آمل ان  يفهمونني ويحترمونني، بناءً على علاقتنا الحسنة. ولكن كنت مخطئا.

بعد الحصة، اقتربت مني مجموعة من الطلاب الموالين للحكومة. قالوا لي أن لا أنخدع بما سمعت أو بما قيل لي من قبل الأشخاص الذين هم من الطرف الآخر. هم لعبوا ورقة إيران، والتي عادت إلى الظهور مرات عديدة منذ ذلك الحين، محذرين من أن المتظاهرين يريدون البحرين لتكون جزءا من إيران مرة أخرى، وأنهم يريدون فرض تغييرات على النمط الإيراني، مثل الحجاب القسري لجميع النساء، في البحرين. أصروا على أن المتظاهرين كانوا كذابين وكانوا قد زوروا إصاباتهم. حاولت أن أوضح رأيي بأن هدف الاحتجاجات هو الحصول على ديمقراطية حقيقية ولكن، تتضح الأمور فورا، بأنني كنت أضيع وقتي. شكرتهم واختلقت ذريعة للمغادرة.

وبعيدا عن العمل، كنت مشغولا على فايسبوك، والذي أصبح سيلا متدفقا من المعلومات عما يحدث في البحرين. ولحسرتي، وجدت كمية كبيرة من المعلومات المضللة: مزاعم العثور على أسلحة خلال إخلاء الدوار في 17 شباط/فبراير، شائعات  خيم الجنس، الاتهامات بأن المحتجين زوروا إصاباتهم وزوروا الصور الفوتوغرافية.. الخ.

كنت مرتعباً بأن  الطلاب، بما في ذلك بعض طلابي، ينشرون هكذا شائعات خبيثة. حاولت تصحيح بعض من هذه الأخطاء بناءً على تجربتي الخاصة، ولما رأيته مباشرة، فدوار اللؤلؤة يقع على أعتاب منزلي. شاركت في مناقشات مع عدد قليل من الطلاب وهم "أصدقاء" على فايسبوك  وعلى وجه الخصوص أولئك الذين كانوا يروجون بشدة  للآراء الملتوية والمتعصبة عن المتظاهرين والأفكار الشائنة والضيقة الأفق في دعم حكومتهم. فلقد تم استخدام كلمة "إرهابيين" لوصف المتظاهرين، وأحد الطلاب صنفهم على أنهم أسوأ من هتلر "حتى هتلر أبقى المدارس مستمرة"

وبعد انتهاء شهر شباط/فبراير، كان هناك المزيد من مسيرات الاحتجاج، أشياء أحبها ولم أرها من قبل. شاهدنا المتظاهرين من شقتنا وقد امتدوا من منطقة السيف وعلى طول الطريق إلى الدوار، فمظاهرة واحدة كانت  بطول 2 كيلومتر. ومجددا، النسوة يتميزن بسهولة بعباءاتهن السوداء. الأعلام البحرينية الطويلة، امتدت بين الحشود إلى مئات الأمتار. وكلما مروا ببطء من أمام المبنى استمعنا إلى هتافاتهم وأغانيهم. المسيرات، كما كانت من قبل كلها، تجرى بسلام واحترام.

البحرينيون الموالون للحكومة كانوا ينظمون تجمعاتهم الخاصة. فظاهريا كانت كتعبير عن دعم الأسرة الحاكمة ولكن كانت أيضا محاولة واضحة للمزايدة. وسرعان ما تم اكتشاف أن أكثر الحشود المؤيدة للحكومة كانت من العمال الوافدين من جنوب آسيا والذين صرفت لهم كوبونات الطعام للتظاهر والتلويح بالأعلام البحرينية الصغيرة.

هذه الأمور أصبحت أكثر بشاعة ابتداءً من 3 آذار/مارس. حيث اشتبك السنة والشيعة في مدينة حمد في ذلك اليوم، ثم مرة أخرى بعد أسبوع. وكان بعض السنة المشاركين هم من غير المواطنيين الأصليين، ومهاجرين مجنسين الذين تقول عنهم المعارضة إن الحكومة تجلبهم إلى البلد، وفي بعض الأحيان  بوظائف ممتازة وسكن مجاني وذلك لتعزيز أعداد السنة. وبعد بضعة أيام، استيقظت لأكتشف أن شارع السيف المزدحم عادة ليس فيه حركة مرور على الإطلاق: فالمتظاهرون أغلقوه من الجهتين. وفي الأيام التالية،  أغلقت كل مراكز التسوق الضخمة المجاورة والتي هي من أكبر الأماكن للتجمعات العامة (سيتي سنتر، مجمع الدانة، مجمع السيف، مجمع البحرين)، حيث إن القليل من الزبائن تمكنوا من الوصول اليها.

كانت زوجتي قد غادرت البلاد، والأمور بدأت تصبح غير مريحة بالنسبة لي. الأعداد الهائلة في الدوار تجعل التنقل بالسيارة عمليا أمرا مستحيلا، ومعظم المحلات التجارية القريبة كانت مغلقة. وكانت الجامعة قد عرضت علي وعلى اثنين من زملائي المعلمين، الذين كانا يعيشان معي في نفس المبنى، الانتقال إلى أحد الفنادق.

في 13 آذار/مارس، ملّت الحكومة وأرسلت الشرطة لإخلاء المحتجين، وكان عليهم أن أولا أن يشقوا طريقهم خلال الطريق السريع المغلق. استغرقت المعركة معظم الصباح. شاهدت ذلك من نافذتي ومن موقف سيارات المبنى  (حتى تدخل الغاز المسيل للدموع)  ولما انسحبت الشرطة في النهاية، ازدادت  بهجة المحتجين.

وأدركت الشرطة أنه لم يكن لديها الأعداد الكافية للاستيلاء على الدوار في ذلك اليوم. ولكن  كل ذلك تغير عندما دعا الملك حمد في اليوم التالي المملكة العربية السعودية لمساعدته على استعادة السيطرة. مع أنه لم يكن لدي أية فكرة على أن المملكة العربية السعودية ستستجيب بإرسال كتيبة من قواتها لمساعدة حمد في حملته القمعية، إلا أن هناك شيئاً ما كان يقول لي إن الأمور سوف تزداد سوءا ولذا قبلت العرض المقدم لي من الجامعة فحزمت حقائبي وتوجهت إلى فندق الخليج. وفي اليوم التالي،  بناءً على اقتراحات زوجتي القلقة، سافرت إلى تايلاند لقضاء عطلة. سوف أعود إلى البحرين ولكن وقتي هناك كان محدودا أكثر مما كنت أعرف حينئذ.
*توني ميتشيل مدرس أسترالي في اللغة الإنجليزية كان قد درس في تايلاند، وعمان، وكان آخرها في البحرين
19 كانون الأول/ديسمبر2011


وصلة النص الأصلي على مدونة توني ميتشيل

وصلة النص الاصلي على صحيفة  أتلانتك

الحلقة الأولى

الحلقة الثانية

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus